يشهد لبنان، انهياراً مدوياً لقيمة عملته الوطنية، مع توجه يتسرب إلى كافة القطاعات الاقتصادية، لاعتماد مبدأ "الدولرة" في الأسعار، ويقوم على تحديد أسعار السلع، بناء على سعر الصرف الآني للدولار في سوق التداول الحرّ، فيما باتت بعض القطاعات الحيوية تطلب قيمة خدماتها بالدولار الأمريكي حصراً كالعديد من محطات الوقود نظراً لفقدان الثقة بالعملة الوطنية التي تتعرض لقفزات انهيار غير منضبطة، تخلف تقلباً يومياً للأسعار باتجاه الارتفاع.
والحال هذه، صار الأمن الغذائي لشريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على المحك، فهي لا تتلقى دخلاً سوى بالليرة اللبنانية، بعد ان استثنتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من المعونات الإغاثية الدورية التي تقصرها الوكالة على فئات بعينها.
لا أرقام تصدرها الوكالة الأممية لرصد حجم الشرائح التي تتلقى الدعم من سواها
والشريحة التي حددتها وكالة "أونروا" لتتقلى معونات إغاثية هي "العائلات التي لديها أطفال من عمر 0 إلى 18 عاماً، مرضى السرطان، غسيل الكلى، التلاسيميا الكبرى والتصلب اللويحي المعروفين لديها، وكبار السن فوق سن 60 المعروفين لدى الوكالة، إضافة إلى الأشخاص المعوقين" وتقدم لهم دعماً ماليا بقيمة 50 دولار شهرياً للفرد الواحد."
ولا أرقام تصدرها الوكالة الأممية، لحجم الشرائح التي تتلقى الدعم من سواها، ومدى احتياجات الفئات المحرومة من الدعم، ما يعيق تحديد عمق تأثير الأزمة الاقتصادية اللبنانية على الفئات الاجتماعية الفلسطينية في المخيمات بشكل دقيق، إلا أنّ لاجئين وناشطين يركدون بأنها الشريحة الأكبر، ويصفونها بـ " اليتيمة" وأن تحركاتها الاحتجاجية التي لا تتوقف تشير إلى أنها غالبية مجردة من كافة ممكنات الأمان الاجتماعي.
في البقاع اللبناني، حيث يعيش أكثر من 25 ألف لاجئ فلسطيني موزعين على بلدات "بر الياس، تعنايل، تعلبايا" وجه "الحراك الفلسطيني السلمي" هناك تحذيراً لوكالة "أونروا" حتّى الأسبوع الأخير من آذار/ مارس الجاري، لتقديم معونات لهم بالدولار الأمريكي أسوةً بالفئات المشمولة بالمعونات الاجتماعية.
نحن لا نطلب سوى ما يسد رمقنا.. لا ننشد الرفاه
وفي اعتصام وصف بـ "العفوي" الثلاثاء 21 آذار/ مارس الجاري، وجه ناشطو الحراك تحذيرهم للوكالة، مدفوعين ببلوغ سعر الدولار الأمريكي عتبة 135 ألف ليرة لبنانية، قبل هبوطه الى 105 آلاف، فيما ترتفع الأسعار لدى التجار بشكل متواصل، بحسب اللاجئ الفلسطيني في منطقة البقاع "حسين قاسم".
يقول قاسم لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ الأسر الفلسطينية في منطقة البقاع، هي الأكثر حرماناً، نظراً لمتطلباتها المعيشية الأعلى مقارنة ببقية المناطق، بفعل تكاليف التدفئة في الشتاء "والتي لا يأخذها أحد ولا الوكالة بعين الاعتبار" وفق تعبيره، ويرى أنّ الفلسطينيين في البقاع اللبناني يجب اعتبارهم جميعاً من ضمن الفئات الأكثر حاجة.
وأشار قاسم، إلى "انخفاض الطموحات المعيشية" للاجئين الفلسطينيين في لبنان وفي البقاع خصوصاً، "نحن لا نطلب سوى ما يسد رمقنا، ويمكننا من الاستمرار في شراء الخبز والمواد الغذائية الأساسية، ولا نطلب الرفاه وأكل اللحوم والدجاج والأسماك."
ولوّح الحراك في منطقة البقاع، بإغلاق المدارس وعيادات وكالة "أونروا" وكافة مراكزها في بلدة تعلبايا، كآخر خطوة تصعيدية بحسب اللاجئ قاسم، الذي أكد أنّ اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة، لم يعد لديهم أي خيار آخر تجاه الوكالة، متسائلاً عن "أموال المانحين التي تأتي للوكالة من دول متعددة".
وتؤكد وكالة "أونروا" أنّ نسبة الفقر المطلق في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تخطت 93 %، وسط سياسات إغاثية، يؤكد الناشطون على عدم جدواها في تبديد تبعات الفقر المطلق عن حياة الأسر الفلسطينية.
تأمين الوجبات الرمضانية صار صعب المنال، ووجبتان في اليوم فوق قدرة 40 % من العائلات الفلسطينية
الناشط "محمود عيسى" من مخيم برج البراجنة يؤكد ارتفاع الحاجة إلى الإغاثة، وخصوصاً في الطعام والشراب، بعد أن خرجت العديد من المواد الغذائية عن القدرة الشرائية للكثير من اللاجئين، "وصارت حتى الوجبات الرمضانية صعبة المنال" حسبما قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
فسعر ربطة الخبز العادي بلغ 50 ألف ليرة، وهي أرخص سلعة غذائية موجودة في الأسواق، لّا أنها باهظة الثمن لمن لا يتجاوز دخله اليومي 150 أو 200 ألف ليرة لبنانية.
الناشط عيسى، قدّر أنّ 40% من الأسر، صارت غير قادرة على اعتماد وجبتين رئيسيتين في اليوم، في وقت صارت وجبة الغداء تكلّف أكثر من 500 ألف إذا كانت من ابسط الوجبات وأقلها قيمة غذائية، كأي وجبة تحتوي على أرز وخضار " فسعر كيلو البصل الواحد صار 180 ألف ليرة، وكيلو البندورة يتجاوز 60 ألفاً".
في ظل هذه الأوضاع، يحثّ عيسى المبادرين إلى إيصال معونات المبادرات الاجتماعية إلى كل منزل محتاج في المخيم، وتوسع الأمر ليشمل العائلات الفلسطينية القاطنة خارج المخيم، والتركيز على اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يتلقون معونات، لكونهم الشريحة الأكثر تهميشاً.
الفتوش .. طبق رمضاني يغيب عن موائد اللاجئين الفلسطينيين هذا العام
وفي مخيم مار الياس ببيروت، تؤكد الناشطة الاجتماعية غادة ضاهر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، غياب العديد من الأطباق عن موائد اللاجئين، ومنها طبق "الفتوش" على سبيل المثال ويعتبر عادةً من أبسط مفردات السفرة الرمضانية، بعد بلوغ سعر باقة الخسّ 50 ألف ليرة، ومرشح للزيادة في غضون ساعات نظراً لعدم استقرار سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية.
هذا الوضع، دفع النشاط الاجتماعي ليتركز باتجاه تأمين الوجبات الغذائية، عبر رصد ما تحتاجه الأسر المجردة من الدعم الغاثي والمالي لوكالة "أونروا"، من مواد غذائية أساسية فقدت القدرة على شرائها.
وأشارت الناشطة ضاهر إلى أنّ تأمين كمية من البطاطا أو مكونات الشوربة من حبوب وخضراوات وسواها، أو جالون زيت، أو بعض المواد الأكثر فقداناً من منازل اللاجئين لغلاء أسعارها كاللحوم والدجاج، هو أقصى ما يمكن فعله، وتوفيره للأسرة لتدعم يومياتها الغذائية خلال رمضان.
الأزمة حولت ميسورين إلى فقراء ما يعني انخفاضاً في عدد المتبرعين وكمية تبرعاتهم
وأضافت، أنّ الجهود الإغاثية عبر توفير مكونات الطبخ للأسر الفقيرة، متواصل منذ 4 سنوات في مخيم مار الياس من خلال مبادرتها، إلّا أنّ الواقع الجديد صار يتطلب فرز العائلات، وتوجيه المبادرة باتجاه العائلات التي لا تحصل على كرتونة غاثية من جهة ما، أو معونة مالية من الوكالة وسواها.
وتحدثت الناشطة الاجتماعية، عن المبادرات المجتمعية التي يطلقها المجتمع المحلي بهذا الصدد، وكيف صارت تتأثر بالأزمة الاقتصادية، من ناحية تأثيرها على المتبرعين أنفسهم، بعد أن احالت الأزمة الكثير من الميسورين إلى فقراء، وقلّت القدرة على التعاضد الاجتماعي.
يأتي ذلك، في وقت ينتظر اللاجئون تنفيذ ما وعدت به المديرة الجديدة لوكالة "أونروا" في لبنان "دوروثي كلاوس" بأنّ الوكالة تسعى لتقديم معونات مالية وإغاثية لأكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، قبل موعد حلول شهر رمضان والذي كان يجب أن يقدم الخميس 23 آذار/ مارس الجاري.