مع هبوط سواد ليلة الجمعة 13/11/2020، وفي ظل حظر التجوال المفروض على الأراضي الأردنية، ومن ضمنها مخيم البقعة، المخيم الفلسطيني الأكبر، في البلاد، زاد من حلكة الليل واتشاح المخيم المكلوم بالعشرات من حالات الوفاة بفيروس "كورونا"، ودع اثنين من أبرز الشخصيات الشعبية والنضالية في المخيم، التي لا يختلف اثنان على أنّها من أعمدة المخيم، التي عاصرت تأسيسه، في العام 1968.

موسى ثامر (أبو صلاح) وعبد الله أبو فرحان (أبو كفاح) محط إجماع القوى الوطنية والإسلامية، والفعاليات الشعبية والحزبية في مخيم البقعة، فقدّ عاصرا نشأة المخيم وتأسيسه، وانطلاق المقاومة الفلسطينية من براكيّته، في عام 1968، حيث عُرف مخيم البقعة آنذاك بمعسكر أشبال الثورة الفلسطينية. 

وكان يوجد المنطقة المحاذية لمستشفى البقعة الحكومي اليوم، وفي أطراف المخيم، وبالقرب من منطقة الحديب معسكر تدريب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبعد خروج الثورة الفلسطينية من الأردن، في العام 1971، بقي أبو صلاح وأبو كفاح في المخيم، ليؤسسا نواة العمل الشعبي والوطني الذي بقيا مخلصين له حتى وافتهما المنية.

الفقيدان في سطور

ولد الحاج موسى ثامر، في العام 1950، في مخيم عقبة جبر، في أريحا، وهو لاجئ من قرية ذكرين البردان، المهجرة، غرب الخليل. وترعرع في المخيم، وعاصر الفترة التي تنقل فيها شباب المخيمات الفلسطينية، في الضفة الغربية، والأردن بين التيارات اليسارية والقومية، في محاولةٍ منهم للبحث عن طريقٍ يؤدي بهم لتحرير فلسطين، ومقاومة الاحتلال الصهيوني، وعندما بلغ الـ 17 من عمره، وفي مرحلة الثانوية العامة، حلت نكسة حزيران/يونيو عام 1967، وهاجر الحاج موسى بصحبة عائلته، إلى الأردن، حيث استقر في مخيم الكرامة، ومن الكرامة كانت الولادة الثانية لحركة فتح، والولادة الأولى للعمل الفدائي المقاوم للاحتلال الصهيوني، انطلاقاً من الأردن،. وكان أبو صلاح من جيل أولئك الفدائيين الأوائل الذين رفضوا الهزيمة ورفعوا السلاح في وجه المحتل.

 

db2f00a6-6de9-4cd9-80bb-96a159ed63c2.jpg
(الحاج موسى ثامر أبو صلاح)

كان الحاج ثامر من ضمن تلك العائلات التي أسست مخيم البقعة، في عام 1968، بعد اشتداد القصف الصهيوني على مخيم الكرامة، والمخيمات الفلسطينية في الأغوار، فنقل عددٌ من الفدائيين عائلاتهم إلى ذلك الوادي الواقع بين مرتفعات أبو نصير، ومرتفعات البلقاء، واتخذوا منه نقطة ارتكاز وتدريب وتثقيف ثوري، مما أكسب مخيم البقعة ليومنا هذا تلك الرمزية النضالية الفلسطينية.

أما عبد الله أبو فرحان (أبو كفاح) فقد ولد في قرية عرعرة، شمال غربي بئر السبع في عام 1946، وهاجر مع عائلته بشكل قسري عام 1950، أيّ بعد نكبة فلسطين بعامين، حيث نزحت عشائر عرعرة بشكل جماعي إلى أطراف الخليل، ومن ثم انتقل مع عائلته إلى منطقة أخرى في محيط رام الله، ومن ثم إلى الخان الأحمر، شرقي القدس، قبل أن تنتقل عائلته للسكن في مخيم عقبة جبر، في محيط أريحا.

وفي أريحا، درس أبو كفاح حتى المرحلة الثانوية، وخلال تلك الفترة، بدأ عمله النضالي بتأسيس تنظيم فلسطيني تحت اسم (جبهة تحرير فلسطين) بصحبه رفاقه: ذياب شادرما، وإسحاق أبو نحلة، وغيرهم، في عام 1963، وكان نشاط أبو كفاح ورفاقه يقتصر على جانب التحشيد ضد الاحتلال الصهيوني، ولاحقاً التحق عبد الله أبو فرحان، بحركة القوميين العرب، وكان من المؤسسين لتنظيمها في فلسطين.

 

415732fc-e0ee-4094-9ca2-7b3a6d7fd6f9.jpg

(عبدالله أبو فرحان أبو كفاح)
 

بعد نكسة عام 1967 نزح أبو كفاح مع عائلته إلى مخيم الكرامة، حيث كان من المؤسسين لتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في الأردن، وكان من ضمن كوادره التنظيمية والعسكرية الأولى، وشارك مع مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في القتال في محور العارضة، ومرتفعات جرش الغربية، خلال معركة الكرامة، إذ اعتمدت الجبهة الشعبية نمط حرب العصابات، في التصدي للهجوم الصهيوني.

لم يشهد مخيم البقعة في الجولة الأولى من أحداث "أيلول الأسود" أيّ اشتباكاتٍ، بسبب ما نظمه فدائيو المخيم وثواره من مسيرةٍ للعودة، إذ غادر أهالي المخيم كافة باتجاه الحدود الأردنية، مع فلسطين المحتلة، يقودهم الرجال من أمثال أبو كفاح وأبو صلاح، وبعد تلقيهم وعوداً حكومية بعدم استهداف مخيم البقعة عادوا إلى مخيمهم.

بالنسبة لكلٍ من أبو كفاح وأبو صلاح فقد انتقلا مع جميع الفدائيين الفلسطينيين إلى أحراش جرش وعجلون، والتي شهدت صيف عام 1971، هجوماً شديداً من القوات الأردنية استهدف كافة قواعد الثورة الفلسطينية العلنية في الأردن، واعتقل الآلاف من الفدائيين، ومن ضمنهم أبو كفاح وأبو صلاح اللذين سُجنا في سجن الجفر الصحراوي، وخرجا منه في العام 1971.

تأسيس العمل الوطني الجماهيري في مخيم البقعة

في الفترة اللاحقة لأحداث "أيلول الأسود"، وجرش وعجلون، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتصاعد نشاط الحركة الإسلامية في الأردن، شهدت ساحة العمل الفلسطيني في الأردن تأسيس لجنة التنسيق الوطني في مخيم البقعة، حيث كان عبد الله أبو فرحان، وموسى ثامر من أبرز مؤسسيها.

كان للجنة دور مباشر في دعم الانتفاضة، والمقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة، وإطلاق الفعاليات التضامنية، التي كان يُشارك فيها عشرات الآلاف من أبناء المخيم، وانبثقت من تلك اللجنة عدة لجان، منها تم إطلاقه بعد العدوان الأمريكي على العراق، في العام 1991، ومن قبله مجزرة الأقصى في العام 1990، واستمرت تلك الحالة الشعبية خلال انتفاضة الأقصى، وفي كل فعالية، أو حملة تبرعات، أو لقاء جماهيري، كان اسما أبو صلاح وأبو كفاح حاضرين، كشخصياتٍ وطنية، تخطت حدود الأيدولوجيا، والتنظيم، في العمل لفلسطين، والإخلاص لها، مما جعل منهما محط إجماع القوى الوطنية والإسلامية، والفعاليات الشعبية في مخيم البقعة.

شهد العام 2007 انتكاسةً في العمل الوطني الفلسطيني في مخيم البقعة، بسبب انعكاسات الانقسام الفلسطيني في على المخيم، ما دفع أبو صلاح وأبو كفاح، ومن معهما من القوى الوطنية والإسلامية لتأسيس اللجنة الشعبية في مخيم البقعة، في العام 2011، كواجهة شعبية توعوية تعبوية لشباب وأهالي مخيم البقعة، والتي شكلت إطاراً تنظيمياً لكافة الفعاليات الشعبية، أو معظمها، داخل المخيم، وشكلت نموذجاً للعمل الوطني الفلسطيني في مخيمات الشتات الفلسطيني في الأردن، بل لكل العاملين، والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، في الأردن.

رحيلٌ مبكر

على الرغم من تفشي فيروس "كورونا" في مخيم البقعة، منذ شهر آب/أغسطس من العام 2020، إلّا أنّ أبو كفاح وأبو صلاح، وغيرهما، من الشخصيات الوطنية في مخيم البقعة قدّ تداعت لتشكيل ما يشبه غرفة العمليات لمتابعة علاج وإغاثة العائلات الفقيرة، وفي ذات الوقت الحرص على إبقاء شكل من التفاعل من الأحداث الأخيرة، في الساحة الفلسطينية، فيما يشبه المهمة الفدائية، وكما عاش أبو صلاح وأبو كفاح، مع مخيم البقعة منذ ولادته، مقاومين للاحتلال من أرضه، ومدربين للمناضلين فيه، وزارعين فيهم حب فلسطين، ومدافعين عنه في كل الخطوب التي ألمت به، ارتقيا معاً فجر يوم الجمعة، 13/11/2020، وصلى عليهم، في مسجد غزة هاشم في أطراف مخيم البقعة، بعد صلاة الجمعة، المئات، ممن أقسموا بأن يسيروا على دربهما.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد