بعد مضي اربع سنوات على توقيع اتفاق المصالحة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية المسلحة، وانسحاب الأخيرة من منطقة الغوطة الغربية على وجه العموم ومن منطقة خان الشيح ومخيمها على وجه الخصوص، وتهجير مايقارب ال 2000 شخص من أبناء المخيم الى الشمال السوري وسيطرة قوات النظام بعدها على المنطقة والمخيم وتشديد القبضة الأمنية على أهالي المخيم لاتزال الأوضاع الأمنية و الإنسانية في المخيم على وضعها من حيث السوء والتردي.
الوضع الإنساني والاقتصادي بعد التهجير
اليوم.. يكون قد مضى أربع سنوات ونيَف من عمر التسوية، ولاتزال الأوضاع الإنسانية والمعيشية لأهالي المخيم تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، في ظل الأزمات التي تشهدها البلاد كأزمة الغاز والكهرباء والخبز والمحروقات، الأمر الذي جعل الأسعار ترتفع بشكل جنوني كما يصف أهالي المخيم لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
يقول اللاجئ عبدالله حسن: إن ارتفاع الأسعار قد طال كلّ شيء، بشكل يفوق القدرة الشرائيّة لمعظم العائلات التي ليس لديها مورد ثابت، وبإستثناء الموظفين الحكوميين ومن يتلقون تحويلات من أبنائهم المغتربين في الخارج، تنعدم الموارد الماليّة الثابتة لدى معظم العائلات التي فقدت أعمالها تأثرّاً بالظروف السوريّة الراهنة، كأصحاب الدكاكين والتجّار الصغار، وأصحاب المهن الحرّة والحرف، والذين يشكّلون نسبة عاليّة من تركيبة مخيّم خان الشيح السكّانية.
ويضيف: يعاني الأهالي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات حيث بلع كيلو البندورة 1000 ليرة سورية والبطاطا ب 700 ومادة السكر ،1650 كما يؤكد عبدالله أن هذه الأسعار تختلف من تاجر لآخر وهي تزداد بشكل يومي، وقد وصل سعر خزان الماء الذي يتم تعبئته من قبل أصحاب الصهاريج المنتشرة في المخيم إلى 3000 ليرة سورية ويضيف "يا عمي كل شي بارتفاع الى حياتنا ومعيشتنا كل يوم تنزل الى أسفل السافلين ".
أما اللاجئ فيصل أحمد والذي اشتكى من نقص مادة الخبز في المخيم التي أصبحت من السلع النادر وجودها بوفرة وعند الحاجة يقول : سعر ربطة الخبزالعادية 150 ليرة سورة على أقل تقدير في حال توفرت في الأفران، وإذا اضطررت الى شرائها من الباعة المنتشرين قد يصل سعرها الى 500 ليرة سورية أما بالنسبة لربطة سعر الخبز السياحي قد يتجاوز سعرها في بعض الأحيان 2000 ليرة سورية وذلك لمن يستطيع شرائها كالميسورين وأصحاب الوظائف التابعة للأمم المتحدة .
ويضيف أن أفران المنطقة تعاني من نقص في مقدراتها اليومية من مادة الطحين، والذي يعود الى الأزمة المفتعلة التي تتبعها الحكومة لتركيع المواطنين وإذلالهم، بحسب تعبيره.
لا تزال الطرقات بحاجة لترميم جراء القصف الذي طالها سابقاً
وفيما يخص أوضاع البنية التحتية في المخيم فلا تزال العديد الطرقات في المخيم بحاجة الى إصلاح بسبب القذائف والصواريخ التي تم دك المخيم بها على مدى أربع سنوات ماضية ، أما بالنسبة للمنازل التي قد تعرّضت لأضرار جسيمة جرّاء ما شهده المخيّم من معارك وقصف جويّ وصاروخي خلال الأعوام الماضيّة، يجعلها أيضاً بحاجة الى إعادة ترميم فمن عادوا من خارج المخيم ووجدوا منازلهم ومحالهم مدمّرة بشكل كامل أو شبه كامل، يستحيل عليهم إعادة إعمارها نظراً للغلاء الفاحش في أسعار مواد البناء، حيث وصل سعر القطعة الواحدة من "بلوك" البناء الى أكثر من 700 ليرة سوريّة، عدا عن غلاء المواد الأخرى الأساسيّة كالحديد والاسمنت والرمل".
فيما استطاعت نسبة قليلة مقتدرة على إصلاح مساكنها أو إعادة ترميمها حسب امكانياتها .
وبالنسبة للتيار الكهربائي وشبكة الاتصالات والمياه ومادة المازوت داخل المخيم فبحسب شهادات أهالي من المخيم أن الكهرباء تكاد لا تأتي سوى ساعات قليلة لا تتجاوز ساعتين أو أكثر، حيث أن ساعات التقنين تزداد بشكل ملحوظ، وكذلك بالنسبة لشبكة الاتصال التي تنقطع مع انقطاع التيار الكهربائي بسبب قيام عناصر من جيش التحرير الفلسطيني بسرقة بطاريات المولدات الخاصة بأبراج التغطية الخاصة بشركة " سيرياتيل " في وقت سابق، بحسب ما أفاد لاجئون فضلوا عدم ذكر أسمائهم لأسباب أمنية.
أولادي يرتجفون برداً ولا مازوت لتذفئتهم
بالإضافة أيضاً إلى ندرة مادة المازوت التي تعد شبه منقطعة و في حال وجدت تكون أسعارها مرتفعة حداً حيث تجاوز سعر اللتر الواحد حوالي 2500 ليرة سورية .
وأكد أهالي المخيم أن معاناتهم زادت خاصةَ مع قدوم فصل الشتاء وبرودة الجو وبسبب قلة مادة المازوت للتدفئة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر .
اللاجئ سمير علي يقول: " لاكهرباء ولا شبكة اتصالات ولا مازوت، والله لوكنا حجارة لكنا انفجرنا من كثرة الأزمات، كل شيء في ندرة هذه الأيام ."
ويضيف سمير: " أصبحت حياتنا من القلة، من قلة الموت طبعاً"
وأضافت اللاجئة وصال محمد: في أيام كثيرة لا استطيع النظر في وجه أطفالي الذين أراهم يرتجفون أمام عيني بسبب برودة الجو ، كل ما استطيع فعله هو زيادة عدد الأغطية عليهم لتقيهم من برودة الجو.
الحصار السابق
هذه الحال التي يعيشها أهالي المخيم، كانوا قد خبروا حالاً أشد منها حين كان مخيم خان الشيح خاضعاً لحصار شبه كامل قبل أربع سنوات، فمع بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2016 ، شهد مخيم خان الشيح تدهوراً متسارعاً في الأوضاع المعيشية والإنسانية جراء صعوبة إدخال المواد الاستهلاكية ونفاد مادتي الخبز والمازوت بعد فرض قوات النظام السوري حصارها على البلدات المجاورة و إغلاق المنفذين الوحيدين لبلدات الغوطة الغربية إلى العاصمة، ومنع الدخول والخروج في ظل التصعيد والمعارك العنيفة في الديرخبية وحي الوادي، ما انعكس سلباً على المخيم.
وضع جعل المدنيين في المخيم حينها يعيشون حالة من الخوف والترقب نتيجة التصعيد، إذ تعرض محيط المخيم، في يوم 5 تشرين الأول / أكتوبر 2016 إلى أربع غارات روسية بالقنابل العنقودية، ما أدى إلى إصابة طفلة بجروح نتيجة استهداف إحدى الغارات لشارع السعيد في المخيم، وخلف القصف أيضًا أضرارًا كبيرة في المكان.
وأُطبق الحصار بشكل كلي على مخيم خان الشيح وتم عزله عن بلدة زاكية المجاورة التي كانت تشكل المنفذ الوحيد لأهالي مخيم خان الشيح، وبدأت أوسع حملة عسكرية على خان الشيح – البلدة والمخيم- من عدة محاور من قبل قوات النظام وسط استهداف مناطق تجمع المدنيين بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة، ومئات صواريخ أرض-أرض والمدفعية، وبعد تقدم النّظام على أكثر من محور وتضييق الخناق على الفصائل الثورية السورية افي خان الشيح، لتبدأ مفاوضات بين الجانبين.
التهجير القسري
وبعد عدة جولات من المفاوضات بين وفد من المكتب السياسي لتجمع لفصائل المعارضة السورية المسلحة في بلدة خان الشيح وقوات النظام السوري، في ظل استمرار المعارك بين الطرفين ،لم يكتب لها الحسم، توصل الطرفان لاتفاق يقضي بخروج فصائل المعارضة المسلحة وعوائلهم ومن يرغب باتجاه إدلب شمالاً، بينما تتم عملية مصالحة وتسوية أوضاع من يرغب بالبقاء من الأهالي في خان الشيح، إضافة لإطلاق سراح المعتقلين، وإنهاء الحصار المفروض على الأهالي، ومنع دخول قوات النظام إلى المخيم، وضمان سلامة الأهالي وعودة المهجرين.
وبدأت عصر يوم الأربعاء 30 تشرين الثاني / نوفمبر 2016 عمليات إخراج مئات المدنيين والناشطين الإغاثيين من اللاجئين الفلسطينيين مصطحبين عائلاتهم ومتجهين نحو إدلب والذين قدر عددهم بحوالي 2000 شخص، ومعظمهم لم يشارك في الأعمال القتالية لكنه اضطر للخروج خوفاً من أي تصعيد أمني محتمل لا يحتاج النظام السوري إلى إرجاعه لسبب ما، حسب الأسلوب المعروف له في التعاطي مع المدنيين، وبعد يومين من دخول عدد من الباصات لمنطقة خان الشيح وخروج عدد من فصائل المعارضة السورية وعائلاتهم باتجاه مدينة إدلب في الشمال السوري فيما فَرَضَ الاتفاق على الطرفين التكتيم الإعلامي بالنسبة لبنود الاتفاق قبل وبعد توقيعه.
حياد لم يثمر كثيراً
يذكر أن تهجيير فلسطينيين من المخيم تم رغم أن مخيمهم لم يشهد بعيد اندلاع الثورة في سورية أي مظاهر مسلحة، إلا أنه لعب دوراً إغاثياً وإنسانياً، حيث طرح أهالي المخيم وناشطوه موقف الحياد والبقاء بعيداً عن الاشتباك العسكري في البلاد، والذي اعتبروه ربما حلاً يحمل أقل الخسائر على أهالي المخيم والنازحين إليه من المناطق المجاورة ، وأبقوا على العمل الإغاثي والإنساني مع المهجرين من مناطق الغوطة الغربية المجاورة للمخيم وبعض المخيمات الفلسطينية إذ بلغ عدد المهجرين من مناطق الغوطة الغربية والمخيمات الفلسطينية حتى نهاية شهر آب / أغسطس 2012 أكثر من 75 ألف لاجئ ومهجر استقبلتهم منازل مخيم خان الشيح و والمزارع المحيطة به، بالإضافة الى تجهيز 9 مراكز إيواء داخل المخيم لإدارة أزمة المهجرين والحفاظ على أمنهم وأمن المخيم.
يعتبر أبناء المخيم أن وقوفهم على الحياد، لم يكن سلبياً، بل عاد بالنفع الإيجابي على المخيم وحتى على المناطق المجاورة، حيث أن العلاقة مع الجوار المشتعل بقيت جيدة، كما استطاع المخيم تقديم المساعدة الإغاثية للمناطق المنكوبة مثل دروشا وعرطوز وغيرها من المناطق، واعتبر الملاذ الآمن للأهالي المهجرين من قرى وبلدات الغوطة الغربية.
واستمر المخيم بلعب دور انساني أملاً في الحفاظ على حياد المخيم ومنع جره لكرة النار السورية حتى دخلت قوات النظام أواخر عام 2012 وأقامت الحواجز داخل المخيم ومحيطه، وسرعان ما بدأت بمضايقة الأهالي والنازحين وشن حملات اعتقال بحقهم، ومداهمات للبيوت لتبدأ معها مرحلة جديدة من العنف ضدهم ازدادت مع وصول قوات المعارضة لمحيط المخيم.
وبعد سيطرة فصائل المعارضة السورية على محيط المخيم والمزارع المجاورة له مع بداية الأشهر الأولى للعام 2013، بدأت الفصائل الثورية السورية بمهاجمة قوات النظام في مزارع خان الشيح ، ومع بداية شهر آذار/ مارس 2013 تمكنت الأولى من الاستيلاء على كتيبة الصواريخ وإجبار قوات النظام على الانسحاب من داخل المخيم إلى ثكنة الاسكان العسكري.
لم يسلم المخيم جراء هذا التطور فقد صبت طائرات النظام السّوري الحربية، ومدفعياته المنتشرة في محيط المخيم حمم نيرانها على المخيم وأهله أثناء اندلاع المعارك، فتحول المخيم إلى بركة من الدماء مع سقوط عشرات الضحايا من شهداء وجرحى فلسطينيون وسوريون جراء القذائف والقنابل العنقودية في الوقت الذي كانت تدور المعارك بين المعارضة السورية المسلحة والنظام خارج المخيم للسيطرة على ثكنة الإسكان العسكري ،حيث أصبح يوم الثالث عشر من آذار/مارس 2013 بداية لمرحلة مليئة بالتهجير والقتل فالمخيم الذي استقبل آلاف المهجرين صار أهله مهجّرين.
واستمرت الأحداث بالتسارع والتواتر الأمر الذي جعل الفصائل الثورية السورية تشن هجوماً شرساً في نهاية 2013 على مواقع قوات النظام في منشية وحسينية خان الشيح والسيطرة عليها، ليفرض بعد ذلك النظام حصاراً كاملاً على المنطقة من كافة مداخلها، ما دفع الأهالي لاستخدام طريق وعر مقنوص من قبل قوات النظام بين المزارع سمي بطريق الموت، وعلى هذا الطريق سقط عشرات الشهداء والجرحى خلال محاولات الدخول والخروج لإدخال المواد الغذائية والأدوية من بلدة زاكية المجاورة والتي كانت تخضع لسيطرة المعارضة.
حيث بقي مخيم خان الشيح تحت الحصار الجزئي والقصف بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي والمدفعي بشكل يومي، ما أسفر عن ارتقاء حوالي 180 مدنياً جراء القصف والاشتباكات، بينما تم توثيق 186 حالة إعاقة ومئات الجرحى، فيما بلغت نسبة الدمار أكثر من 30% من ممتلكات وبنية المخيم وتم توثيق اعتقال 200 لاجئ من أبناء المخيم على الحواجز المحيطة به، وفي البلدات والمدن المجاورة التي نزحوا إليها منذ عام 2013.