فُجع مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان، باكتشاف جريمة اغتصاب الفتاة "د.ب " وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة تبلغ من العمر 20 عاماً، بعدما لوحظ ظهور علامات الحمل عليها.
مر على هذا الحادث أسابيع، واتُّهم حينها بالجريمة المدعو " ف.ع " وهو مصور ومسؤول الإعلام في المكتب الحركي للشباب والرياضة بحركة " فتح"، والمدعو "ع.ب" وهو عم والد الفتاة وبمثابة جدها، وقد رفعت دعوى ضدهما لكنها الى اليوم لم تصل إلى المخفر، فماذا وراء خلفيات الجريمة؟ وما هو المسار القانوني لسير الدعوى؟ وهل من معتديين آخرين متورطين ولم تُفضح أسماؤهم؟
رواية ذوي الضحية
يقول عبيدة شقيق الفتاة لوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن الجريمة وقعت بدايةً من قبل المتهم "ف .ع" ، وذلك عبر استدراج الفتاة وإغرائها بـ"الدباديب والألعاب"، وإنهم لاحظوا الموضوع عندما بدأت تظهر علامات الخوف عليها، موضحاً: "كانت تضل خايفة، قاعدة لحالها بالزاوية ومصدومة"، وبعدما علم عم الأب المتهم "ع .ب" باستغلال المتهم الأوّل للفتاة واغتصابها، بدأ باستغلالها بدوره، واغتصابها وتهديدها بـ "يا إما بقول لأهلك يا إما باخد منك الي بدي ياه"، حسب وصف الأخ، الذي يضيف أنّ العم المتهم بعدما علم بمعرفة العائلة بجريمته، بدأ بالتردد كثيرًا إلى المنزل على "نية التخلص من الفتاة بأي طريقة"، حسبما يقول.
يشار إلى أنّ الفتاة واجهت المتهمين، وقدّمت مع أهلها بلاغاً ضدهما، واعترفت أنهما اعتدا عليها أمام عناصر الشرطة في المخفر برفقة والدها، وأنها حامل بالشهر الخامس، وتحمل بطاقة إعاقة.
ويوكّد شقيق الفتاة أنهم لن يتنازلوا عن الدعوى بأي ثمن، مشيرًا إلى حالة نفسية سيئة تعاني منها الفتاة بسبب ما تعرّضت له.
المسار القانوني وأسباب تأخر الدعوى
يصف المحامي شربل نجم المختص بالقانون الجزائي والذي تم توكيله لاستلام الدعوى الجريمة بـ "جريمة بشعة جدًا فوق ما يمكن أن نتصوره وضد الإنسانية".
وبعدما يؤكّد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الاعتداء حسب كلام المدعية بدأ حين كان عمرها 14 عاماً وبشكل متكرر حتى لحظة اكتشافها أي على مدى ستة أعوام، يرد على التأخر بوصول الدعوى إلى مخفر صيدا، بأنّه "بسبب إضراب الموظفين، والأجواء التي يعيشها البلد حيث يشهد إضراباً عاماً، العدلية عم تسكّر وما في موظفين". هذا إضافةً إلى التأخر في توكيل المحامي، إذ يُوضح أنه تسلّم الدعوى منذ قرابة أسبوع فقط في وقت خرجت القصة للعلن داخل المخيّم منذ 3 أسابيع، إلّا أن الأهل أخطؤوا في اتّباع الإجراءات القانونية الصحيحة حيث توجهوا إلى مخابرات الجيش أولًا دون رفع دعوى وهي جهة غير موكلة للنظر في مثل هذه الجرائم، كما يؤكّد نجم أنه على الدعوى أن تصل إلى المخفر اليوم الثلاثاء 5 تموز، وبموجبها يتم استدعاء المتهمين.
وعن المسار القانوني المتّبع، يوضّح نجم أنّه قام بتقديم شكوى لدى النيابة العامة، وتم تحويلها إلى مكتب الآداب. ومن المتوقع أن يتوجه إلى مكتب الآداب في ثكنة حبيش في منطقة الحمرا اليوم الثلاثاء، ويتم استدعاء المدعى عليهما، بعدما يُعطي القاضي إشارة باتخاذ الإجراءات القانونية بحقّهما. وفي حال لم يتسجب المتهمان لطلب الاستدعاء يتم إصدار بلاغ بحث وتحرّي بموجبهما ويتحوّل الملف إلى قضاة التحقيق التي تصدر مذكرة توقيف بحقّهما.
يؤكّد نجم أنّ جرم الاغتصاب لفتاة قاصر هو جريمة يُعاقب عليها القانون اللبناني بغض النظر إذا كانت الفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة أم لا، وأن العقوبة ترتفع في حال كانت من ذوي الاحتياجات، مضيفًا أنّ "الموضوع أخذ كتير ضجّة لإنه البنت عندا إعاقة ولإنه حبلت، الإعاقة بتزيد العقاب"، مشيرًا أنه كمحامي لا يمكنه تحديد شكل العقوبة إلّا أنه يُجزم أنها لا يجب أن تقل عن سجن 7 سنوات، كما يؤكّد على ضرورة انتظار مخرجات التحقيق.
دور الأمن الوطني وتورّط أسماء أخرى غير المدّعى عليهما
يؤكّد نجم على ضرورة عدم استباق التحقيق حيث يقول "يمكن مش هني"، شارحًا أنّهما لا يزالان قيد الاتَهام، ومؤكّدا أنه رغم ذلك يستطيع تأكيد تورّطهما بالاثباتات والأدلة التي تدينهما، إلّا أنه "على القضاء أن يأخذ مجراه" حسب قوله.
وبينما يزيد الالتباس حول المتهمين وأسمائهم، إذ تداولت أسماء أخرى غير المتهمين الإثنين على لسان أهالي المخيم، كما نشرت صفحة على "فيسبوك" معلومات لديها تفيد بتورط شخصيات من الأمن الوطني.
يفيد ي.م، أحد أهالي المخيّم لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ الأسماء المتورطة تضم شباب من الأمن الوطني وذلك حسب أقوال الناس، ما جعل من هذه القضية خلال الأسابيع الفائتة مثار جذب ورد من قبل الفصائل الفلسطينية، في شكل يشي بحدة الانقسام السياسي الفلسطيني وتوظيف قضية كهذه - يجب ان تعالج قانونياً وإنسانياً- في التجاذبات السياسية.
وفي سبيل البحث عن هذه الأسماء والتحري حولها، وجّهنا سؤال إلى المحامي نجم مفاده "هل ذكرت الفتاة للمحامي أشخاص آخرين إضافة إلى الاسمين الأولين؟"، ليجيب معتذرًا عن السؤال "بدي اعتذر منك على هالسؤال، الاتهام ضد شخصين، ولكن إذا في أشخاص تانيين التحقيقات بتكشفها".
قائد الأمن الوطني الفلسطيني في مدينة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي يجيب لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن سؤال ما إذا كان للمتورطين أي علاقة بالأمن الوطني بـ "صارت القضية عند القضاء وبكرا ببين إذا الأمن الوطني إله علاقة أو لا، التحقيق ببيّن كل شي"، مضيفًا أن "البنت اعترفت على هذين الشخصين، وأي شخص آخر ستعترف عليه البنت سوف يظهر في التحقيق".
يؤكد العروموشي أن الأسماء المتداولة على أنها لشخصيات في الأمن الوطني وشاركت في الجريمة "العم المتّهم عم بيطلعها عشان يضيّع الموضوع ويغطّي على نفسه"، حسب قوله، ويضيف أنّ المخفر والمحامي سمعا منها، حيث ادّعت إلى الآن على شخصين فقط، نافيًا أي علاقة لـهذين الشخصين " ف .ع " و "ع .ب" بالأمن الوطني.
الأمن الوطني كان على علم.. والمتهّم يهدد العائلة
وكان العم المتّهم قد هدد العائلة بالأسلحة والقنابل، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله من قبل الأمن الوطني. وأوضح العرموشي أنّ الأمن الوطني علم بالموضوع منذ قرابة الـ 20 يومًا، وشجّع الأب على رفع دعوى حينها، إلا أن الأب كان خائفًا من تهديدات العم، وتمكّن من رفع الدعوى بعد اعتقال الأخير والمتهم الآخر "ف .ع " من قبل الأمن الوطني وتسليمهما إلى مخابرات الجيش ليصار إلى إطلاق سراحهما فورًا بعدما تبين أنّ هذا المسار القانوني خاطىء ومخابرات الجيش لا تنظر في الدعاوى الجزائية.
يستمر العم المتهم بتهديد العائلة حتى الآن، ويرد الأمن الوطني عن دوره في هذا الخصوص قائلًا: "عم بيهدد عالواتساب، طول مهو مجرد حكي وعالواتساب ما بنتدخل، بس لما يصير الاشي جدي بنعتقله"، مضيفًا "ما بيقدر يشكّل خطر على العيلة لأنه بيت العيلة حد مكتب الأمن، بدنا نعرف دغري".
وأشار العرموشي إلى أنّ الإجراءات تحتاج إلى وقت، وأنهم أبلغوا المتهمين بوجوب الاستجابة فور لطلب التحقيق، مؤكّدًا أنّه في حال تم طلبهما ولم يذهبا للقضاء سيقوم الأمن الوطني بتسليمهما.
يلفت العرموشي إلى أنّ هذه الجرائم لا تحصل عادةً في المخيم، وأنّ المخيم مجتمع مثل باقي المجتمعات من الممكن أن يحصل فيه ما يحصل عادة في أي مجتمع آخر.
وعن دور الأمن الوطني، قال المحامي نجم، بعدما أشاد بدورهم، أنّه لمس أنّ الأمن الوطني مهتم جدًا بالقضية ومتجاوب لأقصى الحدود ويتابع المسار القانوني معه ومع العائلة.
ويقول ابن المخيّم " ي.م. " أنه في البداية لم يستوعب هول الجريمة، من اغتصاب واستدراج، وأن تبقى 5 أشهر متستّرة رغم أنّ "المخيم كله بيعرف بعضه وما شي بيتخبّى"، حسب قوله ويشير إلى إحساسه بالغرابة من هذا الحذر الشديد في التعاطي مع الموضوع، الذي يفوق حسب تصوره فرضيات الخوف على الشرف، ليصل إلى تمييع القضية. مضيفًا أن صفحة "الفيسبوك" التي كانت معنية بنشر المعلومات توقفت عن النشر، وهذا يثير الشكوك، ربما هي محاولة من المعنيين إلى لفلفة القضية وحلها بعيدًا عن الإعلام وبحذر شديد وحصرها بمتهمين إثنين فقط وطارحًا فرضية تسييس القضية سواء بالتجييش ضد الأمن الوطني أو بـ "لفلفة" الموضوع لصالح باقي المتورطين.
يُذكر أنّ صفحة الفيسبوك التي تحمل إسم "مخيمات لبنان نيوز" كانت قد نشرت منشورات بتاريخ 15 حزيران/ يونيو الفائت اتهمت فيها تورط عناصر من الأمن الوطني بالجريمة ووعدت خلالها الناس بالكشف عن تفاصيل في الأيام المقبلة إلى أنها اختفت بعدها وتوقفت عن النشر تمامًا، وأن "ف .ب " كان قد برأ نفسه فور إطلاق مخابرات الجيش سراحه في بيان نشره على صفحته الشخصية عبر "فيسبوك" وعلى صحفات المخيّمات الإخبارية رغم عدم حصول أي تحقيق معه حتى الآن، وأنه ما من إجابة وافية، تُجزم أو تنفي أو تُبعد الشكوك عن تورّط معتديين آخرين حتى اللحظة، وأنه إلى الآن لم يتم اتّخاذ إجراءات جدية بحق المتّهمين الإثنين اللذين يمارسان حياتهما بشكل طبيعي رغم هول الجريمة المتهمين بها.