عاهد أبو زريق، فلسطيني من غزّة حلم بحياةٍ كريمةٍ ليعيش هو وزوجته وبناته، فركب البحر متجهاً إلى أوروبا، إلّا أنّ الموت استقبله قبل الوصول لشواطئ القارة العجوز، ويعود إلى مسقط رأسه جسداً مسجّى في نعشٍ خشبي.
الشاب عاهد هو واحد من بين 8 ضحايا وصلت جثامينهم إلى القطاع المحاصر بعد فقدانهم إثر غرق مركب لطالبي اللجوء قبالة مدينة جرجيس التونسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لم يبق لذويه وعائلته منه سوى بضعة صور، ظلوا يقلبونها بحسرة وسط الدموع في مجلس عزائه بمنطقة رفح جنوبي القطاع المحاصر.
قرر الهجرة بسبب الظلم المعيشي
يقول محمد أبو زريق، شقيق الراحل عاهد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ ما جرى مع عاهد هو نتيجة الأوضاع الصعبة التي يمر بها القطاع، وأنا سألحق به إذا لم أجد فرصة عمل لنعيش بكرامة.
وتابع محمد: أخي عندما خرج من غزة، خرج بسبب الظلم وقلة العمل، حيث عمل فيها سائق أجرة، وكان يخرج من الساعة 5 فجراً وحتى الساعة 8 ليلاً من أجل 30 شيكلاً، هذه الـ 30 كان يغطي منها أعطال السيارة، ومن ثم باعها وعمل في مطعم، وأيضاً كان يخرج من الساعة 6 صباحاً وحتى الساعة 12 ليلاً ليكسب 40 شيكلاً، أليس هذا ظلم؟
وأشار إلى أنّ شقيقه كان يرفض فكرة السفر نهائياً، لكن مع الظلم وقلة العمل في غزة اتجه للهجرة، بعدما أوهمه المهرب أن العمل موفر ومضمون في الخارج، إلا أنّ المهرّب تعامل معه وكأنه حفنة من النقود فقط، ولم يره كإنسان.
وتابع الأخ المكلوم بالقول: "أنا أقول للمهرب خطية أولادنا يلي ماتوا في رقبتك.. راحوا أولادنا.. راحوا على أرجلهم.. يروحوا في أكفان ليش الظلم ليش؟ أنا هيني بفكر أطلع من غزة مش لاقي شغل، أنا بيتي بسيَّل عليّ في الشتا بروح على مؤسسة بروح هون وهون بيقلي ما الك أي اشي في غزة، ايش يعني؟ نموت يعني؟"
محمد أكد أنه سيلحق بشقيقه في رحلة مماثلة إذا لم يجد فرصة عمل، هو يتمنى أن يجد وظيفة بألف شيكل على الأقل تكفيه وتكفي أسرته، ولكن لا يوجد، ويتساءل: لماذا؟
غرر به المهربون وأهموه أنه ذاهب للعمل في مطعم بفرنسا
أمّا والدة ضحية غرق مركب المهاجرين عاهد أبو زريق، فقد قالت لموقعنا وهي تبكي نجلها بحرقة: إن المهربين اوهموه بأنه سيسافر إلى فرنسا حيث هناك مطعم سيعمل فيه، لكنهم "ضحكوا عليه"، ووقع عقداً معهم عند محامي هو و25 شاباً آخر من قطاع غزة، وأخبرهم المهرب أنهم سيسافرون بطريقة شريعة وخرجوا إلى مصر على هذا الأساس، ليتفاجؤوا بعدها بأنهم سيذهبون إلى ليبيا ومنها سينتقلون إلى أماكن عدة لأنهم سيسيرون في طريق هجرة غير شرعية، وبعد وصولهم إلى ليبيا صار المهرب ينقلهم من مكان إلى آخر فيها، ويبيتون في أحراش وأماكن مختلفة
تضيف الوالدة المكلومة: بأنها كانت تطلب منه العودة حين يتحدث معها عبر الهاتف ولكنه كان يرفض لأنه وقع على صكوك مالية للمهرب واستدان تكلفة طريقه إلى خارج قطاع غزة، (يما أروّح مديون، هاي 10 آلاف دولار كتبوها عليّ يما)
في أول محاولة للمهرب لإخراج عاهد ورفاقه من ليبيا عبر البحر في رحلة غير شرعية غرق بهم المركب، ولكنهم نجوا وخرجوا ليسجنوا في ليبيا 15 يوماً، بعدها طلب منه أهله الرجوع لمنه رفض مرة أخرى بسبب حجم الديون الكبيرة التي عليه ولأنه إن عاد فهو مضطر لأن يسدد للمهرب 10 آلاف دولار كان قد وقع على سندات بها قبل أن يخرج من القطاع.
تقول والدته: إن المهرب ظل ينقلهم من منطقة إلى أخرى حتى حان موعد سفر المركب التي غرقت، حينها اتصل عاهد بها وطلب منها أن يتحدث مع ابنته، وهو لديه ابنة عمرها سنتان وأخرى سنة واحدة، فأخبرته بأنها نائمة الآن فطلب منها أن ترسل له تسجيلاً صوتياً لها حين تستيقظ حيث كان مشتاقاً لابنتيه بشدة.
بعد 18 يوماً من غرق المركب تعرفوا على جثمان عاهد و7 من الفلسطينيين الضحايا
يقول عامر أبو زريق والد عاهد: "والله الليل ما بنامه، طول الليل وأنا أبكي من يوم الحادث، من 3 أكتوبر وابنا مفقود، وأجانا بعد 18 يوم جثة، وجدوه التونسيون جثة داخل البحر وعثروا على 3 جثث لفلسطينيين من عائلتي الشاعر وشعت جوازاتهم معهم، وبعد ذلك احنا فقدنا الأمل وقلنا أولادنا بيكونوا مستشهدين في البحر.. عملنا تحاليل الـ DNA في تونس عبر السفارة الفلسطينية في تونس".
وأكّد الوالد، أنّ هؤلاء الشباب يهاجرون من اليأس، لأنّ غزة لا يوجد فيها عمل، كله ضغط، ما يفتح مجالاً للمهربين كي يغرروا بالشباب "بيقولولهم تعالوا نشغلكم برة ونعمللكم كذا كذا واحد اثنين ثلاثة.. فبيهاجروا برا يجدون المهرب وقد وضع 15 شخصاً في الحسكة (القارب) لما يصلوا البحر بيلاقوا قدهم 10 مرات يعني القارب الذي يستوعب 15 شخصاً بيعقد فيه 35 أو 40 أو 50 شخصاً"
النظام السياسي الفلسطيني القائم مسؤول عن توفير فرص عمل للشباب
وتعقيباً على ذلك، حذّر صلاح عبد العاطي، رئيس الحملة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، من مخاطر استمرار ظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب، وحذر الشباب أنفسهم من مغبة الوهم بقدرتهم على الوصول إلى دول أوروبية أو دول أخرى عبر مراكب الموت التي باتت تحصد أعداد كبيرة من الضحايا، عدا عن الاعتقال وعدا عن تجارة الأعضاء وعدا عن الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل المهربين الذين لا يهمهم إلا جيوبهم.
وطالب عبد العاطي كافة القوى السياسية والنظام السياسي الفلسطيني بضرورة تعزيز مشاركة الشباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية كبوابة ومفتاح لحل مشكلات الشباب وضمان سياسات وطنية تحد من المشاكل التي بات يعاني منها قطاع الشباب وعلى رأسها الفقر والبطالة المتنامية في الأراضي الفلسطينية وبالذات في قطاع غزة.
كما دعا المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة حتى ينتعش الوضع الاقتصادي والإنساني في القطاع وحتى يتمكن هؤلاء الشباب من أن ينعموا بالحد الأدنى من العيش الكريم، مضيفاً: أنه إلى أن نصل إلى ذلك مطلوب سياسات سريعة وعاجلة تتابع قضايا المهاجرين الفلسطينيين في البلدان المختلفة وخاصة الموجودين في السجون في تركيا واليونان وبعض الدول الأخرى وأيضاً المفقودين حتى نطمئن قلوب عائلاتهم التي تحتاج إلى كل معلومة حول مصير أبنائها.