مقال: حيّان جابر
لم يعد الحديث السياسي و الوجداني و العقلاني عن نكبة 48 و نكسة 67 كافياً اليوم نظراً لتمدد و نمو مصائبنا على مدار السنوات الماضية، حتى بتنا نعيش انكسارات فلسطينية و عربية لا تقل فداحة و قسوة عما عشناه في نكبة 48 و في نكسة 67. و مع أن وقائع الاحتلال الأمريكية و الروسية و الإيرانية و التركية للعديد من الدول و مراكز القرار العربية تمثل مجموعة كبيرة من النكبات و النكسات العربية كذلك إلا أنه من المهم الحديث عن ما يحصل في فلسطين اليوم بالذات، لنستعيد المعنى السياسي و الميداني و المعنوي لنكبة 48 و لنكسة 67، اللتين مثلتا الإعلان الحقيقي لانطلاق المشروع الصهيوني على الرغم من تعدد محاولات التصدي له في السنوات و الأشهر السابقة لهزيمة جيش الإنقاذ العربي، و التي شكلت البداية السياسية الحقيقية لهذا المشروع الإجرامي انطلاقاً من الجزء المحتل في 1948 من الأراضي الفلسطينية، حيث مثلت نكبة 48 على الصعيد الميداني خسارة ما يمثل 78% من مساحة الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن تشريد نحو 800 ألف فلسطيني يشكلون قرابة 57% من الفلسطينيين المقيمين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ليتوزعوا على البلدات و المدن الفلسطينية و العربية، كما قامت العصابات الصهيونية بقتل ما يقارب ال 15 ألف فلسطيني خلال النكبة الفلسطينية فقط وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، و أخيراً فقد أدت النكبة إلى انكسار معنويات الشعوب العربية قاطبة ، لتصبح نكبة 48 أولى حلقات القطيعة الشعبية مع الأنظمة الرسمية العربية على خلفية الأخبار و المعلومات التي توالت عن تفاصيل الهزيمة، و التي بقيت راسخة في العقول والأذهان العربية حتى اليوم. لتأتي نكسة حزيران في العام 67 كتثبيت وتجذير للمصيبة العربية الحاصلة منذ 1948، فضلا" عن توسع الرقعة الجغرافية المحتلة لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية مصحوبة بأراض عربية أخرى سورية و مصرية و لبنانية.
و بناء عليه لا يمكن الاختلاف حول استمرار ذات الواقع، لا بل تدهوره أكثر، فالواقع الناتج ما بعد نكسة حزيران حتى اليوم بمجمل تفاصيلها السياسية و الميدانية و الوجدانية أو المعنوية ما زال قابعا متمثلا أساساً باستمرار سيطرة قوات الاحتلال الصهيوني على جميع الأراضي الفلسطينية و بعض البلدات و المدن العربية، كما أننا مازلنا نشهد تفوق و تطور و تقدم المشروع الصهيوني الذي تخطى الحدود السياسية و الجغرافية الفلسطينية ليفرض نفسه و بقوة سياساً و اقتصادياً و أمنياً على مجمل المنطقة و بأقل التكاليف العسكرية و البشرية، فضلاً عن زيادة الأحداث المعبرة عن الخذلان و التهاون الرسمي العربي و زيادة تواترها تجاه قضية العرب المركزية وفقاً لتعبيرات و تعريفات ذات الأنظمة المتخاذلة.
و بالمقارنة بين عام 48 و اليوم نجد أننا نعيش نكبة جديدة أشد قوة و عمقاً، لذا فما هي نكبتنا الراهنة هل هي نكبة 2017 أم 1993 -أوسلو- أم 1974 -إعلان البرنامج المرحلي أم أي من الأعوام التي تتخللها، قد نختلف كثيراً حول العام الذي شكل الضربة الأكثر ألماً لحركة التحرر الوطنية وللخطاب والقيم الوطنية إلا أننا سوف نتفق على الكثير من ملامح المرحلة الراهنة التي تحمل في طياتها توسع المشروع الصهيوني من مشروع مبني على الأراضي الفلسطينية و العربية المحتلة إلى مشروع متجذر ضمن البنية الهيكلية الرسمية العربية والفلسطينية، ولنا بحصار قطاع غزة و تقويض المقاومة الوطنية في جميع الدول العربية المحيطة بفلسطين وبالأراضي العربية المحتلة مثالاً على تحول هذه الأنظمة لتكون خط الدفاع الأول عن المشروع الصهيوني، كما لنا بدور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حماية و رعاية الاحتلال و مصالحه على حساب كرامة و مصالح الفلسطينيين دليل غير قابل للجدل عن تحول من كان يدعي تمثيل الثورة الفلسطينية إلى تمثيل الاحتلال و مصالحه و الدفاع عنه، هذه الأجهزة التي سهلت في 2006 عملية اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية الفلسطينية من داخل سجن أريحا التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى العديد من الأحداث التي تصدت عبرها الأجهزة الأمنية الفلسطينية لحجارة أطفال فلسطين أو للمظاهرات السلمية الفلسطينية منها و الدولية عند بعض نقاط التماس مع قوات الاحتلال، فضلاً عن عمليات الاعتقال و التفتيش لمن يشتبه بنيته التصدي لقوات الاحتلال فردياً أو جماعياً، و غيرها الكثير من القصص و الوقائع المخزية، و التي أفضت إلى اعتقال و كم أفواه الناشطين الوطنيين من قبل الاحتلال أو من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، و هو ما أجج الغضب و الاحتقان الشعبي عربياً و فلسطينياً ليطال المؤسسات و الهياكل التنظيمية الفلسطينية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها و إن نالت حركة فتح النصيب الأكبر من هذا الغضب نظراً لكونها الفصيل الرئيسي المشكل للسلطة الفلسطينية و لأجهزتها الأمنية.
و عليه يمكننا القول أن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية و العربية و تقاعس المعنيين بالشأن العربي و الفلسطيني عن أداء أدوارهم الطبيعية في إيجاد الحلول العملية لحركة التحرر و حمايتها من الظروف الدولية و الإقليمية غير المواتية لها، و من ثم ذوبانهم و تماهيهم مع المخططات الدولية و الصهيونية و التي حولتهم جميعاً إلى عنصر من عناصر المشروع الصهيوني و الإمبريالي، هما العاملان الرئيسيان لمصيبتنا الراهنة. هذه المصيبة التي تعبر عن لهاث القادة الفلسطينيين و العرب خلف مصالحهم الضيقة و مصالح القوى الدولية الراعية لهم و الراعية للاحتلال الصهيوني، دون الاكتراث لتعارض هذا الخيار مع طموحات و تطلعات و آمال الفلسطينيين و العرب، و بالتالي بات على الفلسطينيين و العرب التصدي لهم أولاً قبل التفكير و الإعداد للتصدي للاحتلال و للقوى الدولية الراعية و الداعمة له، من أجل رفض و مواجهة جميع محاولات القوى الدولية و الإقليمية و المحلية التي تهدف لتحويل الاحتلال إلى أمر واقع غير قابل للمس، و تحويله إلى مكون عضوي من مكونات حاضر و مستقبل منطقتنا العربية، و اعتباره شريكاً في الواقع اقتصادياً و ثقافياً و سياسياً و ربما اجتماعياً.