يعد إعلان زيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، برفقة رئيس وكالة الاستخبارات، يوسي كوهين، إلى مدينة نيوم، يوم الأحد الماضي، الموافق لـ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أول زيارة معروفة يقوم بها رئيس وزراء صهيوني إلى السعودية.
وعلى الرغم من النفي السعودي، إلا أن وزراء ومسؤولين صهاينة رفيعي المستوى أكدوا حصولها، بعدما كشفت عنها بداية وسائل إعلام عبرية، حيث التقى نتنياهو وكوهين بولي العهد، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو.
نستذكر في هذا التقرير أبرز المحطات التاريخية بين السعودية والكيان الصهيوني، وكيف انقلبت المواقف السعودية تدريجياً من الحرب والمقاطعة والرفض التام، إلى مبادرات "السلام" واللقاءات والتطبيع السري (حتى الآن).
1948: إعلان الحرب
خلال النكبة، أعلنت السعودية الحرب على العصابات الصهيونية، حيث أمر الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بفتح أبواب التطوع للقتال في فلسطين.
وذكر المؤرخ الفلسطيني الشهير عارف العارف، في كتابه الموسوعي "نكبة فلسطين والفردوس المفقود"، الصادر عام 1956، أن 173 سعودياً استشهدوا خلال حملات التطهير العرقي الصهيونية عام 1948، بينهم 68 في الجيش السعودي (4 ضباط و5 وكلاء و8 نواب و4 عرفاء والباقون جنود)، و105 متطوعين (88 معروفة أسماؤهم و18 يعرف عنهم فقط أنهم استشهدوا في فلسطين).
ويشير العارف في كتابه إلى أن الجيش السعودي دخل فلسطين في اليوم نفسه (15 أيار/مايو 1948) الذي دخلها فيه الجيش المصري. ولم يكن مستقلاً في تحركاته، بل كان تابعاً للقيادة المصرية.
وعلى الرغم من أن عدد الرجال السعوديين المشاركين في المعارك لم يزد عن ألف وخمسمئة، إلا أن العارف يؤكد أنهم "أبلوا بلاء حسناً في المعارك التي خاضوا غمارها وكانوا من الجرأة والشجاعة وقوة الإيمان على جانب عظيم".
ويضيف: "وأكثر اشتباكاتهم مع اليهود جرت في المواضع الكائنة على مقربة من غزة: كمستعمرة "بيرون اسحاق" ومستعمرة "يد مردخاي" وفي بيت حانون وحليقات وغيرها".
انسحب الجيش السعودي من فلسطين في 24 شباط/فبراير 1949، في اليوم الذي وقّع فيه المصريون اتفاق الهدنة مع الكيان الصهيوني.
1956: الأمراء يتطوعون للدفاع عن مصر
في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1956 ، أصدر الملك سعود قراراً بالتعبئة العامة، وجاء في برقية أصدرها إلى الرئيس المصري الأسبق، جمال عبدالناصر: "أننا وقواتنا وكل إمكاناتنا حاضرون للمعاونة لرد العدوان، فعلى الباغي تدور الدوائر".
وبعد البيان المذكور، وصل إلى مصر الملك سلمان بن عبد العزيز متطوعاً، وكان حينها أميراً على الرياض، وأيضا الأمير فهد بن عبد العزيز وزير المعارف وقتذاك، والأمير سلطان بن عبد العزيز، والأمير عبد الله الفيصل وزير الداخلية آنذاك، وآخرون ضمن فرقة سُميت بفرقة "المجاهدين السعوديين للدفاع عن الوطن العربي"، كما تقدم كثيرون من الشعب السعودي للتطوع داخل هذه الفرقة.
ومع تطور العدوان، واشتراك بريطانيا وفرنسا مع الكيان الصهيوني، قامت السعودية بقطع علاقتها الدبلوماسية والسياسية مع كلتي الدولتين، ومنعت جميع الطائرات التابعة لشركات رأسمالها فرنسي أو بريطاني من الطيران في أجواء المملكة، كما أوقفت شحن النفط إليهما، وامتنعت عن ضخ النفط لمعامل التكرير بالبحرين التي كانت تقع تحت الحماية البريطانية.
1967: مشاركة في صد العدوان
شارك الجيش السعودي في صد العدوان الصهيوني على الجبهة الأردنية، وقامت السعودية بمساعدة الدول العربية التي تضرر اقتصادها وبنيتها التحتية نتيجة العدوان.
1973: استخدام سلاح النفط
شاركت القوات المسلحة السعودية في الحرب ضد الكيان الصهيوني على العديد من الجبهات، وخصوصاً في الجولان المحتل وتل مرعي.
لكن البارز إبان تلك الحرب، استخدام السعودية لسلاح النفط، حينما دعا الملك فيصل بن عبدالعزيز في 17 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1973 إلى اجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت، وخلال الاجتماع تقرر تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى ينسحب الكيان الصهيوني إلى خطوط ما قبل حزيران/يونيو 1967.
كما قررت بعض الدول العربية حظر تصدير النفط كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها للكيان المحتل، حيث قامت السعودية بإعلان وقف بيع النفط للدول الغربية بهدف دفعها لإجبار الاحتلال على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والدول التي تؤيد الاحتلال في الحرب مع سوريا ومصر.
1979: قطع العلاقات مع مصر عقب "كامب ديفيد"
قررت السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر رفضاً لتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979، واصفة الرئيس أنور السادات بأنه "خان الدول العربية".
لكن وثائق رفعت وزارة الخارجية الأمريكية السرية عنها في عام 2018، أشارت إلى أن السعودية تبنت موقفاً علنياً رافضاً للاتفاقية، وآخر سرياً مؤيداً لها، إذ كشفت برقية مؤرخة بتاريخ 10 آب/أغسطس عام 1978، تم بعثها من السفارة الأمريكية في السعودية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عن لقاء عقد يوم 9 آب/أغسطس من العام ذاته في مدينة الطائف جمع السفير الأمريكي، جون سي ويست، مع وزير الخارجية السعودي آنذاك، الأمير سعود الفيصل.
وقال مسؤول أمريكي كتب البرقية وشارك في الاجتماع ولم يكشف عن هويته: إن الأمير سعود "أعرب عن دعمه الكامل" لدعوة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، لنظيره المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الصهيوني، مناحم بيغين، لعقد اجتماع في كامب ديفيد، و"صرح بأنه يفكر في توصية اللجنة الاستشارية العامة بإصدار بيان علني حول هذا التأييد".
وبحسب البرقية، قال الأمير سعود: "إننا نريد أن ينجح كامب ديفيد، لأن ذلك سيكون نجاحا لأصدقائنا الأقرب في مصر والولايات المتحدة"، مضيفاً: "سنفعل كل ما بوسعنا للمساعدة".
كما أشار إلى أن المملكة ستجعل دعمها علنياً، لكنه شدد على أن كل "مخرجات كامب ديفيد من الضروري أن تلقى قبولاً واسعاً في العالم العربي"، حيث أعرب مراراً خلال الاجتماع عن قلقه من أن الولايات المتحدة "ستضغط على السادات لجعله يقدم تنازلات في مسألة الانسحاب والقضية الفلسطينية ستكون غير مقبولة تماماً بالنسبة للعرب".
1982: مبادرة الملك فهد
أطلق الملك فهد بن عبد العزيز مبادرة سعودية لـ "لسلام" مع الكيان الصهيوني في عام 1981، وأقرتها القمة العربية في فاس بالمغرب عام 1982، لكن تلك المبادرة سرعان ما آلت إلى الفشل والنسيان عقب الاجتياح الصهيوني للبنان.
وتتضمن المبادرة، على قرار مجلس الأمن رقم 242، اعترافاً ضمنياً بوجود "إسرائيل" وحق كافة دول المنطقة في العيش بسلام، كما تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس المحتلة.
2002: "مبادرة السلام العربية"
أطلق ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في 17 شباط/فبراير "مبادرة للسلام" مع الكيان الصهيوني عرفت باسم "خطة السلام العربية" أو "مبادرة السلام العربية".
وجاء في نص المبادرة أن "مجلس الجامعة يطلب من إسرائيل إعادة النظر فـي سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي".
وتطالب المبادرة كيان الاحتلال بـ:
- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع مـن يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
في المقابل، تقوم الدول العربية بـ:
- اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول في "اتفاقية سلام" بينها وبين "إسرائيل" مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
- إنشاء علاقات طبيعية مع "إسرائيل" في إطار هذا "السلام الشامل".
- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
2017: زيارة سعودية سرية للكيان الصهيوني
في شهر أيلول/سبتمر2017، نشر موقع "هيئة البث الإسرائيلي باللغة العربية"، التابع لوزارة الخارجية الصهيونية، خبراً جاء فيه أن "أميراً من البلاط الملكي السعودي زار البلاد سراً خلال الأيام الأخيرة وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام".
بدوره، قال موقع (nrg) العبري: إن "الأمير الذي زار إسرائيل سراً هو محمد بن سلمان"، وكان يرافقه وفد أمريكي رفيع المستوى يضم مسؤولين أمنيين وعسكريين كبار، إلى جانب وفد سعودي كان من بينهم رئيس المخابرات السعودية السابق أنور عشقي.
وكذلك ذكرت صحيفة "ميكور ريشون" العبرية أن محمد بن سلمان هو الذي قام بالزيارة، والتقى برئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو.
2018: أول طائرة تصل إلى الكيان الصهيوني مروراً بالأجواء السعودية
في شهر آذار/مارس 2018، وصلت إلى الكيان الصهيوني أول طائرة ركاب تجارية تمر عبر أجواء المملكة العربية السعودية، وهي الرحلة رقم AI 139 التابعة لشركة الخطوط الجوية الهندية التي أقلعت من مطار نيودلهي.
2019: وفد إعلامي سعودي يصل كيان الاحتلال
في شهر شباط/فبراير، نشر الإعلامي الصهيوني، باراك رافيد، مقطع فيديو على هامش مقابلة أجراها مع رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل.
بعد 5 شهور، زار وفد إعلامي عربي، يضم لأول مرة إعلاميين سعوديين وعراقيين، الكيان الصهيوني. وأعلنت وزارة الخارجية الصهيونية أن الوفد زار "متحف ياد فاشيم لتخليد ذكرى الهولوكوست والكنيست والأماكن المقدسة في القدس"، كما عقد اجتماعات مع أعضاء كنيست ودبلوماسيين.
وانتشر حينها مقطع فيديو يظهر طرد شبان وأطفال مقدسيين المدون السعودي، محمد سعود، من السمجد الأقصى المبارك.
2020: خطوات متسارعة
في الشهر الأول من العام الحالي، زار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وزير العدل السعودي السابق، محمد العيسى، معسكر "أوشفيتز" النازي، في بولندا، للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتحرير سجنائه.
ولاقت الزيارة احتفاء صهيونياً واسعاً.
في الشهر نفسه، وقع وزير الداخلية الصهيوني، أرييه درعي، مرسوماً يقضي بالسماح للمستوطنين بالسفر إلى السعودية.
ويسمح مرسوم درعي بالمغادرة إلى المملكة العربية السعودية بشكل علني لأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني، علما أن سلطات الاحتلال كانت تمنع السفر للسعودية بالجواز الإسرائيلي، حيث كانت تصنف السعودية "دولة عدوة".
في 2 أيلول/سبتمبر، أعلنت السعودية أنها ستسمح بعبور أجواء المملكة للرحلات الجوية القادمة إلى الإمارات والمغادرة منها، بما في ذلك المتعلقة بالكيان الصهيوني.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن "مصدر مسؤول" في الهيئة العامة للطيران المدني، قوله إنه "صدرت موافقة الهيئة على الطلب الوارد من الهيئة العامة للطيران المدني بدولة الإمارات العربية المتحدة، والمتضمن الرغبة في السماح بعبور أجواء المملكة للرحلات الجوية القادمة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمغادرة منها إلى كافة الدول"، ما عنى ضمنياً الطائرات المتوجهة والقادمة من الكيان الصهيوني.
2020 .. تأييد التطبيع في وسائل الإعلام السعودية
في تشرين الأول / أكتوبر 2020 كشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن صحفيين يعملون في وسائل إعلام سعودية تلقوا أوامر مباشرة من المستوى السياسي في السعودية بتغيير الخط التحريري فيما يتعلق بكيان الاحتلال الإسرائيلي والترويج لـ "التطبيع" على أنه "إيجابي ويخدم المصالح".
وقال صحفي، يعمل في واحدة من أهم وسائل الإعلام السعودية، فضل عدم الكشف عن اسمه، للصحيفة: "نحن لا نتظاهر بعدم الانحياز فيما يخص اتفاقيات التطبيع، وكل فكرة في غير هذا الاتجاه يتم حذفها، ونتعامل برقابة ذاتية في هذا السياق، لأنه لا يسمح لنا بانتقاد الاتفاقيات، التي تم توقيعها بين الإمارات والكيان الإسرائيلي".
وأشار إلى أنه في بعض الحالات تم حذف مقالات نشرت بناء على اتصالات من أشخاص مسؤولين، كما وتم نقل بعض المقالات إلى مكان غامض.
وشدد على أن الخط التحريري "يجب أن يكون واضحاً، لأن المستوى السياسي السعودي مؤيد لاتفاقيات التطبيع، ولا يصح أن تبقى مسألة نشر المواد الإعلامية خاضعة للتخمين".
من جهتها، اعتبرت "واشنطن بوست" أن التعليمات الجديدة لوسائل الإعلام السعودية، والتي تراقب بشكل وثيق من قبل النظام، هي بمثابة أدلة واضحة على أن الأمور في المملكة تسير باتجاه التطبيع.
فعلى الرغم من أن السعودية لم تعلق رسمياً على اتفاقيات التطبيع، إلا أنها سمحت للكتاب والسياسيين السعوديين السابقين بتأييده، وفتحت لهم المجال واسعاً لانتقاد الفلسطينيين ومهاجمتهم، بحسب الصحيفة.
شاهد الفيديو