أعادت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت في أواخر أيار/مايو 2025، الجدل المزمن حول العلاقة بين الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات. فبعد الإعلان عن اتفاق لبناني–فلسطيني ينص على تنظيم أو نزع السلاح تدريجياً بدءًا من منتصف حزيران/يونيو الجاري، برزت تساؤلات حادة في الأوساط الفلسطينية والحقوقية: هل تمنح الحقوق مقابل التخلي عن السلاح؟ أم أن الحقوق واجبة أساسًا، ولا يجوز مقايضتها بأي ملف أمني أو سياسي؟

ورغم أن الاتفاق جرى تسويقه كخطة "لتعزيز الاستقرار"، إلا أن اللاجئين والنخب الحقوقية ينظرون إليه بعين الريبة، خشية أن يتحول إلى مقايضة غير أخلاقية تفرّغ قضية اللاجئين من بعدها الإنساني والقانوني، وتحصرها في الإطار الأمني، دون تقديم أي ضمانات فعلية بتحسين الأوضاع المعيشية أو تعديل القوانين اللبنانية المجحفة بحق الفلسطينيين.

في هذا السياق، طرحت "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مجموعة من الأسئلة على اثنين من أبرز المتخصصين في قضايا اللاجئين، لفهم أبعاد الاتفاق وما يحمله من دلالات سياسية وقانونية:

▪ الباحث الفلسطيني والخبير في قضايا اللاجئين الدكتور جابر سليمان، تناول أبعاد الربط بين السلاح والحقوق من منظور حقوقي وإنساني، محذرًا من خطورة هذا الخطاب على صورة اللاجئ ومكانته القانونية.

▪ أما سهيل الناطور، أمين سر اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في لبنان، فاستعرض الخلفية السياسية والرهانات التي غالبًا ما وضعت الحقوق على طاولة التفاوض كأداة ضغط بدل أن تكون استحقاقًا طبيعيًا.

مقايضة مرفوضة أخلاقياً وسياسيًا

رفض الباحث المتخصص في قضايا اللاجئين الفلسطينيين، الدكتور جابر سليمان، مبدأ ربط الحقوق المدنية بسلاح المخيمات، معتبراً أن هذه المقايضة "مرفوضة أخلاقياً وسياسياً، لأنها تسيء إلى اللبنانيين قبل الفلسطينيين".

وأكد سليمان أن الحقوق واجب على الدولة المضيفة، ولا يجوز وضعها في إطار السياق الأمني أو استخدامها كورقة ضغط. فالمقاربة العادلة يجب أن تكون مستقلة عن ملف السلاح.

وأضاف: "هذا الطرح ليس جديداً، فبعد عام 1990 ومؤتمر مدريد، قدمت مذكرات للدولة اللبنانية، وشكلت لجنة وزارية برئاسة شوقي فاخوري إلى جانب لجنة فلسطينية، وحينها لم يكن ربط السلاح بالحقوق مجدياً. والأمر يتكرر اليوم بشكل غير جدي".

ويرى سليمان أن الحديث عن "منح الحقوق" لا يزال غامضاً في ظل قوانين لبنانية مجحفة، وتساءل: "هل يمكن التراجع عن قرار منع الفلسطيني من التملك؟ وهل يمكن مساواة العامل الفلسطيني باللبناني؟".

وأوضح أن آخر تعديل حصل فقط على صعيد إعفاء الفلسطيني من رسوم إجازة العمل، لكن العقبة الأساسية تبقى في إذن مزاولة المهنة، الذي يُمنح لسنة واحدة فقط، ما يدخل اللاجئ في حلقة مفرغة من البيروقراطية.

وأضاف أن بعض هذه الإشكاليات يمكن حلها بقرارات وزارية، مثلما فعل الوزير وائل أبو فاعور، حين مدد إذن مزاولة المهنة لثلاث سنوات دون الحاجة إلى موافقة مجلس النواب اللبناني.

أما إجازة العمل والتملك، فبحسب سليمان، تتطلب تعديلات برلمانية جذرية، خصوصاً ما يتعلق بمرسوم عام 2001 الذي يحرم الفلسطيني من التملك تحت ذريعة "رفض التوطين".

سلاح من؟ وما طبيعته؟

وتساءل الدكتور سليمان عن طبيعة السلاح المستهدف: "هل هو سلاح منظمة التحرير؟ أم حماس والجهاد الإسلامي؟ أم الجماعات الإسلامية المستقلة؟ هل المقصود السلاح الثقيل أم الفردي المنتشر في كل لبنان؟".

وأكد أن المسألة تفتقر إلى التحديد، وأن السلاح ليس حكراً على الفلسطينيين، في ظل تجاهل رسمي لموضوع سلاح حزب الله، ما يجعل الحديث عن سلاح المخيمات خياراً أسهل للسلطات.

واعتبر أن ما تقوم به الدولة اللبنانية هو استرضاء سريع للجهات الدولية المعنية، مضيفاً: "إذا كانت الدولة تعتبر المخيمات خارج سلطتها، فلتتحمل مسؤوليتها الأمنية. هل المطلوب فقط تفويض أمني من السلطة الفلسطينية؟ هذا طرح غير سليم، ولا يمكن اعتباره حلاً".

عباس يسعى لعزل حماس والجهاد؟

يرى سليمان أن رئيس السلطة محمود عباس قد يكون يسعى من خلال زيارته لعزل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتقديم نفسه كممثل وحيد للفلسطينيين في لبنان. ويشير إلى أن الاتفاق الأخير تم بين "دولة فلسطين" ولبنان، وليس عبر منظمة التحرير، ما يتجاهل لجنة العمل المشترك التي تضم كافة الفصائل، بما فيها حماس.

وبرأي سليمان، فإن "أبو مازن" يحاول تحقيق مكسب سياسي في ظل العزلة التي تعانيها السلطة خلال "طوفان الأقصى"، لكنه لم يقدم أي شيء فعلياً للفلسطينيين في لبنان.

وأشار إلى أن لبنان موقّع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعلى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجميعها مثبتة في مقدمة الدستور اللبناني. ومع ذلك، فإن مقايضة الحقوق تخالف هذه الالتزامات الدولية وتعمّق التهميش.

وشدد على أن هناك دائماً محاولة لتصوير الفلسطينيين كمصدر تهديد، والمخيمات كجزر أمنية معزولة، بينما الواقع مختلف تمامًا. وقال: "إذا كانت المقاربة أمنية فقط دون معالجة الحقوق، فإنها ليست حلاً".

الناطور: الحقوق لم تكن يوماً على طاولة التفاوض الجدي

من جهته، قال سهيل الناطور، أمين سر اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين في لبنان، إن مسألة الحقوق لم تكن مطروحة في أي مفاوضات جدية بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية، سواء في أوقات التوتر أو الهدوء.

وأضاف: "الحقوق مطلب تاريخي منذ عام 1948، وخاصة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. أما ما تغير فقط، فكان التبدل في مفهوم العلاقات السياسية والدبلوماسية بين منظمة التحرير والدولة".

وقال: "لا يوجد بالإجماع العربي سوى الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً، وعندما تطور ذلك إلى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية، أعتقد أنه لا يوجد نقاش حقوقي جدّي في أي مفاوضات مع النظام اللبناني".

وانتقد الناطور النظام القانوني اللبناني القائم على نموذج فرنسي الطابع، يستخدم عبارات حقوقية عامة، لكنه يُطبق بشكل متباين تبعاً للمناطق والفئات والطوائف، موضحاً: "كلما حاول طرف لبناني دعم حق للفلسطينيين، يقابل بردّ فعل من طرف آخر يطالب بحقوق أكبر، فيُجمَّد الملف بأكمله".

وأشار إلى أن الفلسطينيين كانوا يتمتعون بحق التملك منذ 1948، لكن هذا الحق سُحب في عهد رفيق الحريري، تحت عنوان "الخوف من التوطين"، بهدف إرضاء بعض القوى المسيحية وتحييد الموقف السوري. وأضاف: "البيت الذي يسكنه فلسطيني منذ 70 عاماً أصبح يعد توطيناً، وهذه مفارقة تكشف كيف يستعمل الحق كأداة سياسية داخلية لا علاقة للفلسطينيين بها".

هل من بوادر لتغيير النهج؟

ويرى الناطور أنه لا توجد بوادر فعلية لتغيير سياسة الدولة اللبنانية تجاه الفلسطينيين، لا من الناحية السياسية ولا الأمنية. لكن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، هناك إشارات مشجعة، مثل عدم ملاحقة الفلسطينيين العاملين في منطقة صور من قبل وزارة العمل.

وأشار إلى أن تعقيد ملف اللاجئين لا يقتصر على القوانين، بل يشمل التوزيع الجغرافي والديموغرافي للمخيمات، مؤكداً أن بعض الفلسطينيين، مثل سكان مخيم الضبية، حصلوا على الجنسية وفقاً للتقسيم الطائفي، ما يسلط الضوء على التناقضات العميقة داخل الدولة اللبنانية نفسها.

وختم الناطور بالقول: "نطالب بحقوقنا الاجتماعية والاقتصادية كما يعامل الفلسطينيون في الدول العربية الأخرى، مع الحفاظ على صفة اللجوء وبطاقة الهوية الفلسطينية، لأننا متمسكون بحق العودة".

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد