الفلسطينيون حول العالم
في الثامن من شهر كانون أول/ ديسمبر أعلنت دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية، عن الشروع بتنفيذ مشروع إحصاء فلسطينيي المهجر والشتات، لتكوين قاعدة بيانات عن أماكن وجود الفلسطينيين حول العالم وصفاتهم وقدراتهم وإمكانياتهم وتاريخ الاغتراب.
وبالفعل تم اختيار فنزويلا في أمريكا اللاتينة، لبدء عملية الإحصاء هذه، كخطوة تجريبية، من خلال استمارة إلكترونية معدة لهذا الشأن، لمعرفة فرص النجاح واستكشاف العقبات التي ممكن أن تواجه العملية ومحاولة تفاديها وإدخال التعديلات اللازمة في المراحل المستقبلية.
وقال رئيس دائرة المغتربين في منظمة التحرير، نبيل شعث، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن عملية الإحصاء التجريبي بدأت في فنزويلا، لاستشراف مدى قدرة الأسئلة في الاستبيان الموضوع على تأسيس قاعدة بيانات واضحة حول الفلسطينيين في هذا البلد، ومدى فهم الفلسطينيين لطبيعة الأسئلة والإجابة عليها، وهي تتمحور حول تاريخ الميلاد والبلد الأصلي في فلسطين و العمل الحالي والشهادة الدراسية.
الدكتور نبيل شعث أكد لنا أن نصف الشعب الفلسطيني موجود خارج فلسطين، سواء من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أرضهم إبان النكبة عام 1948، أو من غادر فلسطين التاريخية قبل أو بعد هذا التاريخ لأسباب مختلفة، مشيراً إلى ضرورة أن توجد قاعدة بيانات لدى منظمة التحرير حول هؤلاء الفلسطينيين، لا سيما الذين في المغترب وغير المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
مغترب أم لاجئ؟
وفيما أوضح الدكتور شعث أن هدف الإحصاء هو استثمار الوجود الفلسطيني في الخارج لدعم القضية الفلسطينية لدى صناع القرار في كل بلد، وتلقي هؤلاء الفلسطينيين بدورهم الدعم من منظمة التحرير، إلا أنه لم يعط إجابة واضحة حول هدف الاستفادة من هذه العملية في إيجاد قاعدة بيانات رسمية وموثقة حول عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا هم أو أجدادهم فلسطين إثر العمليات الإرهابية للمنظمات الصهيونية إبان نكبة عام 1948، واستخدامها كورقة لدى المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة لتطبيق القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم الأصلية، معتبراً أن كل من غادر فلسطين سواء جراء النكبة أو غير ذلك هو لاجئ بالمعنى السياسي وحقة مقدس بالعودة إلى فلسطين.
إلا أن هذا التعريف الذي يقدمه رئيس دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير، يثير جدلاً في الأوساط الفلسطينية، ويعتبره كثير من المثقفين والمختصين بشؤون الفلسطينيين محاولة لنزع صفة "لاجئ" عن الفلسطيين المنحدرين من القرى والمدن المهجرة عام 48، ويعيشون خارج نطاق عمل "أونروا" وغير مسجلين في سجلاتها، وهؤلاء غير معروف عددهم، إذ إن دائرة الإحصاء المركزي الفلسطينيي أكدت في آخر إحصاء لها أن ثلاثة عشر مليون فلسطيني يعيشون خارج فلسطين، ستة ملايين منهم يعيشون في دول الطوق التي تعمل فيها وكالة "أونروا".
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث خالد بركات لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن المهمة التي تحاول لعبها منظمة التحرير ودائرة المغتربين فيها في أوروبا "لا يمكن ان أراه اكثر من تنفيذ التزامات وعدت بها المنظمة في كواليس أوسلو، وتحركاتها المشبوهة هذه الأيام في أوروبا لا يمكن أن تتوافق مع المصلحة الوطنية، لأن الأمر ببساطة هو محاولة لتغيير ونزع صفة اللاجئ عن الفلسطيني في أوروبا وتحويله الى مغترب، وهذا لا يصب إلا في مصلحة أعداء هذا اللاجئ".
ويضيف بركات المقيم في ألمانيا: "إن ما يجري تحت يافطة دائرة المغتربين في منظمة التحرير، هو جزء لا يتجزأ من تصفية القضية الوطنية الفلسطينية وتمييع حق العودة وحقوق اللاجئين على طريق شطبها وإعادة مشبوهة لتعريف من هو اللاجئ."
ولفت الباحث الفلسطيني إلى ما وصفه بـ "النهج السياسي الذي يمثله نبيل شعث ووزير الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي، ومن معهما، والذي يضع القرار السياسي الفلسطيني كله في قبضة رموز أوسلو" وهم برأيه يحتكرون المؤسسات وفشلوا في قيادة الشعب الفلسطيني، بل ودمروا كل مرتكزات القضية الفلسطينية، بحسب تعبيره.
وعلى ما يبدو فإن التخوفات من إسقاط صفة "لاجئ" عن الفلسطينيين - الذين ازداد عددهم مؤخراً في أوروبا ودول العالم، جراء الهجرة التي تسببت بها الحرب في سوريا والأوضاع المعيشية في لبنان- تجتاج أوساط الفلسطينيين في هذه البلدان.
وهو ما عبر عنه الباحث، أحمد الباش، مدير عام مركز أجيال للتوثيق والدراسات، الذي أنشئ حديثاً في السويد، مع ازدياد عدد اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى هذا البلد.
الباش وهو لاجئ فلسطيني ولد في مخيم اليرموك وعاش فيه قبل أن يلجأ إلى السويد هرباً من الحرب، يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "إن الخوف والمحاذير التي نخشاها فيما لو سجلنا ضمن هذا الإحصاء كمغتربين أن تسقط عنّا صفة اللاجئ، خاصة وأن دائرة المغتربين في منظمة التحرير جاءت كنتاج لاتفاق أوسلو الذي نعتبره خطراً على اللاجئين الفلسطينيين"
لا يخفي الباش أن مراكز التوثيق والدراسات الفلسطينية حول العالم بحاجة لإحصاء فلسطيني، وأن منظمة التحرير من خلال سفاراتها لديها القدرة أكثر من غيرها على إنجاز ذلك، بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات والمراكز الفلسطينية في بلدان العالم وعلى وجه الخصوص الأوروبية، لكن يؤكد على ضرورة أن تكون ماهية هذا الإحصاء وأهدافه واضحة، ويجب الاتفاق على أن اللاجئ الفلسطيني في تعريفه، غير المغترب الفلسطيني.
يضيف الباحث الفلسطيني الباش، أن اللاجئ الفلسطيني كما هو معرّف لدى "أونروا" هو من خرج قسراً هو وأبناؤه وأحفاده من فلسطين قبل نكبة 1948 بعامين، بمعنى أصح أي الذي شردته المجازر الصهيونية التي ارتكبت في تلك الأعوام.
مضيفاً أن المغترب هو من خرج طوعاً إلى خارج فلسطين للبحث عن علم أو عمل أو أهداف شخصية أخرى.
وفي هذا الإطار يشير الباش إلى أن الدكتور نبيل شعث رئيس دائرة المغتربين في منظمة التحرير لم يقدم له إجابة مقنعة حين التقاه قبل أشهر فيما يخص تعريف اللاجئ والمغترب.
المجلس الوطني الفلسطيني... مغيّب وهمزة وصل
لعل "عدم الوضوح" هذا في تصريحات قيادات منظمة التحرير، يستنفر الكاتب والباحث الفلسطيني، خالد بركات، إلى المطالبة بالتصدي لنهج المنظمة الحالي وإسقاطه، والتمسك بالثوابت الوطنية وفي مقدمها حق شعبنا في العودة والمشاركة في صنع القرار السياسي، وهذا بالضبط ما سألنا عنه رئيس دائرة المغتربين الدكتور نبيل شعث، الذي قال: "إن أحد أهداف الإحصاء هو توحيد الجاليات الفلسطينية في بلدان المغترب، وانتخاب قيادتها بشكل ديمقراطي" مضيفاً أنه "سيتم تعيين هذه القيادات تلقائياً كممثلين للمغتربين في المجلس الوطني الفلسطيني".
ورغم أن المجلس الوطني الفلسطيني لم ينعقد منذ عام 1996 أي قبل ثلاثة وعشرين عاماً، ولم يجر انتخاب أعضائه كهيئة عليا تمثل الشعب الفلسطيني، بشكل يمثل الكل الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، إلا أن الدكتور شعث رفض أن يوصف المجلس بالمعطل، مؤكداً أن المجلس يجتمع بين الحين والآخر ويتم تعيين أعضائه الممثلين للمغتربين الفلسطينيين، معتبراً أن ما يعيق توحيد الجاليات الفلسطينية في بلدان العالم هو وجود أكثر من جالية في كل بلد، كل منها تتبع لفصيل فلسطيني ما.
وتشكو الجاليات الفلسطينية في الخارج من عدم وجود جسم موحد لها، حيث تنعكس حالة والانقسام بين حركتي فتح وحماس عليها.
فهناك أكثر من خمسة أجسام تمثيلية للمغتربين، موزعة بين حركتي فتح وحماس وما يسمى التيار الإصلاحي في فتح التابع لمحمد دحلان والجبهتين الشعبية والديمقراطية.
وهو ما يظهر جيلاً، مع كل مناسبة فلسطينية أو نشاط في الخارج، بالتأكيد لن يكون آخره ربما ما حصل من جدالات وتبادل للاتهامات بين ممثلي هذه الجاليات حول "مؤتمر بوخارست" الذي نظمته دائرة المغتربين في منظمة التحرير بالعاصمة الرومانية منتصف الشهر الجاري بهدف "خلق وبناء لوبي فاعل ضاغط في أوروبا قادر على التأثير اقتصاديًا وسياسيًا لدعم فلسطين عبر تمتين وتنظيم وتوحيد الجاليات وتوطيد روابطها مع الوطن الأم فلسطين على قاعدة منظمة التحرير الفلسطينيّة، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن تواجده لتساهم في تجنيد الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتنفيذ حق العودة" كما جاء في خبر نشره موقع منظمة التحرير .
هذا المؤتمر كان أحدث مثال على تشظي الجاليات الفلسطينية في بلدان العالم، نتيجة الانقسام السياسي من جهة، واختلاف معظم أبناء الشعب الفلسطيني في الخارج مع ممارسات منظمة التحرير الحالية، وغياب الثقة الشعبية الفلسطينية بها، لا سيما في السنوات الأخيرة مع تردي الوضع الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، وعدم قدرة المنظمة على انتشال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان من مآسي كثيرة أصابتهم رغم المناشدات الكثيرة وفي كل كثير من الأحداث .
إياد أبو العلا ناشط سياسي فلسطيني لاجئ من مخيم اليرموك في سوريا إلى السويد، لا يستطيع أن يضع ثقته في منظمة التحرير الفلسطينية حالياً، جراء ما خبره من تجاهلها لآلام الشعب الفلسطيني اللاجئ بحسب ما يقول، وجراء النهج السياسي التي تتبعه والذي يتناقض مع الموقف الشعبي الفلسطيني.
يقول أبو العلا لموقعنا: "إن أساليب دائرة المغتربين التي تستخدمها في الساحات الأوربية في خلق الانقسامات ونقل حالة الصراع الفصائلي وتكريسه على الأرض من خلال مؤتمرات وممثلين وهميين عن اللاجئين في أوروبا قد خبرناه وعرفناه جيدا في لبنان وغزة والضفة"
هي إذاً، حالة انعدام ثقة بين الشعب الفلسطيني الذي قادته النكبات المتوالية إلى اللجوء إلى أبعد أصقاع الأرض، ومنظمة التحرير التي تحاول مجدداُ لعب دور الممثل الشرعي لهؤلاء الفلسطينيين ولكن أسس غير واضحة كما يصف الفلسطينيون.
أزمة ثقة...
المختص في الشؤون الأوروبية وشؤون المغتربين الفلسطينيين حسام شاكر يبرر حالة عدم الثقة هذه، بأن الشعب الفلسطيني في الخارج وخلال مدة تزيد عن ربع قرن، لم يُستشر بشأن مسارات قضيته الكبرى، أو مفاصل هذه القضية، ولم يحصل حتى اليوم أي تواصل بين الفلسطينيين في العالم مع منظمة التحرير.
شاكر الذي يقيم في النمسا، ويتابع الوضع السياسي الفلسطيني يبدي استغرابه من الحديث عن تمثيل للفلسطينيين في الخارج داخل المجلس الوطني الفلسطيني، بطريقة التعيين، كما أنه يرى أن أزمة انعدام الثقة تجعل من المشروع الذي تقدم عليه منظمة التحرير غير عملي أو وواقعي.
فالمنظمة التي تريد توحيد الجاليات الفلسطينية في دول العالم، ومنح بطاقات هوية للفلسطينيين في العالم، واختيار ممثلين للجاليات عبر الانتخابات، لا تحظى بمصداقية لدى الشعب الفلسطيني الذي تتجه نحوه، كما يؤكد شاكر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
يضيف الكاتب الفلسطيني: " لا بد أن نلحظ أن الشعب الفلسطيني عملياً يدرك أن هذه المواقع غير منتخبة، ولم يعين الأشخاص الذين يتقلدونها بشكل ديمقراطي وشفاف، وأن حديثهم عن الديمقراطية والتمثيل و عن ضمان إشراك شعبهم هنا، هو حديث مجروح من الصعب أن يؤخذ على محمل الجد، وبالتالي نحن نتحدث عن أزمة ثقة حقيقية ومزمنة عن شخصيات سياسية تتحدث عن صناعة مشهد، بينما هي تتملص من الحد الأدنى للمراجعة والمحاسبة والمسائلة والحوار مع شعبها الفلسطيني في أماكن وجوده، نتحدث عملياً عن توجهات لم تنصت لشعبها، ولم تأخذ بعين الاعتبار ما خرجت به تجمعات شعبها من مطالبات وخيارات، اقترحت طويلاً في ترتيب أمر انتخاب ممثلي الشعب في المجلس الوطني الفلسطيني."
حديث الفلسطينين في العالم عن المجلس الوطني الفلسطينيي وضرورة أن يلعب دوره، ليس وليد اللحظة، ولعل حالة الانقسام السياسي في الساحة الداخلية الفلسطينية منذ عام 2007، وتماهي دور منظمة التحرير مع دور السلطة الفلسطينية، واستئثار فصيل معين بقرارات المنظمة لصالح السلطة، هو ما خلق هذا التعدد في الأجسام السياسية الفلسطينية في بلدان العالم، وهي نتيجة طبيعية لانقسام الجسم الفلسطيني في الوطن الأم.
ولكن لا يبدو أن الفلسطينيين في الخارج سيقتنعون بخطوات منظمة التحرير الفلسطينية، المتمثلة في الإحصاء وتوحيد الجاليات، سواء من حيث النوايا والأهداف أو الآليات.
تغييب الممثل... إفشالٌ للقضية
والحال هذه، سيستمر هذا التشظي في التأثير على صورة القضية الفلسطينية أمام العالم، وهذا ما انتبه له المثقفون الفلسطينيون، لا سيما المستقلين منهم، الذين دعوا في غير مناسبة إلى ضرورة انتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد يمثل الكل الفلسطيني.
برأي الباحث أحمد الباش أن المجلس الوطني الفلسطيني اليوم، لا يمثل الكل الفلسطيني عدا عن أنه غير منتخب، ولا الاتحادات فيه فاعلة، وممثلة بشكل صحيح لكل المناطق.
يدعو الباش إلى "إجراء انتخابات للاتحادات (الكتاب والأدباء- الطلبة – العمل – المرأة – الصحفيين والإعلاميين - رجال الأعمال - ..........الخ ) ومنها يتم انتخاب ممثلين لجالياتنا، والتي بدورها تنتخب ممثلين للمجلس الوطني الفلسطيني."
يضيف: " اليوم نحن كلاجئين فلسطينيين في أوروبا، تعدادنا يفوق نصف مليون لاجئ فلسطيني، لديهم الخبرات والكفاءات العلمية، بما يجعلنا ويؤهلنا أن نكون طليعة للعمل الفلسطيني".
قد تكون هذه الدعوة، هي اتجاه نحو تفعيل الجاليات الفلسطينية بما يخدم القضية الوطنية والنضالية، والأكثر رومانسية، في ظل ما يعانيه الوضع الفلسطيني من حالة تشرذم وشخصانية وتمسك بالآراء والمنهج، لا يشكو منه سلوك منظمة التحرير فقط، بل كافة الفصائل الفلسطينية التي تعمل على خلق أجسام ممثلة لها في المنفى، أكثر من تمثيلها للقضية الوطنية الجامعة، القضية الضحية لاستمرار هذا الوضع السياسي الفلسطيني البائس.