إيمان العبد
"فعلياً الواحد بيفوت على مزبلة مش على المُخيّم، في كل شارع وفي كل زُقّة في كوام كبيرة زبالة، المُخيّم عبارة عن مزبلة حرفياً بدون أي مبالغة"، هكذا بدأ مُعتصم حديثه عن الأوضاع في مُخيّم البقعة للاجئين الفلسطينيين الواقع على الحدود الشماليّة الغربيّة للعاصمة الأردنيّة عمّان، على طريق عمّان_إربد.
بداية الأزمة
الأزمة التي بدأت مع إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" خدمات أكثر من (100) موظف من العاملين لديها في الأردن، في كانون الثاني/يناير 2018، وهم من بُدلاء الدرجة الثانية "عمّال النظافة وأذنة المدارس والعيادات"، ظهرت ملامحها مع بدء خفض عدد عمّال النظافة في مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن، وتفاقمت مع مرور أكثر من عام على القرار لتكون أقرب إلى كارثة بيئيّة.
"أونروا" في حينها اتخذت قرار إنهاء خدمات العاملين وتعليق التعيينات وربطتها بـ "الحاجة"، ضمن أولى إجراءات ضبط النفقات والخدمات المُقدّمة للاجئين الفلسطينيين، إزاء العجز المالي الذي تكبّدته الوكالة في مطلع العام الماضي والذي قُدّر في حينه بنحو (174) مليون دولار أمريكي، جراء عدم حسم الموقف الأمريكي في ذلك الحين والذي كان مُرشحاً للزيادة، وبالفعل تم ذلك، حيث أوقفت الولايات المتحدة دعمها ومُساهماتها بالكامل لميزانيّة "أونروا" والتي تُقدّر بـ (370) مليون دولار، كأكبر مانح للمنظمة الدوليّة.
وطال القرار في ذلك الوقت مُجمل المُخيّمات الـ (13) المُوزّعة على أنحاء مُتفرقة في الأردن، حسب ما ورد في رسالة مدير عمليّات إقليم الأردن إلى إدارة الوكالة في حينها، والاجتماع العاجل الذي عُقد في العاصمة عمّان برئاسة المُفوّض العام لـ "أونروا"، بيير كرينبول، ومُدراء عمليّات المناطق الخمس.
ونصّ القرار على "إنهاء عمل 30 عاملاً في مُخيّم البقعة من أصل 92، 14 عاملاً في مُخيّم الوحدات من أصل 39، 7 عمّال في مُخيّم إربد من أصل 17، 7 عمّال في مُخيّم الحصن من أصل 22، 11 عاملاً في مُخيّم الحسين من أصل 27، 8 عمّال في مُخيّم غزة من أصل 22، 3 عمّال في مُخيّم سوف من أصل 15، 17 عاملاً في مُخيّم ماركا من أصل 40 عاملاً."
الحملات والمبادرات ليست حلّاً أو بديلاً عن "أونروا"
في الأشهر الأولى من الأزمة حاول اللاجئون الفلسطينيّون في عدّة مُخيّمات بالأردن السيطرة على الآثار الكارثيّة وإن كان بشكل مؤقت كخيار وحيد أمام الأهالي، فبدأت مُبادرات في مُخيّمات مثل غزة "جرش" ومُخيّم سوف، خلال شهر شباط/فبراير 2018، تضمّنت توجيه طلبة المدارس للقيام بتنظيف شوارع المُخيّم وجمع النفايات من أمام منازلهم ومدارسهم، ودعوات للطلاب بإحضار أدوات تنظيف لتنفيذ المبادرة.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار دعوات ليحتشد أبناء المُخيّمات لجمع النفايات المُتراكمة، وفي بعض المُخيّمات قامت النساء بجمع النفايات من الشوارع القريبة من منازلهم وكنس الطرق تخوّفاً من تحوّل الأزمة إلى كارثة بيئيّة، وامتدّت المُبادرات والحملات حتى شهر آب/أغسطس 2018.
هذه الحملات والمُبادرات الشعبيّة في المُخيّمات لم تُشكّل بديلاً عن "أونروا" التي يعمل عُمّالها وفق أسس ومعايير سلامة عامّة وغيرها من مُتطلّبات العمل، في إطار منظمة دوليّة كانت قادرة طيلة فترة عملها منذ تأسيسها على إدارة وتقديم الخدمات للاجئين في المُخيّمات.
وبعد مرور أشهر على هذه المُحاولات، وتراكم جبال من النفايات في المُخيّمات وتجمّع الكلاب والقطط والقوارض على هذه الأكوام، وانتشار الحشرات الناقلة للأمراض، اضطرت بعض المُخيّمات لحرق النفايات، ما أدى إلى مكاره صحيّة وبيئيّة في تلك المناطق، وإصابة أطفال من المُخيّمات بأمراض.
مُخيّم البقعة كنموذج
معتصم من مُخيّم البقعة في حديثه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" يقول "في شارع كبير بمنتصف المُخيّم، الناس صارت ترمي الزبالة فيه وتبعدها عن البيوت والزقق وبتحطها بالشارع الرئيسي، المنظر صار كثير مُقزز والريحة كثير كريهة وقوية، حتى لما تنشال الزبالة منه بوقت سريع كثير بترجع تتكوّم."
تقول إيمان من نفس المُخيّم في وصفها للوضع "الوضع مُزري بصراحة، قد ما اشتكوا وحكوا الناس ما في فايدة، ما حدا بيسمعلهن"، وعن وجود عمّال النظافة تقول إنّ هناك عمّال لكن ليس في كل الأيام، معظم أيام الأسبوع تبقى النفايات في الشوارع "ما حدا بتفرق معه من العمّال، ولجنة خدمات المُخيّم مش فارقة معها كمان، يعني زي ما تحكي الكل بغطي ع الكل، ضيعة وضايعة."
وتابعت حديثها "يعني هالفترة بتقدري تحكي إنه يومين بس بنشوفهن بمنطقتنا وما بيشيلوا كل الزبالة، وبتيجي السيارة يوم الجمعة بعد صلاة الظهر بتنظّف شوي وباقي الأسبوع ما بتيجي، حتى المكب الي بيجمعوا فيه كل الزبالة ما بيتنظف باستمرار، مع انه عاملينه جنب مدرسة وكالة وبطريق الناس والباصات."
وتقول إيمان في حديثها لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "الوضع هيك في كل المُخيّمات تقريباً لأنه تقليص عدد العمال في الأونروا شمل جميع مُخيّمات الأردن، بس بتفرق شدة الوضع من مكان لمكان، عنا بيجوز بزيادة لأنه أكبر مّخيّم وفي اكتظاظ سكاني."
الـ "أونروا" تظن أنها حقّقت إنجازاً
بيير كرينبول المُفوّض العام لـ "أونروا" كان قد أعلن في رسالة وجّهها للاجئين الفلسطينيين في مطلع أيّار/مايو 2019 عن قيام المنظمة الدوليّة بتعيين (400) عامل نظافة مؤقت في جميع أقاليم عمليّات الوكالة، وذلك لتعزيز التزامها بضمان نظافة مُخيّمات لاجئي فلسطين خلال شهر رمضان.
وجاء في نص الرسالة "سنعمل على تعيين 400 عامل نظافة بشكلٍ مؤقت في جميع الأقاليم، لتعزيز التزام الأونروا بضمان نظافة مُخيّمات لاجئي فلسطين خلال شهر رمضان المبارك، وستعمل هذه المبادرة أيضاً على توفير أدوات جديدة ومُعدات السلامة لموظفي البيئة الصحيّة لدينا."
لكن إعلان المُفوّض العام الذي انتشر كإنجاز للمنظمة الدوليّة وامتياز للاجئين الفلسطينيين في المُخيّمات بمناطق عمل "الأونروا"، تجاهل أنّ تعيين (400) عامل نظافة تعني أنّ كل إقليم لن يصل عدد العمّال فيه حتى إلى (100)، وبالنظر للأزمة القائمة التي جاءت بفعل قرار الوكالة نفسها وخطتها التقشفيّة التي نفّذتها على اللاجئيّن والمُخيّمات منذ مطلع 2018، فإنّ هذا العدد يقل بالأصل عن عدد العمال الذين أنهت خدماتهم في ذلك الحين، فعلى سبيل المثال زاد عدد عمّال النظافة المُتضررين من قرار الوكالة في الأردن عن (100) عامل في (13) مُخيّم.
وتناست "الأونروا" أنّ الأزمة لها أصول منذ سنوات سبقت حتى العجز المالي في ميزانيّتها ونقص التمويل جراء القرار الأمريكي من ناحية وتقاعس بعض الدول عن تقديم مُساهمتها السنويّة من ناحيةٍ أخرى، فعلى سبيل المثال مُخيّم حطين الذي يقع في الشمال الشرقي لمدينة عمّان، ويقطن فيه نحو (80) ألف لاجئ فلسطيني، كان يُعاني من أزمة انتشار النفايات وتراكمها والإهمال في نقلها منذ سنوات طويلة، وتكرّرت الشكاوى بهذا الشأن بسبب تحوّل المُخيّم في عام 2006 إلى تجمّع ومكب للنفايات من المناطق المجاورة له، بعد أن تم نقل مكب الرصيفة إلى منطقة الغباوي، وبات المُخيّم اليوم مع الأزمة الجديدة في وضع بيئي وصحي كارثي يُهدد حياة سكانه.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين المُعترف بها من مجموع المُخيّمات المُتواجدة على الأراضي الأردنيّة، تبلغ عشرة مُخيّمات من أصل ثلاثة عشر مُخيّماً، أنشئ أربعة منها بعد حرب عام 1948، في حين أنشئت الستة الباقية بعد حرب عام 1967، بالإضافة إلى ثلاثة مُخيّمات غير رسمية تقع في محافظات عمّان والزرقاء ومادبا، وتُشرف عليها الحكومة الأردنيّة، علماً بأنّ هناك وجود للاجئين الفلسطينيين خارج المُخيّمات في الأردن.
وحسب آخر الإحصائيات، يعيش في الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مُسجّلين لدى وكالة الغوث الدوليّة، ويُعتبر مُخيّم البقعة من أكبر المُخيّمات مساحةً وارتفاعاً في عدد السكان، فيما مُخيّم الوحدات أكثرها اكتظاظاً سكانياً.