تزخر المخيمات الفلسطينية في لبنان بالكثير من العادات والتقاليد الموروثة عن الأجداد في فلسطين، والتي كانت سائدة في القرى والمدن الفلسطينية قبل تهجير أهلها الفلسطينيين منها إبان النكبة عام 1948، ليتساءل من يزور البيوت في المخيمات، كيف حافظ هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون على عاداتهم رغم رحلة التهجير واللجوء القاسية والعيش في مخيمات تفتقد لمقومات الحياة الكريمة؟

الحاجة عسلة أبو ناصر تبلغ من العمر 85 عاماً، هجرت من قرية صفورية المهجرة قضاء الناصرة، شمالي فلسطين الى لبنان جراء النكبة عام 1948 مع عائلتها وكانت تبلغ من العمر ٩ سنوات، وما زالت الحاجة عسلة تذكر أصغر التفاصيل في العادات التي كانت سائدة في صفوررية وأوروثتها إلى أبنائها وأحفادها.

العرس الفلسطيني... من أجمل الأعراس

بابتسامة عريضة تذكرت أمام فريق بوابة اللاجئين الفلسطينيين كيف كان العرس في فلسطين، رددت وهي تصفق بيديها الدحية التي كان يرددها الرجال خلال الدبكة في الأعراس"الله حي الله حي زفينا عريس الزين، الله حي الله حي" وتقول: هكذا كان الرجال يزفون العريس وهم يدبكون ويرقصون، ونحن النساء كنا نرقص ونغني أيضاً للعريس، وتعيد ترديد أهازيج الزفة "زفولنا هالعريس بالأول بالأول صاحب الوجه السموح المدور، وهاتولنا هالعريس تنشوف حلاته وتنشوف بياض وجه يا سود شامته".

وأخذتها الذاكرة لعرس أحد أقاربها في القرية: تروي كيف ذبحت الخرفان وطبخ لحمها مع الأرز وقدم للضيوف، ومن ثم زفته على حصانه ليأخذ عروسته من بيت أهلها.

تقول حفيدتها فاطمة أبو ناصر: إن الأعراس في المخيم تقريباً مثلما كانت في فلسطين مع اختلاف بعض التفاصيل نظراً لاختلاف الأوضاع المادية – اذا اختلف الأمر في المخيم حيث تحول هؤلاء الفلسطينيون إلى لاجئين- ولكنها تؤكد: "هنا نزف العريس ونغني له نفس الأغاني التي كانت تردد في فلسطين، ولكن لم يعد هناك أحصنة بل يذهب العريس ويأخذ عروسته بالسيارة وزفة سيارات".

Screenshot 2024-05-30 012129.png
الحاجة عسلة أبو ناصر وحفيدتها فاطمة - مخيم نهر البارد 

تؤكد اللاجئة الفلسطينية الشابة ابتسام خلف أن الفلسطينيين في المخيمات بدؤوا من جديد إحياء ذات طقوس العرس التي كانت معروفة في القرى الفلسطينية، "يصرون أن تكون شبيهة بها وهذا نابع من إصرارهم على التمسكبهويتهم الثقافية".

تقول: هنا نحلق للعريس في في الشارع مثلما كان يفعل في الدور الكبيرة والساحات في القرية الفلسطينية ونغني له: "احلق يا حلاق بالموس الدهبية واتمهل يا حلاق ليجوا الأهلية" والكثير الكثير من الأغاني التراثية الجميلة.

كذلك الأمر تقول ماريا رمضان وهي شابة في المخيم: بدأنا من جديد نحيي عادات وتقاليد جديدة في الأعراس فعدنا لليالي الحنة التي تقام للعروس والعريس واللباس التراثي الفلسطيني، والأغاني الفلسطينية والزغاريد القديمة التي كانت على أيام أجدادنا في فلسطين قبل النكبة.

Screenshot 2024-05-30 012020.png
الحناء .. عادة من فلسطين يعاد إحياؤها خلال الأعراس في المخيمات 

الأكلات والحلويات الشعبية الفلسطينية

"الملوخية الناعمة" أول طعام حدثتنا عنه الحاجة عسلة، تقول: إنها كانت تقوم بفرم الملوخية على يدها وهي ابنة الـ ٩ سنوات، وكانت ماهرة جداً في فرمها، حيث كانوا يستعين بها الجيران عندما يريدون طبخ الملوخية.

وعن "المُغربية" أو "المفتول" وهي أكلة معروفة من التراث الفلسطيني حدثتنا كيف تقوم بلف حبوب البرغل بالطحين إلى أن تصبح "الحبة أخت الثانية" ومن ثم تقوم بتهبيلها على بخار مرقة الدجاج واللحم مع البصل والحمص، وتقول: إنها من أطيب وألذ الطبخات الفلسطينية.

Screenshot 2024-05-30 012305.png
المفتول .. أكلة فلسطينية ما تزال حاضرة في المخيمات بعد 76 عاماً من اللجوء 

هذه المأكولات ما تزال حاضرة إلى اليوم في بيوت اللاجئين الفلسطينيين، وتعد بالطريقة ذاتها التي كانت تُعدُّ فيها في فلسطين قبل أكثر من 76 عاماً.

تقول الشابة فاطمة: إن أمها ما زالت تطبخ الكثير من الأكلات التي كانت تطبخها جدتها وكذلك الأمر ذكرت ابتسام وماريا كثيراً من المأكولات المعروفة في القرى الفلسطينية منذ مئات السنوات وما تزال الأمهات تحضرها في بيوت اللاجئين الفلسطينيين وقد تعلمنها من أماتهن وجداتهن، مثل المسخن والملوخية والمفتول والمقلوبة والدجاج المحمّر بالبصل، وكذلك الأمر بالنسبة للحلويات التراثية مثل (الملولو و كعك الخميس وكعك العيد والزلابية) وهي مأكولات ما تزال إقبالاً لدى الجيل الجديد في المخيمات وتصر الشابات على تعلم إعدادها.

العيد في فلسطين والمخيم

كنا نقوم بتنظيف المنزل قبل العيد وتحضير أطيب الكعك بالإضافة الى القطين وهو عبارة عن تين مجفف، وعجوة، وكعك معجون بالزعفران، هكذا تتذكر الحاجة تفاصيل عن أجواء العيد في صفورية.

وتأخذها الذاكرة أكثر إلى فلسطين: "كنا نجتمع كل يوم عند أحد الجيران ونعد كعك العيد، نقسم الأيام على أهل الحي في صفورية ولكل منا دوره في إعداد الكعك، وكنا نقوم بعمل كميات كبيرة، ونعطي الفقير ليكون مثله مثل باقي الحي، كنا حريصين على إغناء الفقراء وإكرامهم".

ذات العادات ما تزال متوارثة في بيوت مخيم نهر البارد، تؤكد ابتسام أنهم حتى اليوم تجتمع عائلاتها وعائلات خالاتها في بين الجدة ليحضروا كعك العيد للجميع.

وكذلك تفعل عائلة زينة نصر، يجتمعون كلهم في بيت جدهم ويجهزون حلو العيد من كعك ومعمول وحلويات أخرى.

طهور الصبيان بين البلاد والمخيم

"التعليلة الفلسطينية" هي نوع من أنواع الحفلات كانوا يقيمونها حين يطهرون المواليد الجدد من الصبيان في صفورية وقرى فلسطين قبل النكبة، يقوم المطهر (وهو رجل يكون معروف في هذه المهنة وعادة ما يكون قد ورثها من أبيه وجده) بعمله فيما أهل الصبي والأقارب وأهالي الحي يغنون ويرقصون، وعندما ينتهي المطهر يأخذون الطفل ويرقصون به ويغنون له:

" طهره يا شلبي وناوله لأمه ويا دموعه الغالية نزلت عكمو...

وطهره يا شلبي وناوله لسته ويا دموعه الغالية نزلت عصدره."

ولكنها تابعت بغصة: "اليوم يطهرون الصبي عالساكت ولا حدا بيعرف عن حدا شي".

شاهد/ي التقرير

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد