لا ينفصل حديث العودة إلى مخيم اليرموك عند حديث الموت الواقع على فلسطينيي سوريا، فكما للموت حرمته، وصمته، وطقوسه،  كذلك العودة للحياة في المخيم في ظل الدمار والهدم الرهيب إلى جوار فضاءات الذكريات هي من تحكم عودة الروح إلى مواطنها، في صيف العام2022، زرت مقبرة مخيم اليرموك في وداع صديقي الراحل الصحفي نبيل أيوب ( أبو رامي)، وبعد مراسم الدفن والعزاء، صعدنا سيارة الصديق المخرج والروائي وليد عبد الرحيم، وطلبت منه السير متمهلاً في شارع اليرموك إلى دوار البطيخة، لم أستطيع تمييز بقايا مشفى فلسطين، وكذلك التقاطع بين امتداد شارع الثلاثين نحو شارع فلسطين وسوق الخضار على مدخل شارع العروبة، لكن قرب حاجز في وسط شارع اليرموك شاهدت مشحماً لغسيل وغيار زيت للسيارات، وقرب شارع لوبية، وجدت بقالية لبيع الخضار والفاكهة والمواد الغذائية، وعند خروجنا من الحاجز الرئيسي في بداية شارع اليرموك، سألت صديقي: هل بدأت العودة إلى المخيم؟!

أجاب: بضع عائلات عادت؟!

وسألته من جديد، وأنت وعائلتك متى ستعود؟!!

 فقال: يا صديقي إلى أين سأعود، فقد تهدم بيتي وأصبح على الأرض، هناك في قدسيا الآن أرحم...

ودعت صديقي وليد، وكان السؤال مازال يشغلني، متى سنرى عودة جماعية، كما كان الخروج جماعياً وفاقعاً، فالأسئلة ما تزال تأخذ مسارها؟!

الوقائع تثبت أن قسمي الشرطة مازال يعملان، قسم شرطة اليرموك، وشرطة التضامن، وأيضاً بلدية اليرموك تعمل، وتغذية الكهرباء الرسمية تصل إلى بداية المخيم لتغذية أقسام الشرطة، ومستوصف أبو عماشة الذي يقدم خدماته لعساكر جيش التحرير الفلسطيني داخل المخيم، ومركز الهلال الأحمر السوري بعد مقر "فايز حلاوة" لجيش التحرير الفلسطيني يعمل، وإلى جانب هذه المؤسسات الرسمية هناك مقسم هاتف اليرموك الذي يلبي الخدمات الهاتفية في الجانب الأرضي الثابت, بينما خدمة الهواتف الجوالة شبه معدومة داخل مخيم اليرموك بالكامل لعدم وجود أبراج تغذية، والأبراج القريبة من المخيم في منطقة التضامن والميدان غير قادرة على إعطاء تغذية للعائدين، وإذا استطاع أحد من السكان التقاط التغطية داخل المخيم يكون من المحظوظين.

المحامي والناشط الفلسطيني نور الدين سليمان أكد أنه سيتم تزويد المخيم بخمسة محولات كهربائية جديدة ليتم توصيل الكهرباء للأهالي داخل المخيم، مشيراً إلى أن المحولات تم تسليمها للجهات المسؤولة لتبدأ بنقلها وتوصيلها, لكن ذلك لم يحصل حتى كتابة هذه الكلمات, إذ أنه لو تم ذلك بالسرعة الممكنة لكانت ساعدت على العودة بشكل أفضل وأسرع.

وصرح المحامي أن وزير الإدارة المحلية قد أعطى الموافقة على فتح الطريق العام وتأمين المواصلات التي تتضمن حافلات ركاب كبيرة وصغيرة من وإلى مخيم اليرموك انطلاقاً من مركز مدينة دمشق عند الفحامة، لكن على ما يبدو كل هذه الخدمات مؤجلة إلى حين؟!

وأمام هذا الواقع العنيد من زاوية الخدمات بدأ الأهالي بالعودة الفردية وعلى مسؤوليتهم الخاصة بدون انتظار الخدمات الرسمية حيث أصبح يعرف أن سكان شارع الجاعونة هم الأكثر حضوراً من بين العائدين رغم كل ما أصاب شارع الجاعونة وأهاليه من دمار خصيصاً في مرحلة ضرب القذائف، وعدد شهداء هذا الشارع.

ويؤكد المحامي سليمان أن عدد سكان مخيم اليرموك حالياً نحو( 18ألف نسمة, يشكل العائدون منهم حوالي من(800 إلى 1000) عائلة. وهذا الرقم ليس كبيراً، ولكنه مؤشر على الرغبة الحقيقية للعودة إلى المخيم لأسباب عديدة منها أن إيجارات البيوت في مدينة دمشق وريفها أصبحت غالية جداً في ظل التضخم الكبير الحاصل، وانخفاض قيمة الليرة السورية الشرائية، وعدم قدرة عدد من العوائل مجاراة ارتفاع أجور البيوت كما كانت في عام 2012.    

ويتوزع العائدون في عدد من الأماكن في المخيم، وبمنطقة شارع فلسطين، وبموازته في شارع صفد هناك عدد من العوائل، وما بعد مطعم شاورما الطربوش أمام قسم التضامن للشرطة هناك بعض العوائل، وما بين شارع حيفا وشارع لوبية عدد من العوائل، وحول جامع فلسطين وسط المخيم يوجد عدد من العوائل، وخلف جامع "حمزة بن العباس" هناك أكثر من مئة وستين عائلة، وكذلك الأمر في شارع حيفا بالذات هناك عدد من العوائل.

وإضافه إلى ذلك هناك موافقة على عودة (5000) عائلة ستكون خلال المرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن يترافق ذلك مع ورشة للصرف الصحي لتجديد البنية التحتية إلى جانب خطوط كابلات الكهرباء الأرضية بحيث تصل إلى حالتها في شارع مخيم فلسطين, وخطوط المياه أيضاً، وهناك مكبس ومعمل بلوك يسهم في ترميم البيوت التي تصنف إصابتها بأنها تحتاج إلى ترميم وليس إعادة بناء كاملة وافتتحت ورشة اليرموك لبيع كافة أدوات التمديدات الكهربائية والصحية والطاقة الشمسية والدهانات والخرداوات وتأمين كافة ورشات الترميم والتعمير عند موقف الملجأ, بدخلة أحذية الرابية، وتم تزفيت شارع اليرموك.

 أما على صعيد خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" هناك مركز صحي واحد يعمل يعمل بالقرب من جامع فلسطين الواقع على امتداد شارع صفد، وهو ما يعرف بـ (الإعاشة سابقا) حيث يعمل ثلاثة أيام بالأسبوع.

 ويضاف إلى ذلك أن الوكالة خصصت وسائل نقل للطلاب المقيمين في المخيم ومدارسهم خارج المخيم، حيث يتم نقلهم صباحاً, والعودة بهم عند انتهاء دوامهم في مدارسهم سواء كانت تابعة لوكالة غوث اللاجئين أو المدارس الحكومة.

وبدأت مدرسة" أسد بن الفرات" الحكومية في غرب اليرموك الدوام منذ بداية العام الدراسي الجاري, أما على صعيد أماكن توزيع الخبز فهناك معتمد في شارع العروبة، ومعتمد آخر في وسط شارع اليرموك، وبالإضافة إلى محل البقالية والخضراوات على شارع اليرموك (غذائيات الرحمن)، هناك محل آخر في شارع فلسطين فيه كل ما يحتاجه الإنسان من مواد( تنظيف, وغذائية, ودخان, نقاريش, وتعبئة الهواتف الجوالة...الخ), وخلال الأيام الماضية تم افتتاحية بقالية أخرى عند موقف أبو حسن في شارع فلسطين، ومحل خضار ضمن سوق مخيم اليرموك جانب بلدية اليرموك.

وعادت ظاهرة بائعي( الكاتو تازا) وعلى وجهه الكريمة ذات اللونين( الفوشيا, والأبيض), وبالإضافة إلى ذلك هناك أكثر من ثلاثة مكاتب عقارية متوزعة في المخيم, وحلاق رجالي يشذب ويقص الشعر, بقي أن نضيف قضية مهمة أن أغلب الفصائل الفلسطينية عادت إلى مخيم اليرموك وافتتحت مكاتبها لمتابعة قضاياها الحياتية الضرورية.

كاتو تازة.jpg

إن تجارب نهوض المخيمات الفلسطينية ليست جديدة في حياة أبناء المخيمات سواءً في سوريا أو في غيرها من بلدان الشتات الفلسطيني المحيط بفلسطين, فمن تجربة لبنان أيام الحرب اللبنانية بين القوى الوطنية اللبنانية وحليفها الفلسطيني المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، وقوى اليمن اللبناني وحصار وهدم مخيم تل الزعتر بمساعدة الجيش السوري المتدخل في لبنان آنذاك، إلى تجربة مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت على يد النازي الصهيوني "آرييل شارون".

وعودة روح مخيم اليرموك إلى الحياة تجربة جديدة في حياة فلسطيني الشتات في سوريا, وهو المخيم الذي يعد إحدى القواعد الرئيسية للمقاومة الفلسطينية والعمل الفدائي خارج فلسطين، لذلك نجد تسمية حارة الفدائية، الذي كان يتفاعل مع كل حدث فلسطيني, حيث التظاهرات العفوية والفصائلية المنظمة, وأحد أهم وأكثر مخيمات الشتات الفلسطيني كثافة سكانية.

 وكما تعود طائر الفينيق الفلسطيني أن ينهض من الرماد، ينهض فلسطيني مخيم اليرموك من الرماد والهدم والركام إلى الحياة في إعادة أعمار مخيمهم.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد