تظهر الأرقام الرسميّة الصادرة عن وزارة العمل الفلسطينيّة، أنّ قرابة ربع مليون فلسطيني في قطاع غزّة هم في عداد العاطلين عن العمل، ومعظم هؤلاء هم من أبناء مخيمات اللاجئين في غزّة، وبسبب الأحوال الاقتصاديّة شبه المنهارة، يضطّر الخريج الجامعي -وهم بالآلاف- للعمل بمهنٍ مختلفة ليس لها علاقة بتخصصه الجامعي.
شاهد/ي أيضاً 250 ألف خريج جامعي في غزة يطالبون وكالة "أونروا" بفرص عمل
هذه المهن المختلفة في غزّة التي يلجأ لها الشباب تكون مقابل أجورٍ زهيدة، ما يخلق بطالة مقنّعة تستشري في المخيمات دون أي أفقٍ يلوح أمام الآلاف من الخريجين.
يقول الخريج الفلسطيني خالد الحسين من سكّان مخيم البريج لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: لا يوجد وظائف في غزة، وتقدّمت للعديد من المؤسسات الرياضيّة، ولكن دون جدوى.
ويكمل خالد وهو خريج تربية رياضية ويعمل في مهنة الحلاقة: عقب ذلك لجأت إلى مهنة الحلاقة بعد أن تعلّمتها وحصلت على شهادة فيها حتى أعمل وأتدبّر أموري وأمور عائلتي.
ويُشير خالد إلى أنّ الحياة في غزّة أشبه بـ"الموت السريري"، فتجد الخريج إمّا يبيع السجائر، أو الشاي والقهوة، أو يعمل في النظافة، بكل صراحة الخريج ليس له احترام في البلد، لذلك يفكّر الشباب في الهجرة.
ويدعو خالد كافة المسؤولين في غزّة إلى توظيف الشباب ولو بنسبة 10% حتى يحسنون من أوضاعهم ولو قليلاً، وحتى لا نرى الشاب بعمر 30 عاماً يعاني من أمراض السكر والضغط ويصاب بالجلطات بفعل هذه الظروف القاهرة.
أنا خريج من كلية إدارة الأعمال منذ 8 سنوات ولكن أعمل في بيع السجائر
أمّا الخريج إياد فاضل وهو من مخيم البريج أيضاً، يقول: أنا خريج من سنة 2015 من الجامعة الإسلامية بكالوريوس إدارة أعمال، وحالياً عاطل عن العمل، وجرّاء هذه الأوضاع الصعبة لجأت لبيع السجائر، وأجني يومياً من 10 إلى 15 شيكل.
ويشير فاضل إلى أنّ الظروف الحياتيّة في المخيمات لا تطاق، والحمل على الشباب ثقيل، لافتاً إلى أنّه متزوج ولديه أطفال، وأيضاً مريض بحاجة إلى علاج بشكلٍ مستمر.
وحول ذات الأمر، يقول سعيد أبو الروس، وهو لاجئ فلسطيني من بئر السبع إلى مخيم البريج: إنّه يعمل في محلٍ لبيع المثلجات "بوظة وبراد"، وذلك بعد أن تخرّج في العام 2018، وكغيره من الخريجين لم يجد عملاً، ولجأ للعمل في محل المثلجات.
ويتابع أبو الروس: أنا خريج بكالوريوس محاسبة من جامعة القدس المفتوحة، ولم أجد وظيفة رغم أنني قدمت في أكثر من مكان ومؤسسة، إلّا أنّ كل محاولاتي باءت بالفشل، لأنّه لا يوجد لديّ واسطة لتوظيفي.
ويرى أبو الروس أنّ هذه الأوضاع تدفع الشباب للهجرة بحثاً عن العمل في الخارج، وحالياً يبحث سعيد عن إجراءات الهجرة وتكلفتها المالية أملاً في إيجاد عملٍ في الخارج، كما قال لموقعنا.
في الصيف أبيع المثلجات وفي الشتاء لا أعمل.. لا يوجد شاب في غزة لا يفكر بالهجرة
اللاجئ الفلسطيني محمود ثابت يقول: إنّه خريج "ضابط وسائق إسعاف" من كلية تنمية القدرات في خانيونس، ويعمل الآن في محلٍ للمثلجات بسبب الظروف وعدم توفّر وظائف للخريجين.
ويؤكّد ثابت: بدون واسطة قوية في غزّة لا يمكن لأحد أن يجد وظيفة، وها أنا اليوم أعمل في موسم المثلجات في فصل الصيف، وفي الشتاء لا يوجد أعمل، أجلس في البيت، لذلك اليوم لا يوجد شاب في غزة ولا يفكّر في الهجرة إلى الخارج بحثاً عن عمل وبحثاً عن التقدير الذاتي للشباب الحاصلين على الشهادات الجامعية.
وحول ذات الظروف، يقول اللاجئ الفلسطيني من قرية المسمية الكبيرة ياسر السيد: هذا المخيم، مخيم البريج يتكوّن من حوالي 500 كم مربع، ويعيش فيه اليوم حوالي 50 ألف نسمة، ومن ضمن هذه الشريحة الكبيرة نجد أن نسبة العاطلين عن العمل تكاد تتجاوز النصف، لا سيما وأنّ مخيم البريج هو مخيم فتي من ناحية نسبة الشباب والشابات داخل المخيم.
ويوضح ياسر، أنّ هذا الأمر وازدياد أعداد البطالة يرجع إلى الظروف الموجودة بسبب الاحتلال والحصار وظروف الانقسام، إلى جانب عوامل أخرى تعاونت جميعها وأنتجت هذا الكم الهائل من أعداد الخريجين العاطلين عن العمل.
ويتابع ياسر: الشاب يدرس من 4 إلى 5 سنوات ولا يجد فرصة عمل، ما يضطره لمزاحمة العمال على العمل في مهن ليست من تخصصه كخريج، فهذه جريمة على الجميع أن يقف عندها، ومن أجل تحسين الظروف القائمة.
من جهته يؤكد عضو اللجنة الشعبيّة في مخيم البريج إبراهيم وشاح، أنّ البطالة أصبحت أشبه بمرض السرطان لدى الشباب الفلسطيني ولدى الشباب اللاجئين في المخيمات، فقد أصبح لسان حالهم دائماً: "أنا زهقان، أنا طفران، أنا قرفت الحياة، الموت أفضل من هذه الحياة"، فيما يحاول الشباب الهجرة بشكل دائمٍ.
ووجّه وشاح سالة إلى كافة المسؤولين بالقول: لا تجلعوا الشباب يرحلون في قوارب الموت، فهناك شباب كفاءات في هذا الوطن يسعون لبناء هذه الدولة.
وفي وقتٍ سابق، أكَّدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزّة، أنّ 81% من سكّان القطاع يواجهون تحديّات كارثيّة بفعل العديد من العوامل أبرزها الحصار المستمر منذ 16 عاماً.
وجاء ذلك خلال تقديم وكالة "أونروا" موجزاً حول "النداء الإنساني" الذي يهدف إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع، بما في ذلك الغذاء والصحة والتعليم وغيرها، إذ شارك في المؤتمر مدير عمليات "أونروا" توماس وايت، ومدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا.
ويُشار إلى أنّ مساحة قطاع غزة تبلغ 356 كيلومتراً مربعاً، ويخضع للحصار الصهيوني المُشدد براً وجواً وبحراً منذ العام 2007، والذي بموجبه تُسيطر سلطات الاحتلال بشكلٍ كامل على جميع جوانب الحياة في القطاع، إلى جانب أنّ سلطات الاحتلال تُمارس أكثر أشكال الفصل العنصري بحق أهالي القطاع من خلال حصار ما يزيد عن مليوني انسان غالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين لأكثر من 16 عامًا على التوالي.
لمشاهدة التقرير عبر الرابط: