"هناك نحو ألف عائلة لم تعد إلى منازلها بعد، أي ما يعادل 20% من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد، ولكن عندما نقول بأن ٨٠٪ عادوا إلى منازلهم يقول المجتمع الدولي بأنها نسبة كبيرة، ولكن هؤلاء الـ 20 % يعانون بشكل كبير جراء عدم إعمار منازلهم، وهذا يؤثر على حياتهم إلى حد واسع، وأنا واحد من تلك العائلات، فما أصعب من أن تجد نفسك فجأة مرميّاً في العراء"
يصف هذه الحال إبراهيم عثمان وهو مسؤول لجنة الأهالي التي لم يتم إعادة إعمار منازلها بعد في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين بطرابلس شمالي لبنان، رغم مرور 16 عاماً على تدميرها بفعل الحرب على المخيم عام 2007.
يطالب عثمان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بإنهاء مأساة هذه العائلات، ويقول: "السكن معناه الهدوء والاستقرار، أما بالنسبة لهذه العائلات أصبح تأمين السكن مبعث قلق، وهي لا تعلم متى ينتهي الإعمار ومتى تعود إلى منازلها؟"
يضيف عثمان: أن هذه العائلات تعيش أيضاً قلق التنقل من منزل الى آخر، ففي بعض الأحيان تضطر بأن تترك المنزل إما لزيادة سعر الإيجار، أو لأن صاحب المنزل يريد منزله أو لأسباب أخرى، مشيراً إلى أن وكالة "أونروا" أوقفت خطة الطوارئ لمدة ثماني سنوات من 2014 بالنسبة إلى العائلات التي لم يتم إعادة إعمار منازلها بعد، ولكن منذ ما يقارب السنة ونصف السنة أعادت دفع بدل الإيجار لهذه العائلات ولكن ليس بالشكل الكافي، لذا فإن المطلوب تحديد جدول زمني لإعادة إعمار منازلها المهدمة وإعادتها إليها.
وكانت منازل هذه العائلات فيما يسمى المخيم القديم بشكل كامل على يد الجيش اللبناني في أيار/ مايو 2007 خلال حربه على عناصر ما يسمى تنظيم "فتح الإسلام"، وقد تكفلت وكالة "أونروا" بإعادة إعمار المخيم وكان من المفترض أن ينتهي الإعمار عام 2011، لكن ذلك لم يحصل.
وعقد عدد من المؤتمرات الدولية لحشد التمويل من أجل إعادة بناء المخيم، أهمها مؤتمر "فيينا" عام 2008، حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم 122 مليون دولار أميركي، تبعه مؤتمر آخر في بيروت 06/10/2016، تعهدت فيه الدول المانحة مجدداً بدفع مبلغ 36 مليون دولار تكفي لإعادة إعمار حوالي 70% من المخيم القديم، وحتى اللحظة هذا لم يتم الانتهاء من إعمار مخيم نهر البارد حيث بقي حوالي 9% ، فيما ترجع وكالة "أونروا" السبب إلى "عدم إيفاء الدول المانحة بكل التزاماتها، وبعض العوائق كظهور آثار في مواقع البناء أو عدم الحصول على الرخص المطلوبة".
والنتيجة أن آلاف اللاجئين الفلسطينيين لم يذوقوا طعم الاستقرار منذ ذلك الوقت.
قلق نفسي وخسارات مادية ومعنوية
تصف اللاجئة الفلسطينية عزيزة وهبة خيبة أملها في كل مرة تعتقد أنها اقتربت من العودة إلى منزلها، وتقول: "أكون متأملة بالعودة إلى بيتي ولكن فجأة اسمع بأن الإعمار توقف أو لم يعد هناك رخص أو تمويل".
تضيف: بأنها تعيش قلقاً دائماً وتدهور وضعها النفسي ولن تشعر بالراحة حتى تعود مع عائلتها إلى منزلها، مطالبة "أونروا" بالإسراع في إعادة إعمار ما تبقى من المنازل المدمرة في المخيم.
ويقول اللاجئ الفلسطيني علي لوباني: إنه تنقل خلال 16 عاماً بين 8 منازل فيما ينتظر إعادة إعمار منزله، ما صار يؤثر على حياته وحياة عائلته وأطفاله معنوياً ومادياً.
كذلك الأمر بالنسبة للاجئة الفلسطينية هنا شعبان، التي تعبر عن وضعها النفسي وهي في انتظار إعمار منزلها، وتقول: "إن الانتظار دون جدوى يؤثر علينا بشكل سلبي، من ناحية أجرة المنازل التي ترتفع، صحيح بأنهم يقدمون لنا بدل إيجار إلا أنه لا يكفي، ونحن لا نريد سوى العودة إلى منازلنا".
#مخيم_نهر_البارد من بيت مُستأجر إلى آخر .. عدم استقرار ومتاعب مادية يكابدها هؤلاء #اللاجئون_الفلسطينيون في انتظار إعادة إعمار منازلهم المدمرة منذ 16 عاماً ولا أفقاً ظاهراً حتى الآن!! pic.twitter.com/7noDy8OlGn
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) July 11, 2023
لا تمويل لإعادة إعمار ما تبقى من المخيم حتى اللحظة
يقول عضو لجنة ملف إعمار مخيم نهر البارد بسام موعد: أن هناك ما يقارب 20 % من المخيم القديم في نهر البارد لا يوجد تمويل لإعادة إعمارها، بالإضافة إلى رزمة يتم تأجيل إعمارها بسبب وجود الآثار، وعدم وجود موافقة من قبل الحكومة اللبنانية لإعادة إعمارها لوجود تلك الآثار.
ويتابع: "نحن نأمل بتمويل جديد من أجل الاستمرار في عملية الإعمار والانتهاء منه، طبعاً هناك عراقيل موجودة بالنسبة للمصروفات الزائدة للإعمار، وهذا يؤثر على سير عملية الإعمار بسرعة".
ويحمل موعد مسؤولية هذا التأخير في إعادة الإعمار إلى الفصائل الفلسطينية، سواء التابعة لمنظمة التحرير أو التحالف والتي "لا تمارس الضغط الكافي والمتابعة، ويجب عليهم كمرجعية فلسطينية أن تضغط على الأونروا أكثر فأكثر من أجل إتمام إعمار القديم وتعويض المتضررين في المخيم الجديد".
ويضيف موعد أن المسؤولية بالمستوى الثاني تقع على الحكومة اللبنانية، يقول: "نحن موجودون على أرضها، صحيح بأن لبنان على حافة الإفلاس، ولكنه بلد مستقل ويجب أن يرفع صوته عالياً لإتمام عملية إعمار مخيم نهر البارد"، أما المسؤولية الثالثة والأهم فهي تقع على وكالة "أونروا" فهذه تكون مسؤولية مشتركة ما بين المرجعية الفلسطينية والوكالة والطرف اللبناني.