تتوالى التسهيلات التي تقدمها سفارة السلطة الفلسطينية في العاصمة السورية دمشق، للاجئين الفلسطينيين هناك، من أجل الحصول على جواز السفر الصادر عنها، بدءاً بفتح المجال لفلسطينيي سوريا بالحصول عليه، بموجب تقديم الأوراق الثبوتيّة الخاصّة باللاجئ الفلسطيني في سوريا إضافة إلى رسوم ماليّة قدرها 10 دولارات، وأخيراً إنشاء رابط الكتروني، لإتاحة المجال للاجئين تقديم طلباتهم عبر الانترنت، نظراً لما شهدته السفارة في دمشق من تزاحم كبير، يعكس رغبة اللاجئين الشديدة بالحصول على الجواز.
تسهيلات غير مسبوقة، تخص فيها السلطة الفلسطينية، الفلسطينيين في سوريا دون سواهم من دول الجوار التي تضم ثقلاً فلسطينياُ كبيراً كالجمهوريّة اللبنانية، وهو ما أثار تساؤلات لاجئين فيها، ومنهم " بسّام" من أبناء مخيّم عين الحلوة في صيدا جنوب لبنان، ويحمل وثيقة سفر فلسطينية لبنانية، وبذل جهوداً وصفها بـ " الجبّارة" للحصول على جواز السلطة من السفارة في بيروت، ولكن دون جدوى.
يقول "بسّام" لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّه تقدّم إلى السفارة أوّل مرّة، ولكن رفضوا حتّى تلقّي طلبه، دون تزكيّة من أحد الفصائل الفلسطينية المنضوية ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية، تحتوي على مبرر لحاجته للجواز، إضافة إلى مبلغ 50 يورو. ولم يُفلح "بسام" في ذلك، لأنّه غير مغطّى فصائليّاً من أحد، وكان بحاجة ماسّة لجواز السفر كي يستعمله في تركيا ببعض الأعمال، التي يذهب إليها عبر وثيقته اللبنانية بشكل دوري.
قصص كثيرة، تثبت رفض سفارات السلطة المنتشرة في دول جوار سوريا، إصدار جواز سفرها للاجئين الفلسطينيين، وثّق بعضها سابقاً موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، وقوامها معاناة وإذلال على أبواب سفارات السلطة الفلسطينية في الدول العربية وغير العربية، وأبطالها لاجئون فلسطينيون سوريّون، التجؤوا إلى ممثليّات و سفارات "دولتهم" الفلسطينية، ولم تلبَ طلباتهم.
لماذا سوريا ؟
حاول "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" الحصول على إجابة عن هذا التساؤل عبر التواصل مع سفارة السلطة الفلسطينية في دمشق، ولكن دون جدوى.
كان الموقع يأمل بإيجاد جواب من السفارة عن هذا التساؤل الذي بدأ ينقر عقول الكثيرين، ويُحاط بأفكار حول "مصلحة ما للنظام السوري بتسهيل خروج الفلسطينيين من البلاد، وتخفيف عبئ وجودهم على أراضيه"، تساوقاً مع أهداف سياسية دولية بالخلاص من كتل تمركز اللاجئين الفلسطينيين وإذابتهم، وإغراقهم في أوهام الخلاص المُشتهى من قسوة الأوضاع التي بلغت حدّ العدم المطلق في سوريا.
خاصة أنّ ذلك يترافق مع جمود في ملف إعادة إعمار المخيّمات وإعادة أهاليها إليها ولا سيما مخيّم اليرموك، صاحب الكتلة البشريّة الفلسطينية الأكبر في سوريا. وهو المخيّم الذي طاله مخطط تنظيمي يقضم ممتلكات الأهالي ويُسقط عنه صفة المخيّم، أحالته الحكومة السوريّة بعد احتجاجات واسعة إلى التريّث، دون إلغائه.
وفيما يخص التساول أعلاه، أثارت كثافته، الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دمشق، ما دفعها إلى إصدار نفي لما أثير حول مساع لتهجير اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، عبر تسهيل حصولهم على جواز سفر السلطة، حيث وصفها رئيس الدائرة انور عبد الهادي بـ " الشائعات"، مؤكّداً أنّ " الخبر يراد فيه التشكيك بحق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير" ومؤكّداً أيضاً على تمسّك المنظمة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
هل من أوهام وتبعات خطيرة؟
يعتقد اللاجئ الفلسطيني المهجّر من مخيّم اليرموك " أبو أحمد زين" أنّ جواز السلطة الفلسطينية قد يوفّر له فرصة لإعادة التوطين في بلد ما عبر الأمم المتحدة، فيما إذا استطاع الخروج من سوريا، أو على الأقل ينقله إلى قاعدة انطلاق باتجاه دول اللجوء الأوروبيّة، وتركيا دائما هي تلك القاعدة.
ويقول زين لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ وثيقة السفر السوريّة قد أصبحت سجناً إضافيّاً يُضاف إلى السجن الذي يعيش فيه في سوريا، حيث أنّ البلد لم تعد صالحة للعيش من الناحية الاقتصاديّة والخدماتيّة، ولا أفق لمستقبل أفضل سوى المزيد من الانهيارات، بينما وثيقة السفر سقطت من اعتراف دول العالم كافة، ولم تعد تنفع للحصول على زيارة حتى إلى لبنان، وكانت تركيا قد أوقفت منح تأشيرة دخول لفلسطينيي سوريا منذ عام عام 2017، حسبما أشار.
لاجئون فلسطينيون في سوريا يبعيون بيوتهم من أجل السفر
ويتطلّب الخروج من سوريا، عبر جواز سفر السلطة الفلسطينية مبالغ طائلة، سواء تكاليف الفيزا أم تكاليف العيش، إلى جانب تكاليف الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا من خلال طرق التهريب، التي تتطلب الاف الدورالات، وهو ما يفجّر تساؤلات حول تبعات خطيرة قد يجنيها اللاجئين الفلسطينيين، في حال ما لجؤوا إلى بيع ممتلكاتهم للحصول على الأموال المطلوبة.
الناشط الفلسطيني عمّار قدسي، تحدّث لموقعنا عن خطورة ما يجري ترويجه عن أوهام السفر للحصول على اللجوء عبر جواز سفر السلطة الفلسطينية، ويعتبر أنّ هناك إيهاماً متعمّداً يجري ترويجه بأنّ حامل الجواز يمكن إعادة توطينه في كندا أو استراليا وغيرها من الدول، فضلاً عن توفير فرصة ضئيلة للخروج من سوريا، وبعد ذلك إلى أوروبا.
ولا يستبعد قدسي وجود مخطط ما في نشر هذه الأوهام، لدفع الناس لبيع ممتلكاتها بغية الحصول على أموال السفر، حيث أنّ ذلك هو الطريقة الوحيدة للحصول على المال لفلسطيني سوريا الذين يعيشون في فقر مدقع، وخصوصاً أبناء أبناء مخيّم اليرموك، ليُصار إلى الخلاص من عبء يحول دون تنفيذ المخطط التنظيمي المُحال إلى التريّث. ويترافق ذلك مع انتشار لمكاتب بيع العقارات في المخيّم،وحثّ الناس للإقبال عليها.
ويرى قدسي، أنّ نشر هذه الأوهام، يتساوق مع سعي واضح لدفع اللاجئين لبيع منازلهم في مخيّم اليرموك، وهذا الأمر يُتيح لسلطات النظام، الخلاص من ضغوط شعبية وسياسية وأخلاقيّة، على طريق إنهاء المخيّم اليرموك، وإعادة تفعيل المخطط التنظيمي، على حد قوله.
وأضاف، أنّ فتح باب الحصول على جواز السلطة أيضاً، له بُعد يتعلّق بتحصيل مبالغ ماليّة من اللاجئين، سيما أنّ من أحد شروط إصداره، هو تقديم وثيقة سفر سوريّة، ما يعني أنّه ينبغي على اللاجئ اصدار الوثيقة ودفع تكاليفها، ومن ثمّ إصدار جواز سفر السلطة ودفع تكاليفه.
تجدر الإشارة، إلى أنّ جواز سفر السلطة الفلسطينية كان يتطلّب الحصول عليه سابقاً من دمشق، عدّة موافقات أمنيّة من قبل أفرع المخابرات السوريّة، ورسم 70 دولار، وأن لا يقل عمر المتقدّم للحصول عليه عن 40 عاماً.