لم يكن أبو عبد الله ياسين يعلم أن حنينه إلى عمله السابق، الذي تركه منذ ما يزيد عن عقدين، سيفتح باب الرزق له ولغيره من النساء والرجال حيث يقطن، في مخيم جرش المعروف بمخيم غزة، حيث يقطن، أبواب الرزق.
كان أبو عبد الله يعمل في شركة مختصة بإنتاج البذور الزراعية، التي بدورها واجهت مشاكل في التربة أعاقت عملها، فلجأت إلى الزراعة المائية من خلال الحجر البركاني، كبديل عن التربة.
عندما أتم عقده الرابع، قرر أن يخوض التجربة مجددًا كهاوي مستعيدًا شغفه وعشقه للزراعة المائية، فأنشأ دفيئة زراعية مساحتها 6 أمتار ثم وسع المساحة إلى 32 متراً على سطح بيته.
تردد زوار كثر إلى منزله من أجل رؤية الدفيئة الزراعية، وعرضوا الفكرة على مؤسسات عدة من ضمنها اليونيسيف، التي تبنت المشروع، من أجل تمكين النساء والشباب اقتصادياً في المخيم من خلال تقنية الزراعة المائية على أسطح المنازل.
المشروع ساعد نساء المخيم كون عملهن سيكون في منازلهن
يقول أبو عبد الله لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "العادات والتقاليد لا تسمح بعمل المرأة خارج البيت، وعملها يقتصر على المهن الحرفية التقليدية مثل الخياطة والتطريز، مشيرًا إلى أن هناك نسبة كبيرة من النساء عاطلة عن العمل ،فالمخيم يحكمه النظام العشائري، وعندما تأتي الفرصة لهن ليُدِرْن مشروعاً فوق أسطح بيوتهن، لن تعارض الأهالي، فهي نافذة فتحت لهن للإبداع".
بعدما شاهدت منظمة اليونيسف نجاح التجربة التي خاضها ياسين في الزراعة المائية، أجرت دراسة عليها، وأنشأت وحدات زراعية فوق أسطح مخيم جرش تخدم 20 امرأة من سكانه، كمرحلة ابتدائية، وفي الوقت الحالي هن في صدد عمل 140 وحدة.
ولمن لم يسمع بالزراعة المائية (الهيدروبونيك) من قبل فهي إحدى الأنظمة الزراعية الحديثة ذات الفاعلية القائمة على أساس استنبات المحاصيل في الماء وبعض المغذيات "المحاليل" بكميات متفاوتة، إضافة إلى ضوء الشمس، لإنتاج خضروات وفواكه أكثر جودة وأقل تكلفة، في مساحات صغيرة لاستثمار بعض الأماكن في ظل غياب تربة صالحة للزراعة، مثل أسطح المنازل.
توفر الزراعة المائية من 70 إلى 95% من كمية المياه المستعملة في الزراعة التقليدية، وتمنع تلوث التربة والمياه الجوفية عبر تسرب الأسمدة والمبيدات، والتي تستخدم بشروط محددة في هذه التقنية، إضافة إلى أنها صديقة للبيئة، فالنبات يأخذ حاجته من الأسمدة العضوية التي يتم تدويرها من بقايا مخلفات المطبخ ، على عكس الزراعة في الأراضي التي ترش بالمبيدات الحشرية والأسمدة النيتروجينية بحسب أبو عبد الله.
الوباء أثر على تسويق منتجات المشروع
يضيف: "الإنتاج يزيد 5 أضعاف عن الإنتاج العادي، فالمتر ينتج خمسة أمتار عن عن الزراعة التقليدية، بسبب استخدام الزراعة العمودية".
يؤكد ياسين" في ظل الوضع الطبيعي بعيدًا عن أزمة كورونا سيوفر الإنتاج على البيت لمدة تتراوح من 30 إلى 35 يوم ما يعادل 100 دينار، خاصة أن العديد من الشركات اتفقت مع أصحاب المنازل أن تأخذ حصيلة الوحدات الزراعية؛ ولكن انتشار الوباء أثر بشكل سلبي نتيجة اغلاق المطاعم والفنادق".
انشغالي بالزراعي سد فراغاً كبيراً في حياتي اليومية
لم تتحمس المزارعة خلود الراشد في بداية الأمر للفكرة ، بأن بإمكانها استخدام سطح منزلها في الزراعة المائية، فكان لديها رهبة كبيرة في خوض هذه التجربة التي اعتبرتها غريبة وغير مجدية، وعندما بدأت تمارس الزراعة كانت النتيجة مغايرة، فوجدتها مجالاً شيقاً وأدمنت كل ما يتعلق في هذا المجال.
تقول المزارعة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: " الزراعة على أسطح المنازل تختلف عن باقي الزراعات كونها تحقق اكتفاءً ذاتيًا لربات البيوت، إضافة إلى أنها تعد مصدر دخل لهن ، فهي بحاجة إلى تدريب وعناية وصبر؛ الذي يريد أن يخوض التجربة يجب أن يكون عنده دراية ومعلومات كافية عن الزراعة المائية".
تواصل الراشد، "انشغالي في الزراعة سد فراغاً كبيراً في حياتي، ساعدني على تخطي كل المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها اللاجئ في مخيم غزة بسبب ضغوط الحياة اليومية، فهناك فرق كبير بين أن تكوني امرأة منتجة لك كيانك وعملك مساندة ومعيلة لأسرتك، وبين أن تكوني متكلة على غيرك بحاجة إلى من يلبي احتياجاتك".
زرعت خلود شتى أنواع الخضروات التي تعد اطباقاً أساسية في مادة عائلتها اليومية، فلم تعد بحاجة إلى شرائها من السوق التجاري، على أمل انتهاء الجائحة وعودة الحياة الطبيعية لمسارها، حتى تستطيع بيع ما ستزرعه لاحقًا.
حبها للزراعة جعلها تخوض تجارب كثيرة وتتعلم كل يوم شيئاً جديداً؛ فمن الزراعة المائية انتقلت لتتعلم تصنيع السماد العضوي، ثم انتجت صواني البذور بدلًا من أن تشتريها جاهزة بتكلفة مرتفعة.
لا نريد مساعدات.. كل ما نحتاجه فرص عمل
لم تستطع خلود إكمال تعليمها الجامعي بسبب ظروفها المادية الصعبة، إضافة إلى شح فرص العمل التي يعاني منها ابن مخيم غزة، ولكنها اليوم وجدت عملاً يجعلها غير محتاجة لأحد.
تضيف،" لا نريد مساعدات ولا أن يمتن علينا أحد، ما نحتاجه فرص نعتمد بها على أنفسنا، حتى نحسن من ظروفنا الاقتصادية".
نصف مساحة مخيم جرش تستخدم في الزراعة المائية
بدوره يقول أبو محمد المتطوع في جمعية "سما غزة" لتنمية المجتمع لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "الجمعية اختارت 4 منازل لإجراء تجارب على أسطحهم في مخيم جرش، وكان منزلي من ضمنهم، إضافة إلى أنني مهتم بكل ما يخص الزراعة منذ صغري".
يتابع، تبلغ مساحة الوحدات السكنية في المخيم التي تبنيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، 96 متراً مربعاً، ونصف هذه المساحة في حدها الأقصى يتم استخدامها في الزراعة المائية.
يضيف، بدأ المشروع الذي أشرفت عليه جمعية سما غزة لتنمية المجتمع بالتعاون مع جمعية السطوح الخضراء ب4 منازل وهناك جميعة أخرى في صدد تنفيذ ما يقارب 200 وحدة سكنية ، هذا على صعيد عمل المؤسسات، موضحًا أن الكثير من أبناء المخيم توجهوا لإنشاء دفيئات زراعية على حسابهم الشخصي، بسبب عدم انطباق شروط الجمعية على حالتهم، إضافة إلى قناعة الشخص بجدوى الفكرة بعد أن رأى نجاحها.
جائحة كورونا أثرت كثيرًا على نجاح الفكرة بسبب الإغلاق والحظر، الذي منع المهندسين الزراعيين من المتابعة والاشراف وتوجيه أصحاب الدفيئات، لضمان نجاح زراعتهم المائية – كما يقول- .
يزيد أبو محمد "بسبب افتقارنا للأراضي داخل المخيم، تأتي الزراعة المائية كمتنفس لسكانه، الذين أعربوا عن مدى حاجتهم لمثل هذه المشاريع".
كانت المزروعات بمثابة نجدة له في ظل جائحة كورونا والحجر المنزلي، فالخضار متوفرة وطازجة في كل وقت ليس بحاجة إلى شرائها من الخارج، إضافة إلى أنها خالية من المكملات الكيمائية.
المشروع لم يقتصرعلى الزراعة المائية بل شمل الزراعة الرملية وهي عبارة عن براميل بلاستكية يتم وضع حجر التوف أسفلها لحفظ الرطوبة في المكان، عند ري الزرع فتحتفظ النبتة بالماء.