أمر قاضٍ فدرالي أميركي، يوم الجمعة 21 حزيران/يونيو، بالإفراج عن الطالب والناشط الفلسطيني محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من احتجازه في مركز للهجرة بولاية لويزيانا، على خلفية نشاطه الطلابي المناهض لحرب الإبادة "الإسرائيلية" على غزة.
وغادر خليل مركز الاحتجاز في مدينة جينا، مرتديًا الكوفية الفلسطينية، بعد ساعات من صدور قرار القاضي، وسط ترحيب واسع من منظمات حقوقية وناشطين سياسيين، اعتبروا الإفراج عنه صفعة لمحاولات إسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأميركية.
وفي بيان مؤثر، قالت نور عبد الله، زوجة خليل وطبيبة الأسنان المولودة في ميشيغان، والتي أنجبت طفلهما الأول خلال فترة احتجازه: "بعد أكثر من ثلاثة أشهر، يمكننا أخيرًا أن نتنفس الصعداء، ونعلم أن محمود في طريقه إلى منزله. هذا الحكم لا يعالج الظلم الذي ألحقته إدارة ترامب بعائلتنا، لكنه خطوة نحو العدالة."
وكانت السلطات الأميركية قد اعتقلت خليل في 8 آذار/مارس من سكنه الجامعي في مانهاتن، بعد أن أصبح أحد أبرز قادة الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب على غزة، التي اجتاحت الجامعات الأميركية ردًا على الهجمات "الإسرائيلية" المكثفة على المدنيين في القطاع.
ونقل خليل بعد اعتقاله إلى مركز احتجاز في لويزيانا، على بعد نحو ألفي كيلومتر من منزله في نيويورك، تمهيدًا لترحيله. واستندت الحكومة الأميركية إلى قانون قديم يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، يتيح لوزير الخارجية ترحيل الأجانب إذا اعتُبر وجودهم تهديدًا للسياسة الخارجية، من دون الحاجة إلى مراجعة قضائية.
وبحسب الوثائق الرسمية، لجأ وزير الخارجية ماركو روبيو إلى هذا القانون لتبرير احتجاز خليل، مدّعيًا أن حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي لا تنطبق على الأجانب، وأن قراراته في هذا السياق غير قابلة للطعن. كما زعمت الحكومة وجود أخطاء في طلب خليل للحصول على الإقامة الدائمة كمبرر إضافي لاستمرار احتجازه.
إلا أن القاضي الفدرالي مايكل فاربيارز أصدر الأسبوع الماضي قرارًا يؤكد أن الاحتجاز القائم على ادعاءات روبيو يفتقر إلى أي أساس قانوني، وأن الحكومة لا تملك الحق في ترحيل خليل لمجرد معارضته لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
من جهته، رحّب أمول سينها، المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية في نيوجيرزي، والذي مثّل خليل إلى جانب منظمات حقوقية أخرى، بقرار المحكمة، قائلاً: "هذه خطوة مهمة في سبيل الدفاع عن حقوق السيد خليل، وفي مواجهة الاستهداف غير القانوني من قبل الحكومة الفدرالية بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين."
وكانت إدارة ترامب قد أطلقت حملة واسعة لإلغاء تأشيرات طلاب أجانب لأسباب شتى، من بينها كتابة مقالات رأي أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، في سياق ما وصفه مراقبون بأنه حملة لقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين تحت ذريعة محاربة "معاداة السامية".
ومنذ اعتقاله، تحوّل محمود خليل إلى رمز لحركة طلابية صاعدة في الجامعات الأميركية، تقود احتجاجات ضد الحرب "الإسرائيلية" على غزة، وتطالب بوقف الدعم العسكري لـ"إسرائيل". وقد أثار احتجازه موجة استنكار واسعة في الأوساط الحقوقية والأكاديمية، وسط تحذيرات من تصاعد الملاحقات السياسية بحق النشطاء الفلسطينيين والداعمين لهم داخل الولايات المتحدة.
تضامن واسع ومعركة لم تنتهِ بعد
كان أكثر من 600 ألف شخص قد وقعوا عريضة تطالب بالإفراج عنه، فيما وجّه 14 نائبًا في الكونغرس الأميركي رسالة احتجاج إلى وزارة الأمن الداخلي. كما تصدّرت قضيته تغطية وسائل إعلام بارزة مثل The Guardian وThe Independent وAl Jazeera وDemocracy Now!، بوصفها نموذجًا صارخًا لاستهداف الصوت الفلسطيني في المؤسسات الغربية.
وبينما يعود خليل اليوم إلى منزله، يستمر الجدل في الأوساط القانونية والسياسية حول شرعية استخدام قوانين قديمة لقمع الحريات الأكاديمية والسياسية، في وقت تتزايد فيه حملات التضامن مع فلسطين في الجامعات الأميركية وحول العالم.
ورغم قرار الإفراج، لا تزال إجراءات الترحيل قائمة قانونيًا. ويواصل فريق الدفاع بقيادة أمول سينها معركته القانونية لإسقاط القرار بشكل نهائي ومحاسبة الجهات التي سعت إلى إسكات خليل باسم القانون.
وقد عاد محمود خليل إلى نيويورك ليلتحق بزوجته وابنه للمرة الأولى، موجّهًا رسالة مؤثرة إلى المتضامنين قال فيها:"صوتكم أنقذني من الظلم. نحن أقوى حين نتكلم، حين نواجه، حين لا نخاف أن نكون مع فلسطين حتى النهاية."