تغيب مظاهر استقبال عيد الأضحى المبارك كما تختفي البهجة تماماً من على وجوه أبناء قطاع غزة الذين يعيشون على وقع مجازر الإبادة "الإسرائيلية" المستمرة للسنة الثانية على التوالي، إلا أن ذلك لم يمنع المئات من الفلسطينيين من أداء صلاة العيد فوق ركام المنازل والمساجد التي دمرها القصف "الإسرائيلي" وبين خيام النزوح.
وفي مثل هذا اليوم من كل عام، قبل حرب الإبادة كانت تتجلى مظاهر عيد الأضحى المبارك في ذبح الأضاحي وتوزيعها على الأهالي والأقارب كطقس ديني يكاد لا يخلو منه كل بيت في القطاع اتباعاً للسنة النبوية، إلا أن حرب التجويع والإبادة جعلت أكثر من مليوني يكابدون مجاعة قاسية ويقاسون من أجل تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة التي لا يأمنوا حتى الحفاظ عليها في ظل المجازر المروعة المتكررة بحق المدنيين العزّل.
مناطق لم تشهد حتى صلاة العيد
بعض المناطق في قطاع غزة لم تشهد أي مظاهر للعيد حتى الصلاة لم يتمكن من أدائها الفلسطينيون بسبب توسيع جيش الاحتلال عملياته العسكرية هناك، ودمرت جميع مساجدها و95% من سكانها صاروا في منطقة المواصي عقب نزوجهم المتكرر بفعل أوامر الإخلاء "الإسرائيلية".
وكان جيش الاحتلال قد دمر أكثر من 800 مسجد فيما تضرر 270 مسجداً تضرر بشكل كلي جراء القصف المتواصل وتدمير كافة مرافق الحياة في قطاع غزة وفقاً لوزارة الأوقاف الفلسطينية.

ويخلو قطاع غزة هذا العام تحديداً بشكل شبه كامل من الأضاحي في ظل منع الاحتلال إدخال المواشي منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، علاوة على استهداف مزارع المواشي والأراضي الزراعية خلال الأشهر الماضية، ما فاقم أزمة الغذاء الحاصلة في القطاع المحاصر وفقاً لوكالة الأناضول.
فلسطينيون لا يجدون قوت يومهم
السيدة نبيلة مثال على مئات آلاف الأمهات اللواتي يستقبلن العيد في قطاع غزة وسط المجاعة في خيام النزوح ولا يستطعن توفير حتى لقمة الطعام لأبنائهن فضلاً عن مستلزمات العيد التي صارت حلماً مستحيل التحقق.
تعبر السيدة نبيلة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن محاولتها تلبية أمنية ابنتها بالحصول على حذاء جديد مع اقتراب عيد الأضحى، لكنها لم تستطع أن تقول لها: "لا يوجد عيد" كونها طفلة مثل باقي أقرانها تتطلع للفرح بالعيد مشيرة إلى أنها كانت تحلم بشراء ملابس لأبنائها، لكنها رغم الظروف المأساوية التي تعيشها، لم تستطع تحقيق ذلك.
وقالت نبيلة: "أنا أم لخمسة أطفال وعدد أفراد الأسرة سبعة، نعيش في أوضاع سيئة للغاية في غزة، حيث نعاني من مجاعة غير مسبوقة تفوق التصور".
وعقب سلسلة طويلة من رحلة النزوح من جنوب القطاع، عادت نبيلة مع عائلتها إلى مدينة غزة ونصبت خيمة في حي الشجاعية بمدينة غزة على أمل الاستقرار وسط الركام والدمار، قائلة: "ظننا أننا سنعيش بسلام وأمان، لكن بعد استئناف القصف اضطررنا للنزوح مرة أخرى إلى حي الرمال".
ليست نبيلة وحدها من تعاني بل زوجها هو الاخر تعرض لإصابة شديدة أدت إلى شلل نصفي، مما جعله عاجزاً عن إعالة الأسرة، وزاد من معاناتهم خلال الحرب.
وحول توفير الطعام والشراب تقول نبيلة: "لا يوجد ما نأكله، كنا نشتري المعكرونة ونفطر بها، لكن مع ارتفاع أسعار نصف كيلو المعكرونة إلى 35 شيقل و70 شيقل لكيس الطحين، أصبحنا نأكل العدس الذي نطحنه ونخبزه، رغم طعمه غير المقبول، فقط لإسكات جوع الأطفال".
قطاع غزة يواجه أسوء أزمة إنسانية على الإطلاق
وفي مايو/أيار الماضي، أصدرت 80 دولة بيانًا مشتركًا موجهًا إلى الأمم المتحدة، حذّرت فيه من أن قطاع غزة يواجه "أسوأ أزمة إنسانية" منذ بدء الإبادة الجماعية، مشيرة إلى أن المدنيين في القطاع يواجهون خطر المجاعة المتسارعة. ورغم دخول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية، أكدت حركة "حماس" أن ما تم إدخاله لا يتجاوز الحد الأدنى المطلوب لتلبية احتياجات السكان السنوية.
في المقابل، تواصل "إسرائيل" ترويج رواية مضللة تزعم سماحها بإدخال المساعدات، بينما تشير التقارير الميدانية إلى أن ما دخل فعليًا لا يتجاوز 1% من الاحتياجات الأساسية.
وبحسب بيانات المكتب الحكومي في غزة، فإن القطاع بحاجة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة مساعدات غذائية وطبية وإغاثية يوميًا، بالإضافة إلى 50 شاحنة وقود، لتجنّب الانهيار الإنساني الكامل في ظل تفاقم المجاعة.
وأمام هذه الأزمة الإنسانية تتصاعد التحذيرات الدولية من منظمات الإغاثة وهيئات الأمم المتحدة من خطورة انتشار مجاعة غير مسبوقة وإصابة عشرات الآلاف بسوء التغذية منذ أن أغلقت "إسرائيل" المعابر الحيوية ومنعت دخول المساعدات والمستلزمات الطبية في 2 آذار/ مارس الماضي.