عُقد خلال الأيّام الماضية اجتماع وُصف بـ"الهام" ما بين المدير الجديد لعمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزّة توماس وايت، والمجلس المركزي لأولياء الأمور، حيث جرى خلال الاجتماع طرح جملة من الملفات التي لها علاقة بالسلك التعليمي في الوكالة، خاصّة في ظل التحديّات الكبيرة الموجودة في القطاع المُحاصَر بفعل العديد من العوامل.
هذا الاجتماع الذي يُعدّ الأوّل من نوعه من ناحية عدد الملفات المطروحة والقضايا التي تهم المعلّمين والطلاب اللاجئين، اكتسب أهميّته في ظل الحديث عن تغييرٍ في سياسة المدير الجديد لعمليات "أونروا" في غزّة توماس وايت والذي خلف سابقه ماتياس شمالي المتّهم بتعطيل العديد من الملفات بحجّة الأزمة المالية.
ولمعرفة تفاصيل ما جرى خلال الاجتماع وماهية الملفات التي طُرحت للنقاش والمشاورات، حاور بوابة اللاجئين الفلسطينيين رئيس المجلس المركزي الأعلى لأولياء الأمور في قطاع غزّة الدكتور زاهر البنا الذي اجتمع مع وايت برفقة أعضاء المجلس، والذي أكد بدوره أن العديد من الملفات "الهامّة" طُرحت للنقاش وبالتفصيل خلال الاجتماع الذي كان أبرز مخرجاته الاتفاق على التواصل الدائم مع مدير العمليات رأساً لمُتابعة كافة المشاكل التي تهم المعلمين والطلاب في مدارس "أونروا".
يقول د. البنا لموقعنا: "في البداية وضعنا مجموعة من المحدّدات لاستمرار التعاون كان أوّلها أنّنا شركاء في العملية التعليميّة وعلى تواصلٍ دائم مع إدارات التعليم من أجل مصلحة أبنائنا الطلاب ومهتمين بـ"أونروا" قويّة من أجل تلبية كافة احتياجات اللاجئين وخاصّة الطلاب، وشدّدنا على أهمية ترميم العلاقة وإعادة الثقة ما بين مجتمع اللاجئين وبين إدارة "أونروا" في أعقاب الشرخ الذي حصل بعد تصريحات المدير السابق شمالي بعد انتهاء العدوان، وهذا يتطلّب من المدير الجديد المزيد من الخطوات والإجراءات الحقيقيّة التي يلمسها جميع اللاجئين على أرض الواقع، كما أكَّدنا أنّ مجلس أولياء الأمور يمثّل المجتمع المدني دون أي مرجعية سياسيّة بالمطلق وهدفه مصلحة الطلاب فقط.
الاكتظاظ داخل الفصول
هذا هو الملف الأوّل الذي ناقشناه مع السيّد وايت، إذ أكَّدنا له أن هناك اكتظاظاً في الفصول داخل مدارس "أونروا" وهذا يتنافى مع توجهات الوكالة التي تعمل على جودة التعليم، وتدعو في ذات الوقت إلى إجراءات سلامة ووقاية عالية لحماية الطلاب من فيروس "كورونا"، لكنّ الاكتظاظ الموجود في المدارس يتنافى مع هذه التوجّهات، وطالبنا بتخفيف عدد الطلاب داخل الفصول والرجوع إلى المعدّل السابق لعدد الطلاب داخل الفصل الواحد وهو 39.2، بحسب البنا.
تثبيت الشواغر التعليميّة
ويُضيف البنا خلال حديثه: في مدارس "أونروا" لدينا الكثير من المعلّمين غير المثبّتين الذين يعملون على بند المياومة وهذا يدفعنا للقلق دائماً على مستقبل أطفالنا، إذ أنّ وكالة "أونروا" أصبحت بيئة طاردة للكفاءات والخبرات والخريجين المتميّزين وليست بيئة جاذبة كما عودتنا، بحيث كان الخريج المتميّز فور تخرّجه من الجامعة في السابق يتوجّه للعمل في الوكالة على الفور لارتفاع رواتبها وللأمان الوظيفي داخل أروقتها، ولكن الآن يتوجّه للعمل في مدارس الحكومة مع كامل التقدير لها براتبٍ قليل ولكن مستمر، أي على قاعدة (قليلٌ دائم خير من كثيرٍ متقطّع)، وهذا بكل صراحة سنجني ثماره في المستقبل على التحصيل العلمي لأبنائنا الطلاب لأنّ الخريج المتميّز بالتأكيد يكون أدائه أفضل من الخريج أو المعلّم الأقل تميّزاً وهذا ينعكس على عطاء المعلّم داخل الفصل، وسياسة العمل على بند المياومة وخاصّة للمعلّمين حيث تُضعف كادر التعليم.
توفير القرطاسيّة للطلاب
في هذا الجانب، يقول البنا: قدّمنا شكراً لمدير العمليات على توزيع القرطاسيّة للطلاب المحتاجين ومن أصحاب البيوت المتضرّرة، ولكن أكَّدنا في ذات الوقت أن كل قطاع غزّة متضرّر وليس فئة بعينها، لا سيما وأنّ ولي الأمر اليوم لا يملك "مصروف الجيب" لتوفيره لابنه الطالب في ظل الظروف القاهرة التي يعيشها سكّان القطاع، فبالتالي كيف سيستطيع الأب توفير الزي المدرسي والحقيبة والقرطاسيّة لابنه؟، لذلك أكَّدنا أنّ المطلوب من وكالة "أونروا" مساعدتنا في هذا الأمر كمؤسّسة دوليّة وظيفتها حماية وإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لأنّ الأهالي لا يستطيعون توفير أي شيء لأبنائهم سواء من ناحية الحقائب أو القرطاسيّة.
زيادة معدّلات العنف داخل المدارس
يضيف البنا: أبلغنا مدير العمليات أنّنا لاحظنا زيادة في معدّلات العنف داخل مدارس وكالة "أونروا" خاصّة بعد الانقطاع عن التعليم الوجاهي لمدّة عامٍ ونصف العام، ما ولّد لدى الطلبة حركات زائدة وعنف كبير وتنمّر على بعضهم البعض، بل سجلنا حوادث اعتداء طلبة على بعضهم البعض بالآلات الحادّة، ما يستدعي من وكالة "أونروا" توظيف عدد كبير من المرشدين النفسيين داخل المدارس من أجل تعديل السلوك لدى الطلبة ومتابعة كافة الحالات التي تُعاني من هذه السلوكيات، فمدير المدرسة اليوم لا يستطيع لوحده متابعة كل هذه الأمور، لذلك وجود المرشد النفسي يخفّف إلى حدٍ كبير من هذه السلوكيات الغريبة على مجتمع الطلبة اللاجئين الذين عودونا دائماً على التفوّق والإبداع وحصد أعلى المراتب.
برنامج البطالة
يقول البنا: عبَّرنا خلال الاجتماع عن شكرنا لإعادة فتح برنامج البطالة وتوظيف 104 معلّمين مُساندة وقرابة 300 مرشد في المدارس المختلفة، لكن شدّدنا على ضرورة إعادة العمل في برنامج الحراسات وبرنامج السكرتاريا في المدارس، نحن لا يوجد لدينا سكرتاريا، وقلنا طالما أنّ برنامج البطالة تم فتحه من جديد فمن الضروري أن يتم ملء هذه الشواغر في البرامج المختلفة لا سيما وأنّ لدينا آلاف الخريجين المتميّزين في قطاع غزة ومن كافة التخصّصات.
مشكلة طلبة منطقة جحر الديك
حول هذا الموضع يقول البنا: إنّ هناك مشكلة لدى الطلبة في منطقة جحر الديك جنوب شرق مدينة غزّة، إذ أنّ هناك عدد من الطلبة لا يتجاوز عددهم 20 طالباً يقطعون مسافات كبيرة جداً للوصول إلى مدارس الحكومة في ظل أن مدارس وكالة "أونروا" ترفض استيعابهم لديها لأنّهم من "المواطنين" وغير لاجئين، فأكَّدنا أنّ هناك روحاً للقانون، فلا يعقل أن تقوم الحكومة في غزّة ببناء مدرسة من أجل 20 طالباً فقط، وأيضاً نحن لا يعنينا إذا كان الطالب لاجئاً أو مواطناً هو في النهاية طالب فلسطيني ويجب استيعابه من أجل التعليم.
عدم المساس بالمنهاج التعليمي
يقول البنا: تم التشديد خلال الاجتماع على ضرورة عدم المساس ولو بكلمة واحدة في المنهاج الدراسي الفلسطيني، وأنّه على وكالة "أونروا" الالتزام بالمنهاج الدراسي للدولة المُضيفة كمنهاجٍ وطني فلسطيني بعيداً كل البعد عن أي تعديل أو تغيير أو إضافة أي شيء داخل هذا المنهج، لأنّ هذا المنهج وطني بامتياز ووضع بأيدٍ فلسطينيّة وكوادر من وزارة التربيّة والتعليم مؤتمنة ونثق بها ولا يجوز لوكالة "أونروا" التعديل أو الحذف من هذا المنهج بحجّة أنّه يحرّض على العنف أو يروّج للكراهية، هذا المنهج نعتز به ونرجو ألّا ندخل في متاهات نحن في غنى عنها، وكالة "أونروا" جاءت لخدمة اللاجئين وعليها الالتزام بسياسة الدولة المضيفة.
كما أكَّدنا لمدير العمليات أنّ مصطلح "الحيادية" هو مصطلح فضفاض للغاية، ولكن نحن من طرفنا نؤكّد أنّ الحيادية في القضايا الوطنيّة والدينيّة هي خيانة بكل بساطة ووضوح، ومن حق أي موظّف يعمل في "أونروا" وكجزءٍ من هذا الشعب أن يُعبّر عن رأيه بكل صراحة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يجوز قمع رأيه طالما أنّه غير مستقل وما زال يرزح تحت الاحتلال، لذلك على إدارة "أونروا" إعادة النظر في هذه المسألة والعدول عن قرار تحويل 25 موظّفاً يعملون في "أونروا" للتحقيق بسبب آراء شخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنّ هذا الأمر أصبح مقلقاً لكافة الموظفين.
التعليم الإلكتروني
البنا: أعدنا التذكير بما جرى خلال الاجتماع مع المفوّض العام حينما زار مُخيّم المغازي في زيارته الأخيرة، حيث جلسنا معه وشرحنا له الأزمة الكبيرة المتعلّقة بمسألة التعليم الإلكتروني في ظل حالة الفقر والعوز التي يعيشها طلبة القطاع، وطالبناه بأن تقوم وكالة "أونروا" بتوفير جهاز حاسوب إلكتروني "تابلت" مع شريحة انترنت مجانية لكل جهاز للطلبة اللاجئين حتى يتسنّى لهم التعلّم إلكترونياً، ووعد المفوّض أنّه سيطرح هذا الموضوع الهام خلال المؤتمر الدولي القادم للمانحين والمتعلّق بدعم وكالة "أونروا" لأنّ هذا المشروع يُكلّف قرابة 40 مليون دولار لـ290 ألف طالب في المدارس، لذلك أكَّدنا على ضرورة أن يضغط السيّد وايت من جهته من أجل إنجاح هذا المشروع.
رد مدير العمليات
وفي ختام حديثنا مع د.البنا، وصف الاجتماع بالإيجابي و"الدافئ"، لا سيما وأنّ مدير العمليات استمع بشكلٍ جيّد جداً لكل تفصيلة ذكرناها، وبعد عرض كل هذه الملفات الهامّة شرح وايت للحضور أنواع الموازنات الماليّة لوكالة "أونروا" وهي: الموازنة العامّة، وموازنة المشاريع، وموازنة الطوارئ، وموازنة العقود، وأكَّد أنّ كل موازنة قائمة بذاتها ومنفصلة عن الأخرى ولا يستطيع الأخذ من موازنة لصالح أخرى، وحين تتبرّع إحدى الدول فهي تتبرّع لموازنة بعينها وليس لكل الموازنات، لذلك لا يجوز التحويل من موازنة المشاريع على موازنة العقود على سبيل المثال. وفي معرض ردّه على ذلك، قال البنا: نحن نتفهّم هذه التفاصيل، ولكننا أخبرناه أنّ هذه مسؤوليته وعليه التوجّه للمانحين لجلب الأموال لتوفير الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
وبشأن العنف داخل المدارس، أكَّد وايت أنّه يشعر بهذه المشكلة في المدارس وسيعمل على حلها أو الحد منها خاصّة في ظل أزمة "كورونا" وانعكاساتها على الطلبة وأولياء الأمور، كما أشرك مدير العمليات وفد المجلس المركزي لأولياء الأمور في ترتيب أولويات كل القضايا التي طُرحت في الاجتماع في ظل أنّ الأموال لا تكفي حالياً لحل كل هذه الإشكاليات، ليرد البنا بالتأكيد على أنّ أولى الأوليات هي تثبيت المعلّمين المياومين، لأنّ تثبيت المعلّم يعطيه الأمان الوظيفي، وبالتالي ينعكس ذلك على أدائه وعطائه، وتبقى الأيّام المقبلة بمثابة اختبارٍ حقيقي لكل هذه البوادر الإيجابيّة ونأمل إصلاح وحل كل هذه الملفات لما فيه خدمة للطلبة اللاجئين، بحسب البنا.
وفي ختام الاجتماع، طلب البنا من وايت عقد اجتماعٍ دوري بمعدّل كل شهرين إلّا إذا كان هناك طارئ فيعقد الاجتماع بشكلٍ عاجل، وهذا ما وافق عليه وايت وأبدى استعداه على التواصل الآني وإبلاغه بأي أخطاء أو تجاوزات أو حتى "فساد" داخل أي مدرسة من مدارس "أونروا" للقضاء على أي مُخالفة.