بالتزامن مع اجتماع اللجنة الاستشارية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وفي ظل حديث الوكالة عن عجز مالي يمس رواتب موظفيهاـ، في سابقة من نوعها، يمكن القول إن الوكالة تتعرض لأشرس أنواع الهجمات والمتعلقة بتجفيف مواردها المالية.
وقد تعرضت "الأونروا" خلال السنوات الماضية لأزمات وضغوطات أدت إلى تقليص خدماتها وتخفيض مساعداتها للاجئين الفلسطينيين، وأعلنت في أكثر من بيان لها ، أنها تواجه أزمة مالية حادة تهدد بتخفيض مساعداتها وخدماتها، وهذا صار متكرراً جداً في تصريحات مسؤوليها وبياناتها.
في هذا السياق، يحذر الكاتب والباحث الفلسطيني فتحي كليب من وقف أو تخفيض المساعدات التي تقدمها "أونروا" ، معتبراً أن قضية اللاجئين الفلسطينيين ركن أساسي يعمل المشروع الصهيو- أمريكي على تصفيته، ويمارس قطباه استهدافها من عدة محاور، أبرزها وكالة "أونروا".
مصير "أونروا" محوري في السياستين الأمريكية والصهيونية
كليب أكد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن مصير وكالة "أونروا" أمر محوري في السياستين الامريكية والإسرائيلية، لأنها تتعلق بشكل مباشر بقضية اللاجئين الفلسطينيين، لدرجة اعتبار المسؤولين الإسرائيليين ان تصفية الوكالة توازي تصفية قضية القدس، فيما عملياً، يجب أن يكون مصير "أونروا" ومستقبل خدماتها في جميع مناطق العمليات الخمس، مرهوناً بالتوازنات داخل الجمعية العامة للامم المتحدة، وهي توازنات لا زالت تميل لصالح بقاء الوكالة وبقاء خدماتها انطلاقاً من انعكاسات وتداعيات أي عبث بالوكالة على المنطقة بأسرها، بحسب تعبيره.
وأضاف كليب: إن مستقبل خدمات الوكالة في لبنان، لا يمكن فصله عن مستقبل الوكالة بشكل عام، وإن ما يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة وترد واضح في الخدمات هو ترجمة ونتيجة لسياسة الضغط الذي تتعرض له الوكالة منذ أكثر ربع قرن على يد الدول المانحة وسياساتها، وقد ازداد حدة وترك نتائج سلبية على مستوى إفقار اللاجئين في لبنان خلال السنوات الاأخيرة بسبب الإجراءات الأمريكية التي دفعت بـ "أونروا" الى إعادة النظر بالكثير من استراتيجياتها خاصة "الاستراتيجية متوسطة الاجل 2016-2021).
مشكلة جادة تمثلت بعدم إرفاق تجديد التفويض لـ "أونروا" بالتزام لحل العجز المالي
ولكن، ورغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها الوكالة من الدول المانحة، فقد شكلت خطوة تجديد التفويض للوكالة عام 2019 ضربة لكل المساعي التي بذلتها الولايات المتحدة و"إسرائيل"، بيد أن المشكلة تكمن بعدم إرفاق تجديد التفويض بالتزام من الدول المانحة بمعالجة مشكلة عجز الموازنة، بحسب الباحث الفلسطيني الذي أشار إلى أنه، حتى تموز 2020 لم تكن الدول المانحة قد أوفت بوعودها تجاه الموازنة حيث بلغ عجز الصندوق العام نحو (330) مليون دولار، ولم تكن نداءات الطوارئ والمناشدات الخاصة بحال أفضل، إذ ان الوكالة كانت تواجه نقصاً يبلغ 60% في الميزانية التي تغطي نداء الطوارئ في سوريا، وهي لم تتلق اكثر (60%) من قيمة النداء الخاص الثاني المتعلق بالاستجابة لتداعيات جائحة كورونا والبالغ (93.4) مليون دولار، وهو ما ترك انعكاسات سلبية على مستوى تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين في جميع مناطق عمليات الوكالة.
اليوم يختصر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من خلال معاناتهم أوضاع جميع اللاجئين من حيث سوء الاوضاع الاقتصادية، وجميع المعايير الدولية لقياس درجة الفقر تضع القسم الأكبر من اللاجئين في خانة الفقراء، وجزءاً كبيراً منهم يقع تحت خط الفقر، بعد أن وصلت أوضاعهم إلى حافة الانهيار التي من شأنها أن تنعكس على المجتمع الفلسطيني بشكل عام وعلاقته بالجوار وبمكوناته المختلفة، بسبب حالة البؤس والحرمان الواسعة نتيجة اعتماد معظم العائلات على وكالة الغوث بنسبة 100% لا سيما في لبنان وغزة وسوريا.
ويعتبر كليب أن تداعيات جائحة "كورونا" فاقمت من سوء الواقع المالي الذي تواجهه وكالة "أونروا"، وأمام عدم قدرة الأخيرة على التعاطي مع تداعيات الوباء، فقد كان مطلوباً استدعاء المساعدة اللوجستية والفنية والمالية من بعض منظمات الأمم المتحدة، وما زال ملحاً، ضرورة اهتمام الوكالة بالأشخاص الاكثر عرضة للاصابة لجهة المتابعة الدائمة لاوضاعهم الصحية، خاصة كبار السن او الذين يعانون من أمراض مزمنة.
موقف الأستاذ كليب لا يختلف عن مواقف القيادات والمرجعيات الفلسطينية في لبنان، التي ترفض أن تتحول بعض مساهمات الدول المانحة إلى وسيلة لابتزاز الشعب الفلسطيني، ولكنها لم تقم حتى اللحظة بخطوات جدية لمساعدة الوكالة، وربما صار مطلوباً عقد ورشة وطنية اقتصادية وصحية وسياسية تشارك فيها "الأونروا" ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والفصائل وشخصيات من المجتمع المحلي، من أجل إيجاد حلول لما آلت اليه أوضاع الوكالة من تدهور، نتيجة استمرار الازمة المالية واتباع بعض الدول المانحة لسياسة الدعم بـ"القطارة" الأمر الذي يبقي العجز المالي سيفاً مسلطاً فوق رقاب اللاجئين.
المجدي هو الحديث عن الهدف من عدم إيفاء الدول المانحة بتعهداتها
وقد تكون المسؤولية الفلسطينية والفصائلية قد تضاعفت، في متابعة عمل الوكالة التي تتهم إدارتها من حين لآخر بـ "التواطؤ"، وفي هذا الصدد أشار أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور فلاح جمعة إلى أن الظروف المأساوية التي تتفاقم في تقليص خدمات وكالة "أونروا"، تضع إدارة الوكالة أمام اتهام خطير هو "أنها ترضخ للتأثيرات والضغوطات السياسية التي تسعى لتصفيتها وإنهاء دورها ووقف خدماتها"، ما يناقض نص وروح قرار تأسيسها المرتبط ضمناً بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، المتمثل بتحقيق حقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً بفعل الاحتلال الصهيوني.
سياسة "أونروا" في إدارة مواردها غير حكيمة
واعتبر في حديث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن الحديث عن النقص المالي ليس مجدياً، بل يجب الحديث عن الهدف من عدم إيفاء الدول المانحة بتعهداتها، وهو تقليص خدمات "أونروا" المندرج في سياق "مؤامرة" لإعادة صياغة مهمتها من خلال خفض موازنتها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يتهم الباحث اللبناني "أونرو" بالتلاعب بالميزانية وعدم صرفها في أوجهها الصحيحة، بحيث تتماشى مع زيادة الطلب على الخدمات نتيجة تزايد أعداد اللاجئين، بل برأيه تصرف أموال اللاجئين وتضيع الميزانية في غير مكانها مثل: المخيمات الصيفية، وورشات حقوق الإنسان، وامتيازات الرؤساء والمدراء، ورواتب عالية جدا للأجانب، وسيارات مصفحة إلى جانب الترميم المفاجئ للمبنى الرئيسي للوكالة في بيروت والذي قدرت تكاليفه بأكثر من 78 ألف دولار ، وغيرها.
وأضاف إن هذه السياسة غير الحكيمة لـ"أونروا"، أصبحت اليوم تتوافق مع، وتسهل تنفيد سياسة الاحتلال الذي يعمل دائماً من أجل إلغاء وجود الوكالةـ وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وشطب حق العودة، مشيراً إلى أنه رغم هذه المخاطر والتحذيرات، استمرت إدارة "أونروا" بتنفيذ قراراتها وتخفيض برامج التعليم، والخدمات الصحية، والخدمة الاجتماعية، الأمر الذي أوحى بأن السبب في تقليص مساعداتها هو التمهيد لإنهاء خدماتها، وتسليمها للدول المضيفة استجابة للضغوط الاسرائيلية التي تمارس عليها حالياً، بحسب تعبيره.
تؤكد بعض المنظمات المعنية بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، أن إلغاء "أونروا" يعني حتماً تصفية الشاهد الأممي على جريمة النكبة وإنشاء المخيمات، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن المساس بوجود الوكالة، سيرفع من نسبة الفقر والبطالة والأميّة والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال، وسيساهم في تشكيل مناخ يجري فيه استغلال شريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين،لا سيما في أوساط الشباب والتسبب بالانحراف الفكري والاجتماعي والجنوح إلى ارتكاب الآفات الاجتماعية والانخراط في المشاكل الأمنية والفوضى، والتي لن يقتصر انعكاسها على اللاجئ الفلسطيني نفسه وإنما كذلك على الدول المضيفة.
لذلك، فإن صرخات الاحتجاج المتعالية من قبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنا ، وسلسلة الاضرابات والاعتصامات وعشرات المذكرات المرفوعة لرئاسة "أونروا" ، لا يمكن اعتبارها رد فعل على إجراءات اعتاد اللاجئون عليها، بل هي إضافة لذلك ، تمثل تخوفاً مشروعاً من قبل اللاجئين الفلسطينيين حول دور ومستقبل وكالة "أونروا"، بعد مجموعة من التطورات والخطوات التي أقدمت عليها الوكالة في السنوات الماضية .
يذكر أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"أونروا"، تأسست بموجب القرار رقم (302) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيي ، وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار/ مايو عام 1950.
تقدم وكالة "الأونروا" الخدمات والمساعدات والإغاثة، لحوالي خمسة مليون وست مائة الف لاجئ من فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم.
وتشمل خدمات "اأونروا" على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح ، وتؤكد الوكالة على أن تمويلها بشكل كامل تقريباً يتم من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ووفق تعريف"الأونروا"، فإن اللاجئين الفلسطينيين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران/يونيو 1946 وأيار/مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948.
وتؤكد "الأونروا" على أن خدماتها متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها الخمسة ، والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة للمساعدة. وهذا يعني أن أبناء اللاجئين الفلسطينيين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى "الأونروا".