لا يمكن النظر لهوية الوجود الفلسطيني في أوروبا باعتبارها هوية أقلية فحسب، فرغم كونها تخضع لعوامل وظروف تشكيل هوية الأقلية في كثير من جوانبها، إلا أنها تتمايز أيضاً بتأثير العامل المركزي أي أنها جزء من شتات وتشظي لشعب بأكمله بفعل عدوان وغزو مستمر.
ومع توسع حجم عدد الفلسطينيين في بلدان القارة الأوروبية نتيجة موجة اللجوء الحديثة من قبل فلسطينيي سوريا ولبنان خلال العقد الأخير، وبروز دور سياسي لهؤلاء المهاجرين في بلدان القارة الأوربية، تستعرض ورقة عمل تحمل عنوان (العمل الفلسطيني في أوروبا-جنة الأوهام السياسية وصحراء الواقع) أبرز الإشكاليات والتحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في أوروبا، والمعضلات الخاصة بوجه الفلسطيني تحديداً، والأدوار التي يقوم بها فلسطينيو أوروبا تعبيراً عن هويتهم وارتباطاً بقضيتهم الأساسية، وبواقع أن أغلبيتهم مهجرون من بلادهم ومخيماتهم بفعل احتلال مدعوم من معظم الحكومات الأوروبية.
وتناقش الورقة الأزمة التي يعيشها الوجود الفلسطيني في أوروباعلى مستوى تعبيراته عن الهوية الفلسطينية، والدور، والقدرة على التنظيم، نتيجة للتأثير الكبير للحالة المركزية في الوطن المحتل، وأيضاً الظروف الموضوعية في أوروبا، وهو ما يترك آثاراً عميقة على قدرة فلسطينيي أوروبا على الدفاع عن حقوقهم، أو لعب دورهم السياسي لمصلحة قضيتهم وشعبهم، أو انتزاع تمثيلهم الوطني ضمن معادلة فلسطينية مختلة يحكمها التفرد من جانب والهيمنة الخارجية من جانب آخر وتنال منها عوامل التعطيل والتفكيك والانقسام.
وتشير الورقة إلى غياب مركز فلسطيني مهيمن بشكل تام على صناعة السياسات الفلسطينية وإيجاد مساحات فعل مصدره الفلسطيني الأوروبي، وترى أن كل ما يوجد هو مبادرات سياسية لإحياء أو توحيد بعض المؤسسات الفلسطينية المركزية أو استحداث بديلة عنها أو المطالبة بالتمثيل الوطني، أو الانحياز لوجهة محددة تتعلق بالصراع مع المحتل ومواقف الأطراف الفلسطينية منه، وهذا أنتج انحيازاً لأحد الأطراف الفلسطينية من قبل تشكيلات فلسطينية أوروبية جديدة لم تنتم تاريخياً لأي من طرفي الانقسام ولم تعمل سابقاً في تلك المساحات التي لا تتعلق بالاستقطاب الفلسطيني.
إلا أنها تورد في السياق أمثلة عن حالة وحدوية فلسطينية شهدتها الساحة الأوروبية في ظل عجز منظمة التحرير عن أداء دور الممثل الجامع للفلسطينيين هناك، وعدم قدرة أي من التشكيلات الفلسطينية التي تتوالد في أوروبا عن لعب دور المنظمة في تمثيل الفلسطينيين.
وتخلص الورقة إلى أن إهمال المركز الفلسطيني على اختلاف أطرافه لدور الفلسطيني الأوروبي، كفاعل وطني سياسي، وأيضاً كضحية لسياسات المنظومة الصهيونية، ودعم الحكومات الأوروبية الأعمى للكيان الصهيوني وانحيازه ضد كل ما هو فلسطيني بما في ذلك الفلسطيني على الأرض الأوروبية، يٌفقد الشعب الفلسطيني مخزوناً هائلاً وقدرة هامة على الفعل السياسي، قد يحمل قدرة على تغيير المعادلة، وبشكل أو بآخر.
وتقدم مجموعة من التوصيات، لعل أبرزها: ضرورة تخلص المؤسسات والتجمعات الفلسطينية الرئيسية في أوروبا من انفصالها عن واقع حياة الفلسطينيين في أوروبا، من خلال توسيع قواعد اتصالها مع أوسع شريحة ممكنة منهم وتوفير قواعد داعمة وجاذبة لهم، وضرورة لعب القوى المجتمعية والسياسية دوراً في محاسبة أذرعها النشطة في الساحة الأوروبية وتدقيق عملها، وكذلك مراجعة تقصير جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني فيما يتعلق بإحصاء الفلسطينيين في أوروبا وكافة الهيئات المختصة في هذا الجانب.
لقراءة وتحميل الورقة اضغط هنا