في مخيم الجليل، لا تأتي الأعياد كما تأتي لبقية الناس. هنا، استُقبل عيد الأضحى بقلوب منهكة من الأزمات، وبأرواح مثقلة بالحزن على غزة، حيث المجازر لا تتوقف. في رابع أيام عيد الأضحى، وبينما يحتفل العالم الإسلامي، يسود الصمت ثقيلًا في أزقة المخيم، وتغيب مظاهر البهجة كما في السابق.
يحاول اللاجئون الفلسطينيون في المخيم التمسك بما تبقى من طقوس العيد، إلا أن الأزمة الاقتصادية، وانعدام القدرة الشرائية، والمشاهد اليومية للقصف والدمار في القطاع، كلها اجتمعت لتجعل من العيد مناسبة ثقيلة ومحمّلة بالأسى.
يقع مخيم الجليل على أطراف مدينة بعلبك في البقاع اللبناني، وهو أحد أصغر المخيمات الفلسطينية في لبنان من حيث المساحة وعدد السكان، إذ يضم نحو 7,000 لاجئ فلسطيني، بينهم نازحون من مخيمات سوريا. ويعاني المخيم من معدلات فقر مرتفعة جدًا، وبطالة مزمنة في ظل شبه انعدام للفرص الاقتصادية في المنطقة، ويعتمد غالبية سكانه على مساعدات "أونروا" المحدودة وبعض أشكال العمل الموسمي أو غير الرسمي. كما يشهد تقليصًا مستمرًا في الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية، ما يضاعف من أعباء الحياة اليومية لسكانه.
العيد في مخيم الجليل غائب
عيد الأضحى يوم مبارك، تتعزز فيه صلة الأرحام، ويحتفل به الكبير والصغير، وفي مخيم الجليل يحاول اللاجئون الفلسطينيون التحضير له، رغم ضيق الحال وثقل الأيام. ففرحة العيد هنا تصنع بالإصرار. ورغم المحاولات الخجولة للاحتفال، إلا أن العيد في مخيم الجليل هذا العام كان غائبًا.
تقول اللاجئة الفلسطينية انتصار حسن لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "لم نشترِ شيئًا للعيد، من يشعر بقدوم العيد؟ غزة تحت القصف، فكيف نحتفل؟ من يشعر بأهلنا في غزة يدرك أنه لا فرحة للعيد. نسأل الله الفرج القريب لغزة، وأن يطمئن قلوبنا رغم ما نمر به".
أما عبد الكريم عبد القادر، فيصف الأجواء قبل العيد قائلاً: "بالنسبة لعيد الأضحى، نشعر أنه غير موجود. الأوضاع الاقتصادية سيئة، لا أعمال ولا مردود مالي. حتى نظرة الأطفال تغيّرت، لا بهجة للعيد. ما يحدث في غزة أثّر على الجميع. الفرحة صعبة، والمأساة كبيرة".
وتتابع نجاة كايد بالقول: "عيد رمضان وعيد الأضحى هذا العام مرّا علينا بصعوبة. من لديه 3 أو 4 أولاد لا يستطيع تلبية احتياجاتهم مثل من لديه طفل واحد. إذا أردنا شراء ثياب ولحم لنُدخل الفرح على قلوب الأطفال لا نستطيع، فالوضع الاقتصادي صعب جدًا".
أصحاب المحال التجارية: ركود في الأسواق وثقل الأزمة يزداد
تشكو المحال التجارية من ضعف الحركة قبيل العيد، وتصف غدير الشياح، صاحبة محل ألبسة، الوضع هذا العام بأنه "سيئ للغاية، خصوصًا لأصحاب المشاريع الصغيرة. الزبونة تدخل ومعها 5 أطفال، لكن لا تستطيع الشراء بسبب الأسعار. أحيانًا تفصّل فقط الأسعار وتغادر. ربما تشتري لطفل وتترك الباقين".
وتضيف: "الوضع المعيشي في المخيم بات مكلفًا جدًا، خصوصًا مع تأثير ما يجري في غزة على المزاج العام. جميعنا نشعر بهم ونتحمّل من أجلهم".
أما عبدالله الحاج، صاحب محل "فيبوجو"، فيقول: "كل عام كانت الأوضاع أفضل من هذا العام. القدرة الشرائية ضعيفة جدًا، خاصة بعد الحرب والظروف الصعبة التي يمر بها الناس. تأتي المرأة ومعها أربعة أطفال، تحاول أن ترضي الجميع، ولكنها تشتري أقل ما يمكن".
وتتحدث أم خالد جاري، صاحبة محل حلويات، عن انخفاض الإقبال بالقول: "الإقبال خلال العامين الماضيين أقل من السابق، بسبب الحرب على فلسطين، وخاصة على غزة. هناك حركة بطيئة جدًا في المخيم." وتختم بالتمني لأهل غزة بالفرج والنصر وراحة البال.
مشاعر وأمنيات أهالي المخيم: تتجه إلى غزة
رغم تمسّك اللاجئين الفلسطينيين بطقوس العيد، إلا أن مشاهد الإبادة في غزة والعدوان على الضفة حوّلت العيد إلى مناسبة ممزوجة بالجراح والحزن. يقول الحاج أبو غالب إدريس: "نشعر جميعًا بالحزن، وندعو لهم دائمًا بالفرج والنصر، ماذا نقول غير ذلك؟ الله يفرّج عنهم ويأخذ بأيديهم".
ورغم كل الصعوبات التي يمر بها اللاجئون الفلسطينيون في مخيم الجليل مع حلول عيد الأضحى، يصرّ الأهالي على صناعة مساحة أمل، ولو ضيّقة، في محاولة لرسم بسمة على وجوه الأطفال. ولا تغيب عن شفاههم الدعوات لأهالي غزة بالفرج القريب والنصر.