راهنت قيادة منظمة التحرير والسلطة خلال عقود طويلة، على خيار التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، كخيار رئيسي واستراتيجي من أجل استعادة الحقوق الوطنية، وفي مقدمتها إقامة "الدولة" الفلسطينية المستقلة وعاصمتها شرقي القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وممتلكاتهم استناداً لقرارات الأمم المتحدة، وكل هذا جاء في الخطاب الإعلامي لهذه القيادة منذ بدء مسار "أوسلو".
ومن أجل تحقيق هذا الرهان، ارتكزت السياسة الرسمية الفلسطينية على مرتكزات عدة أثبتت عدم نجاعتها ومنها:
أولاً: أن هناك إمكانية لما أسمته "السلام" مع الاحتلال على أساس حل الدولتين
وثانياً: أن الولايات المتحدة الأمريكية راعياً وضامناً لهذا "السلام" وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
إلا أن اتفاقيات "أوسلو" لم تمنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في العودة إلى وطنهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها بعد عام 1948، ولم تأت على ذكر حقوقهم بشكل واضح ومباشر، وجاء في نص الاتفاقية البند الخامس: "ستنطلق مفاوضات الوضع النهائي في أقرب وقت ممكن على ألا يتعدى ذلك بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني".
"من المفهوم أن هذه المفاوضات ستغطي قضايا متبقية تشمل القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية والحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة.
يتفق الطرفان على أن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي لن تكون محكومة ومتأثرة باتفاقات تم التوصل إليها للمرحلة الانتقالية".
أما البند الثاني عشر من الاتفاقية فقد ذكر ما نصه: "سيقوم الطرفان بدعوة كل من الأردن ومصر للمشاركة في تشكيل المزيد من ترتيبات التعاون والارتباط بين حكومة إسرائيل والممثلين الفلسطينيين من جهة، وحكومتي الأردن ومصر من جهة أخرى لتشجيع التعاون بينهم، وستشتمل هذه الترتيبات على تكوين لجنة متابعة ستقرر، من خلال اتفاقية، ماهية صيغة الدخول، لأشخاص شردوا من الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967 ومعاً، بواسطة الإجراءات الضرورية، لمنع الفوضى والخلل، وستعالج هذه اللجنة مسائل أخرى ذات اهتمام مشترك".
ونصت اتفاقية كامب ديفيد 2000 بشأن اللاجئين على ما يلي "خلال الفترة الانتقالية يشكل ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي لجنة تعقد جلساتها باستمرار وتقرر الأطراف صلاحيات السماح بعودة الأفراد الذين طردوا من الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 واتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع الاضطرابات وأوجه التمزق، ويجوز لهذه اللجنة أن تعالج الأمور ذات الاهتمام المشترك".
كما نصت على أن "تعمل مصر وإسرائيل مع بعضهما ومع الأطراف الأخرى المهتمة لوضع إجراءات متفق عليها للتنفيذ العاجل والعادل والدائم لحل مشكلة اللاجئين". رغم التفاهمات تلك، إلا أن قمة كامب ديفيد انتهت دون أن تفضي إلى اتفاق نهائي.
كان لاتفاقات أوسلو آثار ضارة على مجتمعات اللاجئين المقيمين في البلدان العربية المضيفة.
بعد إبعادهم عن محادثات عملية التسوية الثنائية، وجد اللاجئون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بفرض مخططات إعادة التوطين عليهم، بغض النظر عن التحديات السياسية والمالية التي تترتب على تلك المخططات، ودفعت هذه التحديات المهولة البلدان المضيفة في البداية لتشديد موقفها من قضية اللاجئين الفلسطينيين، واعتمدت جامعة الدول العربية قراراً في آذار/مارس 2007 يشدد على المشاركة النشطة للأمم المتحدة في عملية اتفاق الوضع الدائم من خلال الأدوار المتزايدة للأونروا ولجنة التوفيق، وفي الوقت نفسه في أواخر التسعينات، رفضت البلدان المضيفة بشكل قاطع الخطط الغربية غير الرسمية التي كانت تهدف إلى إعادة التوطين الدائم للجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقاماتهم آنذاك (ما عدا لبنان) على الرغم من الحزم المالية الكبيرة المقترحة.
بدأت المحادثات متعددة الأطراف منذ أواخر 1993، فيما تم تأجيل المحادثات الثنائية ومحادثات اللجنة الرباعية حول مسألة اللاجئين حتى عام 1995، ولكن عندما عقدت المحادثات الثنائية في عام 1995 تم إبطاء المحادثات متعددة الأطراف، وبهذا أصبحت اجتماعات متعددة الأطراف بشأن اللاجئين تتم مرة كل عام بدل مرة كل 6 أشهر، ولقد تعطلت الاجتماعات بشكل تام لاحقاً.
تأسست مجموعة العمل خلال الجولة الأولى من المفاوضات متعددة الأطراف التي عقدت في موسكو عام 1992، على أن تترأس كندا مجموعة العمل الخاصة باللاجئين التي ضمت نشاطاتها أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية، وتتكون مجموعة العمل الخاصة باللاجئين من ستة أطراف إقليمية هي: مصر، إسرائيل، الأردن، لبنان، فلسطين، وسورية، وقد قاطعت سورية ولبنان مجموعة العمل الخاصة باللاجئين حتى الآن.
زاد من قلق اللاجئين أن المفاوض الفلسطيني لم يكشف رسمياً عما تم التوصل إليه من تفاهمات في قمة كامب ديفيد الثانية 2000، بينما سرب الجانب الإسرائيلي معظم هذه التفاهمات التي أكدت وجود نقاشات من حيث المبدأ على تجزئة مسألة اللاجئين بعودة أعداد معينة ومحدودة من اللاجئين إلى داخل ما يسمى "الدولة الإسرائيلية" في إطار جمع الشمل وليس في إطار اعتراف الاحتلال بحق اللاجئين في العودة، وعبر استيعاب الدولة الفلسطينية لأعداد أخرى، وفي الحالتين ضمن خطة يستغرق تنفيذها سنوات طويلة تتراوح ما بين 10و20 سنة، مقابل إعادة تهجير الباقين أو توطينهم في أماكن إقامتهم الحالية.
من الواضح أن الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي لم تذكر بشكل محدد حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولم تتحدث عن استعادتها، إلا أن الإعلان عن تمسك القيادة الفلسطينية بالثوابت الوطنية وحق العودة استناداً لقرارات الشرعية الدولية، كان يعطي"الأمل" لدى اللاجئين، بأن مسار التسوية سيؤدي بالنهاية إلى منحهم حقوقهم الوطنية والإنسانية والاجتماعية، ويخفف من آلام اللجوء ويحقق لهم أمل العودة+.
مسار التسوية اليوم وحسب تصريحات وبيانات القيادات الفلسطينية وصل إلى طريق مسدود ، واعترفت القيادة الرسمية في رام الله أن "إسرائيل لا تريد السلام" وأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست راعياً نزيهاً لـ"السلام" ولا ضامناً عادلاً لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة.
وإذا كان مناخ التسوية وثقافة التطبيع واتفاقيات التسوية قد سيطرت على الرأي العام لسنوات، واستطاعت قوى التسوية أن تجند وتحشد الإمكانيات الهائلة لتمرير ثقافتها والسير بمشروع التسوية والاعتراف بالكيان العنصري الاستعماري على الأراضي الفلسطينية، إلا أن تصاعد العدوان الإسرائيلي وعمليات اجتياح الأراضي الفلسطينية ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات بدعم أمريكي كامل، أكد مجدداً أن هذا الكيان لا يمنح الحقوق ولا يقدم التنازلات.
وإذا كانت اتفاقيات التسوية (أوسلو، واي رفير، كامب ديفيد وغيرها من الاجتماعات واللقاءات) لا تشير بوضوح الى حقوق اللاجئين الفلسطينيين فماذا ينتظر اللاجئين الفلسطينيين أمام إقفال أبواب التسوية، ووقف المفاوضات، وأمام واقع فلسطيني سياسي متردي وضعيف ومفكك ويعيش حالة الانقسام؟
الباحث الفلسطيني الدكتور محمد قدورة يضع قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والعالم، في إطار القضية الفلسطينية عامة، وهي التي نتجت عن احتلال أرض وتشريد شعب ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وسياسة صهيونية اتسمت بالعدوان والقتل والمجازر.
ويؤكد الدكتور قدورة لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين أن اتفاقيات التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لم تكن طريقاً لاستعادة حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ممتلكاتهم ووطنهم الحر المستقل، لافتاً إلى أن هذا العدو العنصري لن يوافق على إقامة الدولة الفلسطينية ولن يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم .
ويضيف: "بالأساس لم يكن للتسوية أفق، بل كانت وهماً وسراباً، ومحطات لنخر العقل الفلسطيني والعربي ودفعه لليأس والاستسلام والقبول بالهزيمة، ووصول التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي إلى طريق مسدود، له فائدة كبيرة ، في كشف أن مسار سنوات طويلة كان وهماً، وأن العدو لن يسمح بعودة اللاجئين أو منحهم حقوقهم، سوى بالقوة".
وهذا يعني أن على الفلسطيني الخروج من مسارات الوهم، والعمل بواقعية والبحث بشكل فاعل عن طريق تحرير وطنه وعودة اللاجئين.
من الواضح أن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين تزداد سوءاً، وينعكس ذلك بشكل واضح على تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والبيئية والسياسية داخل المخيمات، وهذا يحتاج إلى تقييم المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية عامة وقضية اللاجئين الفلسطينيين خاصة.