مذاق واحد فقط لم يستبدله اللاجئون الفلسطينيون من قطاع غزة إلى مخيمات الأردن، إنه طعم الذل والقهر والوجع.
عصفت بهم كل أزمات الحياة الواحدة تلو الأخرى، فمن تهجيرٍ، وضياعٍ إلى الحرمان من شروط الحياة الآدمية، التي تبدأ من لقمة العيش وتنتهي إلى ما لا يتخيله العقل، فأبناء قطاع غزة في الأردن تختلف أوضاعهم عن بقية اللاجئين الفلسطينيين، ممن يحملون الرقم الوطني.
اللاجئون الفلسطينيون هم الفلسطينيون الذين هُجِّروا من فلسطين بفعل العمليات الإرهابية الصهيونية، بعد احتلال الجزء الأكبر عام 1948، لجأ الكثير منهم إلى قطاع غزّة، وبعد احتلال الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة عام 1967، لجأ هؤلاء للمرة الثانية إلى الأردن.
فمن رحلة لجوء إلى لجوء آخر، حتى استقروا في مخيم جرش الذي يعرف بمخيم غزة، مخيم "طارئ" أقيم عام 1968، لإيواء 11500 من اللاجئين الفلسطينيين، ويغطي المخيم مساحة 750000 متر مربع.
تحديات كثيرة يواجهها اللاجئ من غزة تبدأ منذ الولادة وتنتهي بالوفاة، فيتخبط في مشاكل لا حصر لها، ومعاناته تتفاقم يومًا تلو الآخر، ليعيش أزمات معيشية واقتصادية.
اللاجئ الغزي في مخيمات الأردن يحرم من استكمال تعليمه، والحصول على الرعاية الصحية التي يضطر إلى دفع مبالغ باهظة - أو الانتظار أيامًا وشهورًا لتلقيها - عدا شح فرص العمل، والحاجة إلى تصريح مسبق من أجل سد رمق أطفاله.
و آلاف الأسر لا تجد قوت يومها، لا سيما أن معظم أفراد المخيم يعملون في المهن الحرفية والحرة -عمال مياومة -، ولا يستطيعون الحصول على وظائف لأنهم لا يحملون أرقاماً وطنية وكل ما يملكونه هو جوازات سفر مؤقتة لمدة عامين، كما يمنعون من تملك بيت أو سيارة أو قطعة أرض، لذلك يلجؤون إلى تسجيل ما بحوزتهم من أملاك، بأسماء غيرهم ممن يحملون الرقم الوطني.
أتمنى أن ترسب ابنتي!
"مش عارف من وين بدي ألاقيها ولا من وين" هكذا وصف اللاجئ باسل أبو راشد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين معاناته.
كان لدى باسل وأشقائه بيت وقطعة أرض تكلفتهم المالية تتجاوز 150 ألف دينار، سجلهم باسم صديقه الذي يحمل الرقم الوطني، وعندما سمحت الحكومة لهم بالتملك، نقل ملكيتهم إلى اسم شقيقه، ودفع ما يزيد عن ٧٠٠٠دينار أردني رسوم التنازل.
في الثالث من كانون الأول 2018، أقرّ مجلس الوزراء بعض التسهيلات لأبناء قطاع غزة منها، السّماح لربّ الأسرة من أبناء القطاع الحامل لجواز السّفر الأردنيّ المؤقت من فاقدي حق المواطنة، بتملك شقة في عمارة، أو منزل مستقل مقام على قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن دونمٍ واحدٍ، أو تملك قطعة أرض فارغة لا تزيد مساحتها عن دونمٍ واحدٍ لبناء مسكن.
تأتي هذه التسهيلات ضمن شروط وإجراءات معقدة للغاية، إضافة إلى التكلفة المالية الباهظة، التي يضطر إلى دفعها من أجل إجراءات التنازل والتملك، مما أدى إلى عزوف الكثير عن اتخاذ هذه الخطوة، لتردي أوضاعهم الاقتصادية.
يقول أبو راشد:" لي صديق سجل بيته باسم أحد أقاربه وتوفى الأخير وأبناؤه ما زالوا أطفال، وما في اليد حيلة، لا يعلم كيف سيحصل على أرضه".
"يثقل كاهلي هم صغيرتي التي لم تتجاوز 15عاماً، والتي تنهي عامها الدراسي كل سنة بتفوق، تمنيت تكون راسبة وتيجي من عند الله" يقول أبو العبد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، يائسًا من تحسن أوضاعِ اللاجئين الفلسطينيين في مخيم غزة، وتخوفاً من أن تمنعه التكاليف المرتفعة التي تفرض على ابن مخيم غزة من أن يكمل تعليم ابنته، عدا شح فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة.
اقتنى أبو العبد مركبة من نوع ديزل " نقل مشترك" وسجلها باسم زوجة ابن أخيه، لأنها تحمل الرقم الوطني، ونتيجة خلافات أسرية انفصلا، ورفضت الأخيرة أن تتنازل عن السيارة، ولحسن حظه قام برهن السيارة في ذات الوقت عند شرائها، وبموجب ذلك لا يحق للمالك أن يتصرف بالمركبة دون أن يتنازل صاحب الرهن.
يتابع، الرهن يتم من خلال دائرة الترخيص عن طريق عقد يوثق عند محامي مختص، ويتم دفع ما يقارب 300دينار، والتي تعادل قيمة الرهن، مشيرًا إلى أنه عاد وسجل المركبة باسم صديقه الذي يحمل رقمًا وطنيًا، وكلفته هذه الإجراءات حوالي 2500دينار أي ما يعادل ثلث ثمن المركبة.
أبو العبد عامل مياومة في البناء، تعطل عن عمله ما يقارب 6 شهور نتيجة حجز سيارته إلى حين انتهاء إجراءات التنازل، التي تمت في ظل أزمة كورونا، حيث شهدت انخفاضًا حادًا في الإنتاج،" مما زاد الطين بلة" كما قال.
كيف نشتري أرضنا مرتين؟
حال أبو العبد، عامل المياومة ليس بعيدًا عن حال أبو عمار، بذات الأسى تحدث عن أوضاع اللاجئين من غزة، الذين اكتووا بنار الهجرة تارة، ووصمة "الغزاوي" تارة أخرى كما يقولون، عدا حرمانهم من الوصول إلى مستوى معيشي لائق، يضمن حصولهم على الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "اشتريت أنا وشقيقي قطعة أرض تبلغ مساحتها ما يقارب 400 متر في عام 2004، ودفعنا كل ما نملك من أجل شرائها وبناء ثلاثة منازل عليها، "تحويشة العمر" وسجلناها باسم أحد الأقارب، وبعد 5 سنوات توفي، وعندما أصدر أبناؤه حصر الإرث تبين لهم أن الأرض والعمار باسم والدهم".
وأكمل بصوت مجهد: " تفاجأنا في عام 2010 بقدوم أبنائه لاستلام الأرض، وطلبوا منا دفع ثمنها حتى يسمحوا لنا بشرائها، ورفضنا ذلك، فكيف ندفع ثمنها مرتين، ونشتريها ونحن لا يسمح لنا بالتملك، وبعد توكيل محامي ودفع تكاليف القضايا، وصلنا إلى اتفاق مشترك، بدفع مبلغ من المال".
رغم وجود شهود وورقة وكالة تثبت أن الأرض تعود ملكيتها لأبي عمار وشقيقهه، إلا أن القانون لا ينصفُ اللاجئين في مخيم غزة، مبررًا ذلك بأن أي عملية شراء خارج دائرة الأراضي تعد باطلة.
لن تنتهي حكاية أبو عمار هنا، فبعد عدة سنوات بيعت أرضهم إلى مشترٍ آخر، وهم أصحابها الأصليون فلا حول لهم ولا قوة، في ظل صلَف القوانين التي تحكمهم.
تساءل الناشط المجتمعي توفيق أبو عاذرة ما الفكرة من عدم السماح للاجئين القادمين من غزة بالتملك، رغم أن جميع الجنسيات الوافدة إلى الأردن تتملك.
تابع مستهجنًا، "اشتري أرض وأعمر عليها بيت وما يكون باسمي ويكون باسم غيري، وتنباع قدام عيوني ولا أستطيع أن أفعل شيئاً، أنا بطالب أملك سكن وليس أماكن شاسعة، ما بعرف بماذا يفكر صاحب القرار ما الهدف من ذلك، أن تنام في بيت وفي يوم وليلة تخرج قسرًا إلى الشارع".
ويكمل: "أعداد السكان زادت ومن المفترض أن يكون هناك توسع في المباني والأراضي، فما الجدوى من هذا القرار، لا أعلم".
أشار أبو عاذرة إلى أن الحكومة الأردنية سمحت، بتملّك شقّة في عمارة أو منزل مستقل مقام على قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن دونم واحد، بشرط أن يكون اللاجئ يملك كوشان مستقل، بعد مطاردة تستمر على ما يزيد عن ثلاثة أشهر، من أجل التنسيق مع وزير المالية ودائرة الأراضي والمساحة ومش معروف إذا راح يوافقوا على نقل الملكية أم لا.
"رزقتي ومالي بمهب الريح فأنا عند الدولة لا أملك شيء، موضحًا نحن جزء من نسيج هذا البلد ونضخ في اقتصاده، شقيقي مغترب في السعودية، ويحول لنا أموال ونصرفها في هذه البلد". ويناشد أبو عاذرة صناع القرار بأن يفكروا بحكمة، ويعيدوا النظر بأوضاع اللاجئين من غزة، وآلية تملكهم.