منذ بدء حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، تعيد مشاهد المجازر والتهجير القسري وخيام النازحين والقتل والتشريد إلى الأذهان أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948 وما شهدته القرى والبلدات الفلسطينية من تدمير واسع بلغت حد تهجيرها بالكامل وتدميرها ومحوها، وتحويل أهلها الأصليين إلى لاجئين في المخيمات وحول العالم منذ 76 عاماً.
ولعل أوجه التشابه بين النكبتين كبيرة جداً رغم فرق السنوات، وكأن التاريخ يعيد نفسه كما أشار لاجئون فلسطينيون عايشوا النكبة الفلسطينية.
أولها بشاعة الجرائم "الإسرائيلية" التي هدفت إلى تهجير الفلسطينيين بقوة السلاح من مدنهم وقراهم وأرضهم، كما حصل في دير ياسين والطنطورة والصفصاف وغيرها، ويجري اليوم في شمالي قطاع غزة ومن ثم رفح ومناطق عدة.
وثانيها، تشابه في دور القوى الدولية الداعمة للاحتلال "الإسرائيلي" ففيما كانت بريطانيا داعماً أساسياً في مد العصابات الصهيونية بالسلاح وإقامة الكيان "الإسرائيلي" فوق أرض فلسطين عام 1948، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بذات الدور في دعم إبادة الفلسطينيين بقطاع غزة، والنقطة الثالثة في التشابه تكمن في أن المواجهة تجري على أرض فلسطين، وهناك مقاومة كانت منذ ما قبل عام 1948 وماتزال حتى اليوم في قطاع غزة وأيضاً في الضفة الغربية.
بالطبع، فإن الظروف المحيطة والواقع الحالي يختلف عما كان عليه قبل ستة وسبعين عاماً، لا سيما وأن المقاومة في الوقت الحالي سواء في قطاع غزة والضفة الغربية هي نتاج تاريخ طويل من الكفاح المسلح الفلسطيني لم ينته منذ سبعة عقود، وظهر بآخر تجلياته في عملية طوفان الأقصى يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلا أن حرب الإبادة "الإسرائيلية" على غزة اليوم يرى فيها من عاش أحداث النكبة من كبار السن الحرب الأكثر تشابهاً في أحداثها مع أحداث النكبة الفلسطينية، من بين كل الحروب والمجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في فلسطين وأيضاً في مخيمات الشتات طيلة هذه العقود.
تعيد المشاهد التي يتابعها من قطاع غزة إلى ذاكرته أحدث النكبة التي شهدها وهو طفل
"الحرب الحالية على قطاع غزة هي الأصعب بسبب ضراوة القصف وقسوة ظروف المعيشة والنزوح" هذا ما يقوله محمد إبراهيم عبد المعطي، وهو لاجئ فلسطيني من قرية صفورية قضاء الناصرة مواليد عام 1939 لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
تعيد المشاهد التي يتابعها من قطاع غزة إلى ذاكرته أحدث النكبة التي شهدها وهو طفل، يستذكر كيف بدأ القصف "الإسرائيلي" على قريته وخلف العديد من الضحايا ما دفعهم إلى مغادرة صفورية برفقة والده ووالدته وشقيقه الأصغر، وحينها ظنوا أنهم فقط سيغيبون لأيام معدودة حتى ينتهي القصف ويتمكن المقاومون وجيش الإنقاذ العربي من هزيمة العصابات الصهيونية.
ولكنه استدرك: عندما وصلنا إلى بلدة دير القاسي قضاء صفد التفتنا ونظرنا إلى فلسطين وقلنا هل سنرجع أم لا؟
أما المسنة آمنة حسن المولودة عام 1933، وهي الآن لاجئة في مخيم نهر البارد منذ سبعة عقود تقول "يمكن يكون في أمل نرجع"؟
النكبتان متشابهتان أيضاً من حيث الجوع والبرد
يلفت عبد المعطي إلى أن النكبة التي عايشها عام 1948 "تهون أمام ما يشاهده في قطاع غزة، عندما أخرجوا من ديارهم وجدوا من يعطيهم قوت يومهم إلا أن أهالي القطاع محاصرين لا يجدون ما يقتاتون به".
وتساءل عبد المعطي عن حقوق الإنسان مما يمر به أهالي القطاع، والجمعيات التي تعنى بحقوق الطفل، وأين الدول التي تدعي الديموقراطية؟ قائلاً: "إن أكثر الدول التي تدعي الديمقراطية ولكنها في الحقيقة هي من الدول الأكثر عنصرية"
وأضاف أنهم خلال نكبة عام 48 لم يكونوا يملكون الأسلحة الكافية، كما اليوم أهالي القطاع والمقاومة يدافعون عن كل شبر من وطنهم بأسلحة معظمها مصنع محلياً.
وفي السياق ذاته، قالت زهرة أبو نعاج من مواليد عام 1940: إن ما يجري اليوم في قطاع غزة لا يختلف عما حدث لهم عام 1948، من مجازر وتهجير وتشريد وسلب للأراضي، مشيرة إلى أن الكيان "الإسرائيلي" ازداد شراسة وهمجية في استخدامه لجميع أنواع الأسلحة الفتاكة، واستخدامه سلاح الحصار لتجويعهم من أجل تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم.
وعلى الصعيد نفسه تعلق آمنة حسن بأن النكبتين متشابهتان من حيث التجويع والبرد وعدم وجود بطانيات تقيهم برد الشتاء ما أدى إلى موت العديد من البرد، وهذا حدث في رحلة اللجوء عام 1948.
أكبر خطأ ارتكبناه هو خروجنا إلى خارج حدود فلسطين
يرى الحاج عبد المعطي أن "الخطأ الأكبر" الذي ارتكبوه عام 1948 هو خروجهم إلى ما بعد حدود فلسطين، حيث لم يكن لم يعتقدوا أنهم بتجاوزهم الحدود لن يعودوا بعد هذه السنوات، قائلاً: "الإنسان يموت في بيته، ولا يطلع برا دياره". مؤكدًا أن البقاء في الأرض ضرورة مهما كانت التضحيات والخروج منها هو انتهاء الأمل، بحسب وصفه.
يضيف عبد المعطي: "أخطأ أباؤنا وأجدادنا حين صدقوا الأنظمة العربية بأنها ستساعدنا في العودة إلى أراضينا"، متابعاً: أن ما يحدث في غزة هو محاولة لتكرار نفس السياق، ويسعى الاحتلال إلى تكريس فكرة أن الهجرة هي الخلاص، لكن هذه المرة فهم الشعب الدرس وقرر البقاء في أرضه "يموتون فيها بدلاً من أن يتركوها" لذلك نراهم في غزة يعيشون الفلسطيني في قطاع غزة ما زالوا متمسكين بمنازلهم.
وفي السياق ذاته تقول آمنة حسن إنهم يشعرون بالندم، وتردف قائلة "يا ريتنا ما طلعنا".
في كل ساعة تمر نتمنى العودة إلى فلسطين
بعد مرور 76 عاماً من النكبة والتهجير من أرض الوطن، لا يزال الحاج اللاجئ عبد المعطي متمسكًا بأمل العودة، ففي "كل صلاة يدعو الله عز وجل عودته إلى فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى أو الاستشهاد على باب أسواره" كما يقول لموقعنا.
كذلك زهرة أبو نعاج "أم صالح" فإنها "تتمنى في كل ساعة تمر عليها العودة إلى فلسطين، فإن الموت فيالوطن أفضل من الموت في مخيمات اللجوء".
يدعو عبد المعطي الله "أن يمد أهالي قطاع غزة بالقوة ويمكنهم من أعدائهم ويرحم شهدائهم ويداوي جرحاهم" ويبعث لهم برسالة تقول: "إياكم أن تكرروا ما فعلناه عام 48 من خروجنا من فلسطين"
وتوجه آمنة حسن في كلمتها لأهالي القطاع بأن "يصمدوا ويرابطوا ولا يخرجوا من وطنهم ومنازلهم لأن الوطن غال جدًا، حتى لو قصفوا البيوت فوق رؤوسهم لا يتركوا شبراً من أرضهم" كما تقول.
شاهد/ي الفيديو