لم يكن صباح يوم الجمعة، الخامس والعشرين من رمضان من العام 2016 يوماً عادياً في مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق، فقد حمل معه كارثة جديدة تُضاف إلى سجل معاناة سكان المخيم، الذين عاشوا لسنوات تحت القصف والحصار في ظل هجمات النظام السوري على المدن والبلدات السورية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد.
الأستاذ والمربي فايز نمر أبو علاء، لم يكن يعلم أن خروجه لأداء صلاة الفجر في ذلك اليوم سينقذه من موت محتم، لكن النجاة لم تكن قدر عائلته، إذ استُشهد ولداه عامر ونور الدين تحت أنقاض منزلهما الذي دمّره القصف الجوي للنظام السوري والطائرات الروسية.
يحكي أبو علاء قصته بمرارة تختلط بالصبر، ويستعيد ذكرياته مع القصف الأول الذي استهدف منزله عام 2014، حين سقط برميل متفجر من طائرة مروحية، أدى إلى تدمير جدران المنزل وإصابة أفراد عائلته بجراح بالغة، لكنه لم يكن الأخير.
ففي عام 2016، وتحديد يوم 25 رمضان، ضربت طائرة حربية المنزل من جديد، لكنها هذه المرة لم تترك مجالاً للنجاة، فقد عاد أبو علاء من المسجد ليجد بيته ركاماً، وأبناءه شهداء، وزوجته تصارع الموت، قبل أن يتمكن الجيران من انتشالها من تحت الأنقاض.
يصف أبو علاء تلك اللحظات قائلاً: "لم أكن في المنزل حينها، كنت في صلاة الفجر، وحين عدت وجدت الدمار، وجدت ابني عامر ونور الدين قد استشهدا، بينما أخرج الجيران زوجتي من تحت الركام، وكانت بالكاد على قيد الحياة. كانت الكارثة كبيرة، لكنها لم تكن فريدة من نوعها، فالمخيم كله مخيم شهداء، فقدنا فيه الكثير من الأحبة، لكننا بقينا صامدين".
خان الشيح: مخيم الشهداء والمقاومة
يؤمن أبو علاء أن ما جرى لعائلته هو امتداد لما شهده المخيم منذ عقود، حيث قدّم أبناؤه التضحيات، سواء في الثورة الفلسطينية، أو في الثورة السورية. وكما يصفه، فإن خان الشيح لم يكن يوماً مكاناً عابراً، بل كان دائماً موطناً للمقاومين وأبناء النضال.
يقول أبو علاء: "هذا المخيم قدّم شهداء الثورة الفلسطينية في الماضي، وفي الثورة السورية استمر على النهج ذاته، وكنا نأمل أن تكون الثمرة هي الحرية، ليس فقط لسوريا، بل لفلسطين أيضاً. نحن امتداد للنضال الممتد من غزة والضفة وكل فلسطين، ونتطلع إلى يوم نرى فيه التحرير".
عادات كرم راسخة رغم الألم
رغم كل ما مرّ به أهالي المخيم، لم تتغير تقاليدهم في التآزر والتضامن، خصوصاً في شهر رمضان. يتحدث أبو علاء عن هذه العادات التي لم تمحها سنوات الحرب والقصف، مؤكداً أن الروح الجماعية بقيت حاضرة بين الناس، وهي الروح التي ساندته في مصابه الجلل.
ويضيف أبو علاء: "رغم الظروف القاسية، ظل أهل المخيم متمسكين بعاداتهم. في رمضان مثلًا، لم تتغير تقاليد مشاركة الطعام، فالجار يقدم لجاره مما يملك، حتى لو كان القليل. أذكر أيام الحصار، كيف كان الناس يقسمون أرغفة الخبز، ويتقاسمون ما لديهم من طعام. لم يكن هناك بيت يملك فائضًا، لكن الجميع كانوا يسدّون رمق بعضهم البعض".
لا تقتصر هذه الروح على رمضان فقط، بل تمتد إلى كل مناحي الحياة، سواء في الأفراح أو الأتراح. فالمخيم، كما يصفه، كان دائماً مجتمعاً متماسكاً، لا يترك أحداً وحيداً في حزنه أو فرحه.
ويؤكد أبو علاء على روح التعاضد، ويقول: "في المخيم لا يحتاج أحد لدعوة لحضور عزاء، الجميع يحضر، سواء كان يعرف المتوفى أم لا. وفي الأفراح، لا يتخلف المدعوون عن الحضور، فكل مناسبة هي مناسبة جماعية. وهذا ما رأيته بأم عيني حين فقدت أولادي، الناس لم يتركوني وحدي، كانوا هناك، يساعدون، يعزون، ويقدّمون كل ما يستطيعون".
لا يُخفي أبو علاء حزنه العميق، لكن رغم الفقد، لا يزال متمسكاً بالأمل. بالنسبة له، فإن المعاناة التي عاشها أهل المخيم ليست مجرد قصة مأساوية، بل هي جزء من مسيرة طويلة من النضال والصمود. ويضيف: "لا نملك إلا أن نستمر، أن نتمسك بحقنا، سواء في الحياة، أو في العودة إلى فلسطين، كما نأمل أن تتحرر أرضنا كما استعادت شعوب أخرى حريتها وكرامتها".
يبقى مخيم خان الشيح، رغم الألم والدمار، شاهداً على نضال سكانه وصمودهم، حكاية لا تنتهي من التضحيات، لكنها أيضاً حكاية أمل لا يخبو.
شاهد/ي | الأستاذ والمربي فايز نمر "أبو علاء" يروي مأساته في رمضان 2016، حين قصف النظام منزله في مخيم خان الشيح، ما أدى لاستشهاد أبنائه عامر ونور الدين تحت الأنقاض.
عاد من صلاة الفجر ليجد ابنيه قد ارتقيا
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) March 26, 2025
في الذكرى التاسعة لاستشهاد ابنيه جراء قصف من طائرات حربية روسية على منزله في #مخيم_خان_الشيح بريف #دمشق يستذكر المربي فايز نمر تفاصيل ما حدث pic.twitter.com/SQRHyh79Dl