في موقف رسمي صادر عن مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في الضفة الغربية المحتلة، عملت الوكالة كما لو كانت إحدى دوائر الدعاية التابعة لجيش الاحتلال "الإسرائيلي"، وقدمت غطاء وتبريراً للمجزرة الصهيونية في نابلس أمس الأول، والتي راح ضحيتها 11 فلسطينياً استشهدوا في شوارع مدينتهم وبيوتهم، حينما اجتاح جيش الاحتلال قلب المدينة مطلقاً النار على الفلسطينيين في ذروة ساعات اكتظاظ المدينة وسوقها الذي كان مركزاً للاقتحام.
ساوت "أونروا" بين الضحية والجلاد في وصفها للحدث، ممعنةً في انحيازها لممارسات الاحتلال وتغطيتها لجريمة حرب حسب أي توصيف قانوني يمكن اللجوء إليه.
على لسان "آدم بلوكوس" مدير عمليات وكالة "أونروا" في الضفة المحتلة، وفي تصريح رسمي نشرته صفحة الوكالة المفوضة أممياً برعاية اللاجئين الفلسطينيين، تم تبرير قتل قوات الاحتلال للمواطن الفلسطيني عبد العزيز الأشقر(64 عاماً) وهو موظف متقاعد في الوكالة، خلال اقتحامها مدينة نابلس وارتكابها مجزرة راح ضحيتها 11 فلسطينياً شهداء، ومصابين تجاوز عددهم المائة.
ادعت الوكالة على لسان مديرها "بلوكوس" أن الأشقر كان في المكان الخطأ في الوقت الخطأ وقد وقع "وسط تبادل لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وسكان مسلحين في مدينة نابلس" دون الإشارة لاقتحام قوات الاحتلال المناطق السكنية وإطلاق النار العشوائي على المدنيين وارتكابها مجازر بحق المدنيين، أو لتكرار هذه المجازر وتصعيدها، وآخرها مجزرة ارتكبها الاحتلال في مخيم جنين منذ أسابيع راح ضحيتها 9 فلسطينيين شهداء، حين اقتحمت قوات الاحتلال المخيم مطلقة النار على البيوت والمارة، وأصابت عشرات الفلسطينيين ومنعت طواقم الإسعاف من الوصول للمصابين، وهاجمت إحدى المستشفيات وأطلقت قنابل الغاز على قسم الأطفال فيه.
ولم تكتف "أونروا" بالمساواة بين جرائم المحتل ضد الفلسطينيين وبين مقاومة بعض من الاهالي لهذه الجرائم، بل إن روايتها عملت على تعميم المسؤولية بشأن مقتل الشهيد الأشقر، في واقعة واضح فيها من هو القاتل، وهو ما ينطبق على بقية الشهداء الذين ارتقوا بسبب العدوان "الإسرائيلي".
تجاهلت الوكالة المفوضة بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين قيام جنود الاحتلال بعمليات إعدام ميداني للفلسطينيين في مجزرة الأمس، ناهيك عن تجاهل روايتها لعدم شرعية هذا الاحتلال ووجود قواته في الضفة المحتلة حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المفترض أنها تشكل إطاراً مرجعياً لها، فضلاً عن تبنيها لروايات الاحتلال وذرائعه بشأن وجود مسلحين فلسطينيين في منزل في قلب مدينة فلسطينية اختار الاحتلال أن يأتي لقتلهم وإعدامهم ميدانياً، في ذروة ساعات النهار في المدينة مطلقاً النار على العشرات من الفلسطينيين، مضيفاً جريمة جديدة لسلسة جرائمه المرتكبة بحق الفلسطينيين، وخصوصاً جرائم الإعدام الميداني التي يواصل الاحتلال تنفيذها يومياً، موقعاً أكثر من 60 شهيداً منذ بداية هذا العام، وأكثر من 300 شهيد منذ بداية العام الماضي.
لقد اختارت حكومة الكيان الصهيوني الجديدة تصعيد ارتكاب المجازر والإعدامات الميدانية، وتصعيد الاجتياحات والاقتحامات والاعتقالات ضد الفلسطينيين في الضفة المحتلة وعموم فلسطين، واقتحمت بشكل يومي مخيمات اللاجئين الموجودة في عهدة وكالة "أونروا" في الضفة الغربية المحتلة، وقتلت وأصابت داخلها عشرات الفلسطينيين واعتقلت أعداداً أكبر، وذلك في ظل سياسة معلنة من قبل حكومة الاحتلال تهدف لضم معظم أجزاء الضفة المحتلة، وتوسيع الاستيطان فيها.
وبنفس القدر تمثل هذه المواقف والتصريحات المتكررة من قبل وكالة "أونروا" قراراً بدعم وتغطية جرائم الحرب المتركبة من قبل قوات الاحتلال، وتحميل الفلسطينيين عموماً واللاجئين الموجودين في عهدتها داخل مخيمات اللاجئين مسؤوليةً ضمن هذه الجرائم، بل وتبرير قتل قوات الاحتلال لأحد موظفيها المسنين خلال وجوده في أحد أسواق مدينته، وكأن المطلوب من الفلسطينيين أن يختفوا من العالم متى ما أرادت قوات الاحتلال الدخول لشوارعهم وإطلاق النار عليهم.
إن المكان الطبيعي للنظر في هذه الجريمة وتفاصيلها هو محاكم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما لم تحاول وكالة "أونروا" حتى الإشارة له أو فتح الباب أمامه أو حتى إعلان عجزها عن حماية اللاجئين وتوفير الدعم لهم أو حماية موظفيها الفلسطينيين خلال تحركهم في مدنهم في ظل عدوان يومي من قبل جيش الاحتلال المدجج بأحدث أنواع الأسلحة وأكثرها تطوراً وفتكاً.
واذا كان موقف "أونروا" مثاراً للاستفزاز، فإنه أكثر من ذلك إشارة جديدة حول طبيعة الانحياز المتزايد من قبل المنظمة الدولية وموظفيها نحو دعم الاحتلال وتقويض حقوق الفلسطينيين، وهذا لا يتوقف على موقفها الحالي بل يشمل أيضاً اتفاقها مع الإدارة الأمريكية على إدانة ممارسة الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة في الدفاع عن أنفسهم والتعبير عن حقوقهم، وملاحقتها المستمرة ضد موظفيها الفلسطينيين على خلفية مواقفهم المؤيدة لحقوق شعبهم وحقوقهم الإنسانية.
إن السؤال اليوم ليس لوكالة "أونروا" فقط، ولكن لكل تلك المؤسسات الدولية المشتغلة بحقوق الإنسان، والهيئات الدولية المفوضة بهذا الشأن وللجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكثر من ذلك للهيئات والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي لم تصدر بياناً أو تنهض بإدانة تحرك حقوقي منذ لحظة ارتكاب الجريمة الصهيونية، ولم تذهب نحو إجراء واحد يجابه هذا الانحياز المتزايد من قبل "أونروا"، وهو أيضاً سؤال للبنى السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية التي تتغافل عن واجباتها ودورها في التصدي لهذا الانحياز وفضحه.