بين الأزقة الضيقة، والمنازل المتلاصقة، يخوض طلاب الثانوية العامة (التوجيهي) في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن معركتهم المصيرية نحو مستقبل يأملونه، رغم ما يحيط بهم من تحديات اجتماعية واقتصادية وتعليمية معقدة ترافق الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون في ظل مستقبل غير معلوم.
في مخيم البقعة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لا تتعدى مساحة غالبية البيوت 90 مترًا مربعًا، حيث يعيش الطلبة حالة من التوتر والضغط النفسي الكبير، فهم مضطرون لتقاسم الغرف مع إخوتهم، وفي كثير من الأحيان لا يجدون مكانًا هادئًا للدراسة، ما يدفع بعضهم إلى الدراسة في الممرات أو على الأسطح، وفق ما يقول عضو لجنة خدمات مخيم البقعة هيثم اسعيد.
وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، يحقق العديد من الطلاب في المخيم كل عام معدلات مرتفعة، في مشهد يعكس قوة الإرادة والعزيمة، كما يؤكد هيثم اسعيد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، مضيفاً أن الأهالي، رغم ضيق الحال، يحاولون تهيئة جو دراسي مناسب قدر الإمكان لأبنائهم، وتقديم ما يستطيعونه لدعمهم نفسياً ومعنوياً.
يشير اسعيد إلى أن أبرز التحديات التي تواجه طلاب التوجيهي داخل المخيمات هو الضعف العام في مادة اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية.
اللغة الانجليزية ورقمنة التعليم أبرز التحديات
ويعزو عضو اللجنة الشعبية هذا الضعف إلى عوامل عدة، منها غياب المراكز التعليمية بأسعار مناسبة داخل المخيم، وارتفاع تكلفة الدروس الخصوصية أو بطاقات المراجعة، الأمر الذي يثقل كاهل العائلات التي تعاني أصلًا من ظروف اقتصادية صعبة.
ويوضح أن الطالب أحيانًا يكون محظوظًا بوجود معلم متمكن يساعده، لكن كثيرين يُتركون في مواجهة امتحان حاسم بمحتوى دراسي محدود ودعم ضعيف.
إلى جانب هذه المشكلة تحدث اسعيد عن أزمة حقيقية فرضها التحول الرقمي في العملية التعليمية فمع اعتماد التعليم الحديث على الإنترنت والوسائط الإلكترونية، صار امتلاك لابتوب أو هاتف ذكي واتصال إنترنت قوي من الضروريات، وهو أمر يصعب تحقيقه في كثير من بيوت المخيمات.
ويقول عضو اللجنة: "الوضع الاقتصادي في المخيم مأزوم، ومعظم الأسر تكافح لتأمين الاحتياجات الأساسية، فكيف لها أن توفر لابتوب أو اشتراك إنترنت جيد؟"، مشيرًا إلى أن هذه الفجوة الرقمية تحرم الطلبة من التفاعل مع المنصات التعليمية، والامتحانات التجريبية، والمراجعات التفاعلية.
كل هذه العوامل تضاعف التوتر النفسي الذي يشعر به الطلاب من اللاجئين الفلسطينين في الأردن في هذه المرحلة الحساسة، كون امتحان التوجيهي يمثل انتقالًا مصيريًا من مقاعد المدرسة إلى الجامعة، وتبقى هذه المرحلة محفوفة بالخوف والقلق، في ظل غياب الدعم النفسي والتربوي، الذي من المفترض أن يرافق الطالب في رحلته الدراسية.
تقليص خدمات "أونروا" أزمة إضافية
ورغم كل هذه التحديات، تتكرر قصص التفوق في المخيمات، حيث يثبت الطلاب أن الأمل لا يتوقف عند جدران ضيقة، ولا تعيقه المعيقات المادية إلا أن هذه النجاحات الفردية لا تعفي الجهات الرسمية والدولية من مسؤوليتها، إذ يبقى السؤال الملّح: هل من الممكن توفير بيئة تعليمية أكثر عدالة لهؤلاء الذين يطاردون أحلامهم في أضيق المساحات.
ويواجه قطاع التعليم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن تدهورًا متسارعًا نتيجة تقليص خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهو ما ترك أثرًا بالغًا على البنية التعليمية.
فقد أدى نقص التمويل إلى تقليص أعداد المعلمين، ودمج الصفوف، وتقليل عدد الحصص، ما أثر مباشرة على جودة التعليم المقدَّم للطلاب، وخاصة في المراحل الحاسمة مثل التوجيهي. كما أن غياب البرامج اللامنهجية ومراكز الدعم التربوي والنفسي في مدارس الوكالة زاد من ضعف التحصيل العلمي، وأفقد الكثير من الطلاب القدرة على تعويض النقص في المناهج أو الفهم العميق للمحتوى الدراسي.
ويعبّر كثير من الأهالي عن قلقهم من هذا التراجع، مؤكدين أن التعليم، الذي طالما كان أحد أهم سبل التمكين داخل المخيمات، صار اليوم مهددًا بفعل الإهمال والتقليصات المستمرة.