صابر حليمة - بيروت
يصادف في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام اليوم العالمي لحقوق الطفل، والذي أقرته الأمم المتحدة عام 1989 بعد توقيع 194 دولة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، ولكن يبدو أن ثلاثين عاماً من توقيع الاتفاقية لم تكن كافية لاستحصال حقوق أطفال كثيرين حول العالم، ومنهم الأطفال الفلسطينيون، وبينهم اللاجئون في مخيمت الشتات ومن ضمنهم في لبنان.
لا شك أن الواقع الذي يرزح تحته اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، من مخيمات فاقدة لأدنى مقومات الحياة الأساسية، وأوضاع معيشية واقتصادية مزرية في أغلبها، إلى جانب الحرمان من جُل الحقوق الإنسانية، لها التاثير المباشر على واقع الأطفال الفلسطينيين في هذا البلد وعلى تحديد مستقبلهم وبناء طموحاتهم..
لن نقول الجميع بل أغلب الأطفال الذين يسكنون المخيمات الفلسطينيية، يكابدون ظروف الحياة القاسية حتى قبل أن يعيشوا فترة الطفولة، التي تعتبر الأجمل في حياة كل إنسان، وهذه نتيجة حتمية للواقع الذي يعيشه الفلسطيني بشكل عام.
نظرة على واقع الأطفال الفلسطينيين في مخيمات لبنان
وهذا ما طرحه الصحفي والكاتب الفلسطيني أحمد الحاج بعد دراسة مطولة أجرها في عدد من المخيمات الفلسطينية خلصت إلى أن الواقع العام للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يلقي بظلاله على حياة الأطفال.
وفي حديث مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين يؤكد الحاج أن الفقر والبطالة وانتشار المخدرات، ظواهر تؤثر مباشرة على حياة الأطفال في المخيمات، حيث ارتفعت نسبة الأزمات النفسية التي يعاني منها الأطفال نتيجة الواقع المعاش.
ويزيد من هذه الأزمات انعدام أماكن الترفيه داخل المخيمات، إضافة إلى أن مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لا تلقي بالاً للجانب النفسي للطلاب، فعلى سبيل المثال، مادة الرسم باتت لا تدرس، بل توضع على الشهادات فقط، فيما تحوّلت حصص الرياضة إلى حصص استراحة بشكل عام.
وأكد الحاج أن "أونروا" لا تريد أن تخضع للرقابة في أي من الأمور.
التسرب المدرسي ظاهرة تولد ظواهر سلبية أخرى
وفيما يتعلق بأحد أبرز المظاهر المنتشرة بين الأطفال، وهي التسرب المدرسي، التي تؤدي حتماً إلى العمالة المبكرة، أشار الحاج إلى أنه، وفق آخر الدراسات، فإن 6% فقط من الفلسطينيين في لبنان، يتخرجون من الجامعات.
وفي ظل غياب فرص العمل، بسبب الأوضاع المتفاقمة سوءاً في لبنان، والقوانين الموصوفة بـ "العنصرية " لمفروضة على اللاجئين الفلسطينيين، أصبح العاطلون عن العمل المتعلمون "دعاية متنقلة" ضد التعليم، حيث ولدت البطالة حالة من اليأس والإحباط انعكست على عزوف الكثيرين عن التعليم لاقتناعهم مسبقاً بغياب فرص العمل.
ووفقاً لهذه المعطيات فإن البيئة تصير خصبة لازدياد معدل عمالة الأطفال.
من جهته، أوضح الناشط في مخيم شاتيلا محمود هاشم ،والذي أسس نادياً اسمه "ملتقى الشطرنج" ليستوعب طاقات الأطفال في المخيم، أن واقع الأطفال في المخيمات غير مقبول من عدة نواحي، أهمها الجانب التربوي والتعليمي، إضافة إلى حرمانهم من الرعاية التي كفلتها حقوق الطفل من خلال منظمة "يونيسيف" والمنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة.
ففي هذا الصدد، يفتقد الأطفال، بحسب هاشم، إلى الرعاية التعليمية من خلال ممارسة سياسة تجهيل متعمدة تنتهجها "أونروا" عبر ما يسمى "الترفيع الآلي"، ما يؤدي إلى وصول الطلاب غلى صفوف عليا، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة، بل إن كثيرين منهم لا يعرفون الأحرف الأبجدية كاملة .
وفي السياق، يحرم الأطفال في المخيمات من أبسط مقومات الحياة المفترض أن يعيشها الطفل، خصوصاً مع غياب الأمان والطمأنينة، وفي ظل الفلتان الأمني، ما يجعله عرضة للانحراف الأخلاقي بسبب التسيب وتعاطي واتجار المخدرات.
المجتمع المدني: دور بارز في تنفيس طاقات الأطفال
تحاول مؤسسات المجتمع المدني، بالرغم من قدراتها المتواضعة، في التخفيف من الآثار المتولدة عن هذا الواقع المعاش لتساعد الأطفال والأهالي على مواجهته، عبر تنمية مهاراتهم وقدراتهم.
نادي الأمل الرياضي التربوي في مخيم برج البراجنة، والذي بدأ كمبادرة شبابية في العام 2010 للتنفيس عن الأطفال، وتحول في عام 2013 إلى ناد رياضي تربوي بمساعدة كثير من الروابط والمؤسسات في المخيم.
نحو 100 طفل في مخيم برج البراجنة يتدربون الـ "كاراتيه" في النادي، ضمن مستوى عال من الأداء.
لكن النادي، لا يكتفي بالرياضة فحسب، بل يحمل على عاتقه متابعة الأداء الدراسي للأطفال الأعضاء، ويتابع ذلك مع الأهالي ويطور أداء الأطفال ومهاراتهم عبر محاضرات تربوية وصحية وترفيهية.
ومؤخراً، افتتح النادي معهداً لتعليم اللغة الإنكليزية بهدف تطوير مهارات أعضائه، ويعتزم قريباً، تنظيم دورة لـ "محو الأمية الإلكترونية"، وهي إجبارية لجميع الأعضاء، بحسب الحاج.
وكما أوردنا سابقاٌ في شاتيلا، أطلق في عام 2013 نادي "الملتقى الفلسطيني للشطرنج" بمبادرة فردية من الناشط في المخيم محمود هاشم.
والملتقى، مقر متخصص بتعليم وتدريب لعبة الشطرنج بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالجانب الثقافي، في ظل غياب واضح لمرجعية ثقافية في المخيم تهتم بتنمية مواهب وإبداعات الأطفال الفكرية.
ويضم الملتقى 72 طفلاً، ويعتمد على المساهمات الفردية، ويقدم رواتب شهرية لأربعة معلمين .
أما أبرز المهارات التي يقدمها الملتقى، فتتمثل في تعليم لعبة الشطرنج، باعتبارها رياضة فكرية، كما يعمل على تصويب بوصلة الطفل باتجاه فلسطين، ويقيم إقامة مسابقات ثقافية وطنية ذات صلة بفلسطين، إلى جانب تطوير أدوات التواصل لدى الطلاب.
مبادرات أخرى تلاقي إقبالاً من قبل الأطفال والأهالي في المخيمات والتجمعات الفلسطينية الممتدة على الأراضي اللبنانية، والتي يصل عددها إلى 12 مخيماً و156 والذن يشكلون نسبة 45 % من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفقاً لآخر إحصاء أجرته لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني.
تبقى مبادرات فردية متواضعة لا تلبي حجم الانتهاكات الكبيرة في حقوق الطفل التي يكابدهاالأطفال الفلسطينيون في هذا البلد، والتي ما توال قائمة بفعل عدم اهتمام واضح، وعدم وجود برامج عملية من قبل الجهات الفلسطينية القائمة على المخيمات الفلسطينية في لبنان.