يعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيم برج البراجنة جنوبي بيروت، كغيرهم من سكان سائر المخيمات الفلسطينية في لبنان، واقعا معيشيا بالغ القسوة فرض عليهم منذ الانهيار الاقتصادي الذي ضرب البلاد أواخر العام 2019، يضاف إلى ذلك الحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية، واستمرار حصارهم ضمن مربعات جغرافية محدودة. وتشهد هذه المخيمات تراجعا تدريجيا ومقلقا في الخدمات الإغاثية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مما يهوي بأمنهم المعيشي أكثر فأكثر، وسط غياب الحلول، ما يهدد بانفجار اجتماعي، حسبما يعبر الأهالي.
وفي ظل هذا الواقع، بات من الصعوبة الشديدة على غالبية العائلات في المخيم تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، وسط ارتفاع أسعار السلع الرئيسية كالخبز والحليب والخضروات، التي أصبحت بمثابة "الضربة القاضية" لمعيشتهم، كما وصفها عدد من الأهالي في حديثهم لموقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
ورصد "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" بعض الحالات داخل مخيم برج البراجنة، التي عبرت عن استيائها من الواقع المعيشي القاسي، ومن الارتفاع الفاحش في أسعار السلع والغلاء غير المبرر، مؤكدين أنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في شراء مستلزماتهم اليومية، وسط مطالب لا تتوقف لوكالة "أونروا" والفصائل الفلسطينية والجمعيات الإنسانية بإيجاد حلول عملية تساعد اللاجئ الفلسطيني على العيش بكرامة، ريثما تتحقق العودة إلى فلسطين.
أنيسة الصالح: "75% من راتب زوجي يذهب للفواتير... فكيف نعيش؟"
اللاجئة الفلسطينية أنيسة الصالح، القاطنة في المخيم، قالت إن زوجها يعمل في إحدى الشركات خارج المخيم ويتقاضى راتبا قدره حوالي 450 دولاراً، إلا أنه لم يعد قادرا على تأمين احتياجاتهم اليومية. وأشارت إلى أن إيجار المنزل، وفاتورة اشتراك الكهرباء، وفاتورة الإنترنت والمياه، تستهلك 75% من راتب زوجها، متسائلة: "فكيف لنا أن نعيش كباقي الناس؟".
واستهجنت الصالح الارتفاع غير المبرر في أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والحليب والحفاضات والخضروات، قائلة: "أحتاج كل يوم بمعدل 10 دولارات لتحضير طبخة، يعني أننا نصرف شهريا 300 دولار على الطعام والشراب، وفي منتصف الشهر يبدأ زوجي بالبحث عمن يقرضه المال حتى نكمل الشهر، وهذا إن وجد من يقرضه".
أستحي وأخجل من أولادي إذا طلب أحدهم شراء لعبة أو سندويشة"
وأضافت: "نعيش حياة صعبة، كل يوم بيومه، بين الترقب والخوف من مستقبل مجهول. لدي 3 أطفال، وجميعهم مقبلون على عام دراسي يحتاجون فيه إلى ملابس وقرطاسية ومصروف، ونحن لا نستطيع شراء هذه الأشياء، وهو ما يهدد عامهم الدراسي، وقد لا يلتحقون بالمدرسة بسبب عجزنا المادي".
وتابعت: "أستحي وأخجل من أولادي إذا طلب أحدهم شراء لعبة أو سندويشة من مطعم. هؤلاء أطفال لا يمكن أن تقول لهم (لا). أنام كل ليلة، وأنا أذرف الدموع على حالنا ووضعنا. نأمل أن يتحسن وضعنا، وأن تنظر إلينا الجمعيات، أو أونروا حتى نعيش كباقي البشر".
وختمت بالقول: "لك أن تتخيل أن عيد الأضحى مر من دون أن أقدم لأولادي العيديات، ولم نستطع شراء اللحم أو أخذهم في نزهة كباقي الأطفال".
عبد الله بريق: "كنا نعيش من الدكان... اليوم بالكاد نؤمن لقمة العيش"
أما عبد الله بريق، الذي يملك دكانا قرب مستشفى حيفا يبيع فيها السكاكر والبقوليات، فقال لموقعنا، إن القدرة الشرائية للناس أصبحت معدومة: "لم يعد الحال كما كان منذ ارتفاع الدولار وغلاء السلع. أصبح الشراء عملة نادرة في مخيمنا".
وتابع بريق: "هذه الدكانة كانت تسترني أنا وعائلتي، وكنا نعيش منها، لا نحتاج أحدا. أما الآن، بالكاد نستطيع تأمين قوت يومنا، بل إننا في بعض الأشهر نقع في العجز والخسارة"، مشيرا إلى أنه لا يستطيع شراء اللحم أو الدجاج إلا في حالات نادرة.
وأضاف: "وضعنا تدهور بعد توقف الحركة الاقتصادية داخل المخيم. كل اللاجئين تقريبا لا يملكون المال، وعندها تتوقف الدورة الاقتصادية، لأننا هنا في المخيم نقوم باستنفاع بعضنا البعض".
وأوضح: "قبل الأزمة، كان الناس يشترون من بعضهم البعض، وكان السوق يتحرك وتتنامى القدرة الشرائية. أما الآن، فمعظم الناس يتفرجون داخل المحلات، دون أن يشتروا. أصبح الحال صعبا للغاية"
وأشار إلى أن أجور الناس داخل المخيم ضئيلة، بسبب ارتفاع الدولار، الذي رفع أسعار السلع أضعافا. وتابع: "عندما كانت العملة لها قيمة، كانت العائلة تشتري أغراضها بعشرة آلاف ليرة لبنانية (لبنة، لبن، بيض، خبز، طحينة)، أما الآن فلا تكفي حتى لشراء علكة صغيرة".
وختم بالقول: "الدولة اللبنانية هرولت إلى نزع سلاح المخيمات، ونسيت أن أرواحنا تنتزع كل يوم جراء الفقر والجوع والحرمان. أريد منهم أن يهتموا بحقوقنا في العمل وحق التملك، لكي يستطيع اللاجئ الفلسطيني أن يتنفس، ريثما يعود إلى وطنه فلسطين".
سعاد عطعوط: "مصروف الحليب والحفاضات جنوني"
أما اللاجئة سعاد عطعوط، التي أنجبت مولودا منذ حوالي شهرين، فتقول إن تكلفة الحليب والحفاضات ارتفعت بشكل مضاعف منذ ولادة طفلها، موضحة: "لم أعد قادرة على شراء الحليب، خاصة أن طفلي لا يرضع طبيعيا. أنا بحاجة كل أسبوع إلى عبوتين من الحليب، وسعر العبوة وصل إلى 750 ألف ليرة، يعني أنني بحاجة شهريا إلى نحو 60 دولارا للحليب فقط. كما أن الحفاضات أيضا زاد سعرها بشكل كبير"، واصفة الوضع بالجنون.
وتابعت: "زوجي عامل بناء، يوميته تصل إلى 20 دولارا، لكنه يعمل أياما متقطعة حسب توافر الورش، ما دفعه للعمل في خدمة التوصيل (ديليفري) على دراجته النارية خارج المخيم، حتى نتمكن فقط من شراء الحليب والحفاضات".
وطالبت العطعوط من الجهات المعنية الالتفات إلى أوضاع الناس داخل المخيمات، وبالأخص وكالة "أونروا"، قائلة: "في الآونة الأخيرة تراجع دورها، وبدأت تقدم لنا مواد عينية ذات جودة رديئة، ينقصها الحليب والمواد الأساسية".
وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يتساءل اللاجئ الفلسطيني في لبنان: إلى متى سيبقى متروكا يواجه وحده الأزمات الاقتصادية والاجتماعية دون عون أو مساعدة، بينما يلوح في الأفق شبح انفجار اجتماعي قد لا يستطيع أحد احتوائه، ما لم يتم التدخل العاجل والفعال من قبل "أونروا"، والفصائل الفلسطينية، والجمعيات الإنسانية، وكل الجهات المعنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.