يواصل حراك المقاطعة الشعبي تسجيل نجاحات بوتيرة متسارعة في المملكة الأردنية الهاشمية، بفضل تعمّق ثقافة مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لكيان الاحتلال "الإسرائيلي"، لا سيما عقب حرب الإبادة على غزة. وقد ظهر ذلك بشكل ملموس داخل المجتمع الأردني الذي نجح في طرد العديد من الشركات الداعمة للاحتلال وإغلاق عشرات الأفرع لشركات أخرى داخل العاصمة ومدن أخرى. 

ويعدّ إغلاق المزيد من الشركات الأجنبية الداعمة لكيان الاحتلال "الإسرائيلي" وإنهاء شركات أخرى عملها داخل الأردن مقياسًا على نجاح حراك المقاطعة الشعبي، الذي يحاول الحفاظ على استمراريته، لا سيما عقب إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ ما يزيد عن شهر. ويشير ذلك إلى تعزيز ثقافة المقاطعة لدى الشعب الأردني والاستعاضة بالمنتجات الوطنية البديلة عن المنتجات الداعمة للاحتلال.

حراك المقاطعة الشعبي تقلّد نجاحًا كبيرًا في الأردن والمخيمات الفلسطينية

يؤكّد محمد العبسي، منسّق تجمع "اتحرّك" لمقاومة التطبيع، نجاح حملة المقاطعة في الأردن بشكل عام، إذ كرّست حالة مقاطعة لم تكن موجودة من قبل، على الرغم من أن حملات المقاطعة قديمة في الأردن، وكانت تشتدّ عند أحداث معينة، وتنتهي مع انتهاء الحدث نفسه.

ويوضّح العبسي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، معلّقًا على ازدهار الحراك المقاطع للمنتجات الداعمة للاحتلال في الأردن، أنّ نشاط المقاطعة مرّ بتحولات عديدة خلال عام حرب الإبادة على غزة، متطوّرًا إلى ثقافة ترسّخت لدى العديد من الناس في انتهاج سلوك المقاطعة الشاملة لكل المنتجات الأجنبية، حتى لو لم تكن داعمة للاحتلال، وهي فكرة جديدة جاءت لدعم المنتج الوطني الأردني.

وكانت فكرة المقاطعة في بادئ الأمر رد فعل على جرائم حرب الإبادة في غزة، ومع تصاعد دائرة الاستهدافات "الإسرائيلية" على غزة ولبنان وسوريا واليمن ازدادت الأنشطة الداعية لمقاطعة كل من يقدّم دعمًا ماديًا أو معنويًا للاحتلال. وسرعان ما تحولت هذه الحالة إلى ثقافة اعتاد الناس على المقاطعة، ما ساعد على ذلك بروز المنتج الوطني وتطوّره في أشهر قليلة من ناحية جودته.

من مظاهر المقاطعة وترويج منتجات بديلة في الأسواق الأردنية. تصوير مؤمن ملكاوي..jpg
أحد الأسواق الأردنية حيث تظهر لافتات تدعو لمقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال. (تصوير مؤمن ملكاوي)

وحول أبرز المناطق التي شهدت نشاطًا كبيرًا ضمن حراك المقاطعة في الأردن، أوضح العبسي أنّ ذلك الحراك لم يكن مقتصرًا على بقعة جغرافية معينة أو تجمعات محددة؛ حيث كانت حالة عامة، ساهمت فيها أيضًا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي عملت على أكثر من صعيد وكانت جزءًا من حركات المقاطعة وشجّعت عليها. ولا سيما أنّ بعض المخيمات عملت بتفاوت عن باقي الأماكن الأخرى، وكان دورها مساندًا في حراك المقاطعة المناهض للتطبيع، ولم يتوقف على مدار سنة ونصف في مساندة ودعم المقاومة والتضامن مع غزة.

المنتج الوطني المتطوّر أحد إفرازات حملات المقاطعة وعنصرها الداعم

المنتج الوطني البديل هو أبرز إفرازات حركات المقاطعة ونتائجها التي عادت على المجتمع الأردني بشكل إيجابي، إذ دعم أيضًا الاستمرارية في عزوف المواطنين الأردنيين عن المنتجات الأجنبية، وأصبح المنتج الأول في السوق الأردني. كما صار المنتج الأصل في العديد من المنتجات الاستهلاكية؛ حيث وضعت هذه المنتجات الوطنية لنفسها مكانًا في السوق الأردني يقصدها المواطن الأردني، بحسب منسّق تجمع "اتحرّك".

وتابع العبسي في حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "لقد أرست ثقافة جديدة في المقاطعة في غضون سنة ونجحت، حيث أصبح الناس يشاهدون حجم النجاح من خلال إغلاق شركات وتراجع مبيعات شركات أخرى، والناس أصبحت تذهب للمنتج الوطني الذي يتطوّر مع مرور الوقت".

ويرى العبسي أنّ من الأهمية، كاستراتيجية في عمل حركات المقاطعة الناشطة في الأردن، المحافظة على استمرار هذه الحالة، كونه مناط عمل لجان حركات المقاطعة. ويشير إلى وجوب استثمار فرصة اعتياد الناس على شراء المنتجات الوطنية البديلة وترسّخ ثقافة العدول عن كل ما يدعم الاحتلال خلال عام حرب الإبادة، مؤكّدًا أنّ ضمان هذه الاستمرارية يأتي عبر نشر الوعي بجدوى المقاطعة وتعزيز الشعور بالإنجاز لدى الناس لدعمهم في الاستمرار في مقاطعة المنتجات.

85% من مطاعم ومقاهي عمّان الشعبية قاطعت المنتجات الداعمة للاحتلال

ومن المظاهر الدالة على قوة الحراك الشعبي لمقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال، حالة المقاطعة التي بدت في أكثر من 85% من المطاعم الشعبية والمطاعم المتوسطة ومطاعم الفنادق والمقاهي، والتي لا يوجد لديها إلا مشروبات المنتجات الغازية والمياه الأردنية. كما لا تمتلك هذه المطاعم والمقاهي ثلاجات الشركات التي جرى مقاطعتها، مثل (بيبسي وكوكاكولا ونستله)، بحسب العبسي.

انخفاض مؤشر البطالة في الأردن خلال عام مقاطعة منتجات الاحتلال

ونتيجةً لحراك المقاطعة، تعزّز الإنتاج الوطني في الأردن، وهو ما سلّط العبسي الضوء عليه، مبيّنًا أنّ مؤشر البطالة بين عامي 2023 – 2024 شهد انخفاضًا بسيطًا مقارنة بالسنوات الماضية التي شهدت ارتفاعًا في معدل البطالة، مؤكّدًا أنّ هذه السنة هي الوحيدة التي انخفضت فيها البطالة.

وعزا العبسي السبب إلى أنّ الشركات التي انتشرت بشكل كبير احتاجت إلى عمالة جديدة، واستوعبت أعدادًا أكبر بكثير ممن فقدوا وظائفهم في الشركات التي استهدفها حراك المقاطعة، وذلك ضمن عدة قطاعات.

وذكر أنّ قطاع المنظّفات والمواد الكيماوية ومطاعم الوجبات السريعة والمحلية وأكشاك القهوة والمشروبات الغازية زاد انتشارها واتسع، ما استوجب توظيف آلاف الأردنيين في السنة الماضية، ووصل عدد من توظّف في بعض الشركات إلى نحو 2000 عامل قبل عدة أشهر.

تراجع وإغلاق مطاعم داعمة للاحتلال وسط تكتّم على الخسائر

بالمقابل، تراجعت مبيعات شركات ومطاعم بشكل كبير منذ بدء موجة المقاطعة، مثل "ماكدونالدز". أما بالنسبة لشركة "KFC"، فقد أغلق بعض فروعه متذرعًا بالصيانة منذ أكثر من عام، وهناك شركات ومطاعم وجبات سريعة أخرى توقّف انتشارها، وبدأت تغلق بعض محلاتها من دون إعلان رسمي، بحسب العبسي.

ومنذ عدة أيام، أغلقت سلسلة مقاهي "ستاربكس" أربعة من فروعها في الأردن، كنتيجة مباشرة لحملة المقاطعة خلال الأشهر الماضية، بسبب دعمها لدولة الاحتلال في حربها على قطاع غزة. فيما تواجه الفروع المتبقية في الأردن ضغوطًا كبيرة، خصوصًا تلك الموجودة في مراكز التسوق الكبرى.

ومع استمرار نجاحات حراك المقاطعة في الأردن، يتساءل الكثيرون عن مدى قدرة هذه الحملات على المحافظة على زخمها الحالي وتوسيع دائرة تأثيرها في المجتمع الأردني. فهل ستتمكن من ترسيخ ثقافة المقاطعة بشكل أكبر على المدى البعيد أم أنّها ستتراجع بعد انحسار الحراك التضامني مع غزة ووقف حرب الإبادة؟

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد