أحيا أهالي مخيم برج الشمالي أمس الأربعاء 7 حزيران/ يونيو، ذكرى مجزرة نادي الحولة، التي ارتكبها جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إبان اجتياحه للبنان عام 1982، حيث قام جيش الاحتلال بقصف الملاجئ التي تحصّن فيها المدنيين، وحوّلها إلى مقابر جماعيّة، وارتقى فيها أكثر من 125 شهيداً غالبتهم من النساء والأطفال.

وتوجه حشد من أهالي المخيم، يتقدمهم أهالي الشهداء، بحضور عدد من الفاعليات الأهلية والفصائلية واللجان الشعبية، ووضعوا أكاليل من الزهور عند النصب التذكاري ولوحة الشرف التي تضم أسماء الشهداء، في مقر النادي وسط المخيم.

وتحدث "أبو وسيم" أحد أهالي الشهداء ومنظمي الفاعلية قائلاً: إنّ مجازر العدو وإرهابه، تهدف إلى إلغاء حق العودة للشعب الفلسطيني، مؤكداً أنّ الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه.

واستذكر أبو وسيم، بعض الشهداء المفقودين في مجزرة الحولة من أبناء مخيم برج الشمالي، كالشهيد أحمد رحيّم، والشهيد داني الحاج، وأبو علي تلّة وغيرهم من الشهداء المفقودين. وأكّد على ضرورة وواجب إحياء الذكرى من جيل إلى جيل.

رواية مجزرة نادي الحولة بلسان من عايشوها:

عند اجتياح لبنان عام 1982، اعتمد الاحتلال أسلوبه المعتاد، باستعمال المجازر كوسيلة لتحقيق أهدافه العسكريّة ضد الفلسطينيين، ولا سيما في مخيّم برج الشمالي، الذي واجه القوّات الغازية بمقاومة عنيفة، أعجزته عن اقتحام المخيّم على مدى يومي الخامس والسادس من حزيران، وذلك لدفع المقاتلين إلى الانسحاب، بعد أن أبدوا مقاومة باسلة، وذلك حفاظاً على أرواح من بقي من مدنيين داخل المخيّم.

حاصر جيش الاحتلال المخيّم يوم الخامس من حزيران/ يونيو، بقوّة كبيرة من الدبابات والمدرعات، مسنودة بالطيران والمدفعيّة، وحاول اقتحام المخيّم من جميع الجهات، وسط مقاومة باسلة، أبداها أبناء المخيّم، ولا سيما من عُرفوا بـ " أشبال الآر بي جي" وسجّل تدمير أكثر من 8 دبابات على أبواب المخيّم في اليوم الأوّل، وقتل العديد من الجنود، فيما سجّل في يوم السادس من حزيران، أسر عدد من جنود الاحتلال وتدمير نحو 16 دبابة، الأمر الذي دفع العدو إلى قصف ملاجئ المدنيين، واستخدام أسلحة الغرض منها القتل المباشر، كالأسلحة الفوسفورية الحارقة.

وروى اللاجئ كمال مشيرفة ( أبو العز ) الذي فقد جميع أطفاله وعددهم 5، أنّ جيش الاحتلال بدأت تظهر عليه علامات الغضب، بعد عجزه عن اقتحام المخيّم على مدى يومين، تكبد فيها خسائر بالغة، ليبدأ بقصف الملاجئ والأبنية التي احتمى فيها المدنيون، ومنها "نادي الحولة" وسط المخيّم، الذي لجأ إليه العديد من الأطفال والنساء، إلا أنّ الاحتلال تعمّد قصفه بالصواريخ والقذائف الفسفوريّة.

وأضاف مشيرفة في شهادة دونتها "مجلة الدراسات الفلسطينية" عام 2012، أنّ الملجأ كان يأوي ما يقارب 96 شخصاً ما بين نساء وأطفال وشيوخ ومدنيين عزل، وأدى انفجار الصواريخ إلى إحراق كل من كان في الملجأ وصهر أجسادهم التي امتزجت ببعضها بلا تفرقة.

وقال في شهادته: "أخبرني شخص، وعلى نحو فجائي بأن زوجتي وأطفالي الخمسة قد استشهدوا داخل الملجأ الذي كان يحميهم، فذهبت باتجاه الملجأ، ودخلت من الطاقة الصغيرة التي أحدثها الصاروخ، كان الظلام دامساً في الداخل هناك صوت أنين بعض الجرحى لم أشم سوى رائحة الكبريت حيث كانت قوية جداً وأجساد الناس كانت ملتصقة ببعضها البعض، سمعت أنيناً لصوت امرأة تطلب المساعدة حاولت المسك بيدها فسلخت من جسدها لشدة الحرق لم أتمكن من مساعدتها، أما الأطفال الذين خرجوا من الملجأ كان يمشون على أقدامهم، ولكن لمسافة قصيرة جداً وبعدها يموتون، وخصوصاً عندما يتنشقون الهواء أو يشربون الماء. "

ملجأ النجدة الذي استشهد فيه 13 شخصاً، وملجأ مؤسسة جبل عامل، حيث استشهدت عائلات بأكملها، ليلة السابع من حزيران، جلّهم من المدنيين، جراء استهدافها المباشر والمتعمد.

الحاج نعمة مصطفى عبد الله يروي في شهادته: " ليلة السابع من حزيران عام 1982 نقلت زوجتي وأولادي إلى ملجأ مؤسسة جبل عامل الواقعة في محاذاة المخيم، وعندما بدأ القصف التدميري للمخيم بعد ظهر اليوم نفسه أدركت بإحساسي أن أولادي قتلوا، وكنت قد غادرت ملجأ روضة النجدة الاجتماعية قبل خمس دقائق من قصفه حيث استشهد فيه 13 شخصاً."

ويتابع في نقل التفاصيل المروّعة:" أسرعت إلى ملجأ مؤسسة جبل عامل بحثاً عن أسرتي فقيل لي أنها انتقلت إلى ملجأ نادي الحولة، عندها صدق حدسي، ولا أدري كيف وصلت إلى الملجأ، وكانت الطريق إليه مغطاة بركام الأنقاض، وحين نزلت إليه كانت الجثث محترقة والضحايا عراة بعد أن احترقت ملابسهم. قالوا لي نقلنا أختك إلى مستوصف من أجل إسعافها لأنها محروقة وعيناها لا ترى بهما وأختي الثانية زينب قد استشهدت في الملجأ، فقدت صوابي، ودخلت في نوبة طويلة من البكاء، وكان في الملجأ أولادي وأولاد أختي. "

وأضاف:" انتشلنا الأولاد من الملجأ، وكان بينهم ابنتي رانيا التي كانت تتعلم وقتها في روضة النادي أخذتها إلى أقرب مستوصف فقال لي الدكتور محمود عطايا ما في أمل في شفائها، عدت إلى الملجأ للمساعدة في عملية الإنقاذ رفعت طفلة عمرها ما يقارب الأربعة أشهر عن صدر أمها التي فارقت الحياة لم يتعرف أحد على هذه الطفلة فقلت " خلص البنت إلى بربيها والله يعوضني فيها" لكن الطفلة ماتت بمجرد أن لامس الهواء جسدها."
كما دمّر الاحتلال، ملاجئ أُخرى كمغارة علي الرميض "أبو خنجر" التي استشهد فيها 21 شخصاً، وملجـأ روضـة النجـدة الاجتماعيـة، الذي وجد فيه 7 شهداء، ومغـارة حي المغاربة التي استشهد بداخلها 3 أشخاص.

وجاءت عمليات قصف الملاجئ، مترافقة مع نداءات أطلقها جيش الاحتلال للمقاتلين بأن يستسلموا، بعد ما أبدوه من مقاومة، أعجزت الدبابات الغازيّة عن دخول المخيّم. لتدفع المجازر الوحشية بحق المدنيين القيادات الميدانية، لأخذ قرار الانسحاب وإيقاف القتال، حفاظاُ على أرواح من بقي من مدنيين محتمين داخل الأبنية والملاجئ، بعد أن اتخذ الاحتلال قراراً بالإبادة الجماعيّة بحق المدنيين كوسيلة لإسقاط المخيّم.

ولعلّ ما كشفته مؤخراً صحيفة " هآرتس" العبريّة، عن مخطط كان من ضمن أهداف الغزو عام 1982، وهو تهجير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يؤكد تعمّد الكيان الإسرائيلي باتباع أسلوب المجزرة المتعمّدة، للخلاص من الكتلة الأكبر من اللاجئين، ودفع النجاة للقبول بأي حلّ تهجيري، وهو ما أظهرته الوقائع التي حلّت بالمخيّمات خلال الغزو، من مجازر وتدمير ومحاولات إنهاء.

أسماء شهداء مجزرة نادي الحولة: