أطلق اللاجئون الفلسطينيون في مخيم البرج الشمالي بمدينة صور جنوب لبنان، حيث ضيق المساحات وغياب الأراضي الزراعية، مبادرة "الزراعة على أسطح المنازل" لتوفير بديل زراعي عن فقدانهم الأراضي الزراعية في مخيمهم، إذ ليس هناك مساحات خضراء للزراعة بحد ذاتها في المخيم، وعلى أطرافه توجد بعض البساتين في غالبيتهم أملاك خاصة للبنانيين، وعلى قاعدة " الحياة أم الاختراع" تشق هذه الظاهرة طريقها على أسطح المنازل في المخيم، بسبب غياب المساحات الخضراء.
المشروع، الذي بات يعرف بـ"الزراعة البديلة"، يعكس صمود اللاجئين الفلسطينيين في مواجهة تحديات النزوح، الفقر، والحرمان من الحقوق التي فقدوها منذ لجوئهم إلى لبنان إثر نكبة العام 1948، حين صودرت أراضيهم التي اشتهرت بالزراعة.
ومع اللجوء القسري، فقد الفلسطينيون أراضيهم، ولكنهم لم يفقدوا شغفهم بالزراعة، فاليوم، يجد هؤلاء ملاذاً في أسطح منازلهم، حيث يزرعون الخضروات الأساسية مثل الخيار، البندورة، والخس، رغم محدودية المساحة.
ودعمت جمعية "أنيرا" هذا المشروع عبر تقديم خيم زراعية وتجهيزها بكافة الأدوات اللازمة، بما في ذلك الهياكل المعدنية، الأغطية البلاستيكية، الأتربة، والأسمدة، بعدما أطلقت المشروع عبر دعوة المهتمين لتقديم طلبات المشاركة، مع توفير دورات تدريبية وورش عمل تحت إشراف متخصصين لتعريف المشاركين بأساليب الزراعة العلمية والعناية بالشتول.
صحيح ان هذه الزراعة لا تكفي لتأمين الدخل الكامل للعائلات؛ نظرا لضيق مساحة المنازل بذاتها، ولكن، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتزايد معدلات البطالة، واستمرار حرمان الشعب الفلسطيني من بعض الحقوق، وتراجع خدمات وكالة “أونروا "، ناهيك عن الحرب "الإسرائيلية" المتواصلة على لبنان، إلا أنّ ذلك أن المشروع يوفر بعض الخضروات اللازمة للأسر من خيار وبندورة وغيرها.
رامي المرعي، أحد اللاجئين المنحدرين من قرية الناعمة قضاء صفد، يروي تجربته مع المشروع، يقول: "بدأت بزراعة قوارير صغيرة على سطح المنزل، ثم تقدمت بطلب للحصول على خيمة زراعية من الجمعية، ولحسن الحظ كنت من المحظوظين".
أضاف المرعي أن الجمعية قدمت له الدعم الكامل من تجهيز الخيمة إلى تقديم الإرشادات والمتابعة الدورية من قبل المهندسة الزراعية المشرفة على المشروع، وفي خيمته، زرع الخيار، البندورة، الخس، والبقدونس، مؤكداً أن هذه الزراعة ساعدت على توفير احتياجات عائلته وجيرانه من الخضروات، خاصة في ظل الحرب "الإسرائيلية" المستمرة على لبنان.
وتابع: نعيش في مخيم البرج الشمالي في مدينة صور جنوب لبنان، والتي صنفت بأنها مناطق خطرة، وبعد أن توقفت أعمال غالبية اللاجئين، أصبحت صعوبة توفير الخضروات بشكل يومي يشكل عقبة في وجه العائلات المتبقية في المخيم، ولكن بفضل زراعتي في الخيمة استطعت تأمين بعض الاحتياجات.
ورغم التحديات الكبيرة التي يفرضها الوضع الاقتصادي والحرب في جنوب لبنان، يسعى المرعي لتطوير مشروعه، ويقول: "المتابعة اليومية للشتول لا تستغرق سوى 10 دقائق من العناية والري، ورغم توقف معظم الأعمال في الجنوب، أحلم بإيجاد قطعة أرض لتوسيع هذا المشروع بعد انتهاء الحرب".
في ظل الحرمان من العديد من المهن والحقوق، تمثل الزراعة على الأسطح بصيص أمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، محاولة لإحياء تراثهم الزراعي وتوفير احتياجاتهم اليومية بموارد محدودة. يبقى الحلم الأكبر أن تنتهي الحروب، ويعود اللاجئون إلى قراهم وبلداتهم التي هُجروا منها، ليستعيدوا أرضهم التي لطالما كانت مصدر رزقهم وهويتهم.