على وقع تأجيل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للانتخابات التي كان من المقرر عقد المرحلة الأولى منها والمرتبطة بالانتخابات التشريعية في 22 من أيار/مايو المقبل، تحت حجة رفض الاحتلال الإسرائيلي عقد الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، أبدى كثر وعلى رأسهم الفصائل الفلسطينية رفضاً لهذا التأجيل، فيما يرى كثير من الفلسطينيين أن هذا السيناريو متوقع.
"حجة باهتة"
وبحسب أمين العلاقات الدولية في مؤتمر فلسطيني الخارج د. ربحي حلوم فإن ما يجري "جزء من سيناريو بين أطراف ثلاث، هم محمود عباس، والإدارة الأميركية، وبنيامين نتنياهو".
وتابع: "حجة الرئيس أبو مازن المتعلقة بالقدس، كذبة كبيرة، وأنه حتى لو أعلن الاحتلال عن رفضه للانتخابت أو أنه أبلغ رفضه لعباس مباشرة كما زعم، فبإمكان الرئيس أبو مازن إجراءها عبر عدّة وسائل، ومنها الوسيلة الإلكترونية، ومع هذا لا يمكن لعباس أن ينتظر الموافقة على إجراء الانتخابات من قبل الإسرائيليين على طبق من ذهب. إنّ هذه حجة باهتة لا يقبلها عاقل".
فيما يرى الباحث الفلسطيني المقيم في لبنان جابر سليمان: أن الأسباب الحقيقية التي دفعت عباس إلى تأجيل الانتخابات متذرعاً بالرفض الإسرائيلي لإجرائها في القدس، هي خوفه من خسارة الانتخابات التشريعية وخشيته من أن لا تحصل قائمة حركة فتح الرسمية على الأصوات اللازمة للهيمنة على قرار المجلس التشريعي في ظل انقسام الحركة وتعدد قوائمها(ثلاث قوائم)، وأيضًا في ظل المنافسة القوية المتوقع أن تلقاها من قبل القوائم الأخرى".
يضيف الباحث الفلسطيني: "عوضاً عن التذرع بالرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس، كان الأحرى بأبو مازن، طالما قرر خوض الانتخابات وفقاً لمرسومه الرئاسي، أن يستخدم هذه الورقة لإحراج الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي وأصدقائه الأوروبيين الذين خذلوه بدل أن يضغطوا على إسرائيل، ولكي يظهر للعالم أن الكيان الصهيوني الذي يدعي أنه واحة الديموقراطية في المنطقة هو (دولة أبارتايد) ترفض ممارسة الشعب الفلسطيني الواقع تحت لاحتلال لأي نوع من الانتخابات ولأي شكل من أشكال الديمقراطية"
مجلس وطني منتخب
وبغض النظر عن دوافع عباس من هذا الإعلان، إلا شريحة كبيرة من الفلسطينيين لا سميا اللاجئين منهم، لم تبد اهتماماً بهذا التأجيل كونها ترفض بالأساس إجراء انتخابات تحت مظلة اتفاقية "أوسلو" وتحت راية السلطة الحالية القائمة في رام الله، ودون أن يشارك بهذه الانتخابات الكل الفلسطيني المنتشر حول العالم.
لذلك يرى حلوم، أن نقطة البداية يجب أن تكون بإجراء انتخابات مجلس وطني فلسطيني، "تُعد العدّة من أجل إسقاط القيادة الحالية، والعودة إلى الجذور والتمسك بالثوابت عبر الدعوة إلى مؤتمر وطني وإسقاط أوسلو وتشكيل قيادة إنقاذ وطني جماعية مؤقتة تتولى إدارة دفة المرحلة وتستغل مهامها بالإعلان عن لا شرعية عباس وسلطته الكارثية الأوسلوية" بحسب قوله.
ويضيف د.حلوم: أن على هذه القيادة التحضير لانتخابات مجلس وطني على قاعدتي النسبية والميثاق الوطني المُقر في القدس عام 1964، والذي عليه أن يتولى مهمة إدارة المرحلة المؤقتة إلى حين تشكيل المؤتمر الوطني على هاتين القاعدتين، والذي بدوره ينتخب قيادة جماعية تتولى إدارة مرحلة إعادة وضع المركبة النضالية الفلسطينية على سكتها الصحيحة ومقاومة الاحتلال حتى التحرير.
كذلك الأمر، يرى المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في لبنان، جابر سليمان أن المطلوب كان إعطاء الأولوية لانتخابات مجلس وطني فلسطيني جديد يشارك فيه كافة الفلسطينيين في فلسطين والشتات، بما يضمن إعادة بناء منطمة التحرير وإنتاج قيادة فلسطينية جديدة ونظام سياسي فلسطيني يعيد الاعتبار لدور(م.ت.ف) كحركة تحرر وطني، بعد أن تماهت المنظمة في سلطة أوسلو "المتهالكة".
وبحسب سليمان، فإن "أبو مازن أراد من إجراء الإنتخابات إضفاء الشرعية على مؤسسات سلطة أوسلو ومنها شرعية الرئاسة بعد أن تآكلت كل هذه الشرعيات، من جهة، ومن جهة أخرى أراد أن يستجيب من خلالها للضغوطات الأوروبية والإقليمية وللمتغيرات الدولية الناجمة عن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وسياسة الجزرة التي اعتمدها الأخير مع السلطة الفلسطينية والإغراءات التي قدمها من أجل العودة إلى متاهة المفاوضات العبثية على أساس أوسلو".
وتابع: "الأهم من كل ذلك الآن، علينا أن ننظر إلى مرحلة ما بعد إلغاء أو تأجيل الانتخابات، فالانتخابات خلقت نوعًا من الحراك السياسي والتنظيمي في المجتمع الفلسطيني يجب أن يستفاد منه لإعادة توجيه البوصلة باتجاه إعادة بناء (م.ت.ف) عبر إجراء انتخابات مجلس وطني فلسطيني يعيد بناء منظمة التحرير على أسس كفاحية، بما يضمن تبني استراتيجية نضالية تستفيد من فشل عملية التسوسة وتقطع مع سلطة أوسلو وإملاءاتها المذلة، فهذه السلطة قد أفلست، بل أصبحت أداة لإدامة الاحتلال وتصفية القضية الفسلطينية".
وفيما يبقى هذا الطروحات في إطار الحل النظري للمأزق السياسي الفلسطيني، تغيب الإرادة لدى القيادة المتنفذة في منظمة التحرير لإصلاح حال المنظمة وإجراء انتخابات جدية وشفافة للمجلس الوطني، وكذلك تغيب الآليات الواضحة لدى الأطراف الفلسطينية الأخرى حول إمكانياة استعادة دور المجلس الوطني والمنظمة.