في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، تتراكم الأزمات فوق أكتاف السكان منذ سنوات، لتجعل من الحياة اليومية معركة حقيقية من أجل الاستقرار، فالمياه التي يستخدمونها مالحة وملوثة، فضلًا عن انقطاع الكهرباء المزمن، ومشاريع فاشلة أنهكت الناس ماليًا وصحيًا، دون أن تلوح في الأفق بوادر لحل جذري، في ظل غياب التنسيق وتضارب المسؤوليات بين "أونروا" والبلديات والجهات المانحة.

منذ صيف عام 2015، بدأت أزمة المياه في المخيم تتصاعد وتتعمق إلى حد بعيد، ما بات يؤثر في حياة السكان بشكل فاقع، ويستعرض أمين سر اللجان الشعبية في الشمال أحمد غنومة جذور الأزمة قائلا: "بدأت المشكلة حين تراجع منسوب المياه في الآبار المغذية للمخيم، وبدلا من تقليص ساعات الضخ، اختارت الأونروا تعميق الآبار، ما أدى إلى سحب مياه مالحة وملوثة".

IMG-20250621-WA0098.jpg

ويتابع غنومة: "تم تنفيذ مشروع لحل الأزمة بتمويل من عدة جهات دولية، لكن التنفيذ كان كارثيا. تم حفر بئر على عمق أكثر من 700 متر، علقت فيه أدوات الحفر. ثم أعيدت المحاولة في بئر ثان بنفس النتيجة. المشروع كلف حوالي مليون دولار، ولم يوفر نقطة ماء واحدة صالحة للشرب".

وشدد غنومة على أن الأهالي دفعوا الثمن من صحتهم وأموالهم، مؤكدًا أن الوكالة استمرت في ضخ المياه الملوثة رغم تحذيرات الخبراء، وقال: "نطالب بتحقيق جدي، واسترجاع الأموال، وتعويض المتضررين، فهذا عبث بأرواح الناس".

وعن موقف اللجان الشعبية، أوضح غنومة لبوبة اللاجئين الفلسطينيين: أن الأهالي محقون في تحميلها المسؤولية لتصديقها وعود "أونروا" المتكررة: "نحن نتمسك بالأونروا لأنها الجهة المسؤولة عن إغاثة وتشغيل اللاجئين إلى حين عودتنا إلى وطننا، لكن ذلك لا يعني أننا نقبل أن يمارس الظلم على أبناء شعبنا. المطلوب أن تسارع الأونروا إلى حل أزمة المياه الملوثة والمالحة في مخيم نهر البارد".

أما على صعيد الكهرباء، فلا تقل الأزمة وطأة، فـساعات التغذية لا تتجاوز أربع ساعات يوميًا، ما يدفع الأهالي إلى الاعتماد على اشتراكات المولدات الخاصة، إلا أنّ الغالبية العظمى من السكان لا يمكنهم الاشتراك بأكثر من 1 أمبير، في ظل غياب تام للرقابة على الأسعار.

ويصف اللاجئ عبد الكريم طيار واقع الحياة اليومية لموقعنا قائلًا: "الانقطاع المتكرر للكهرباء أصبح واقعًا يوميًا يعيق الحياة، لا يمكننا تشغيل البرادات، أو أجهزة التبريد، وحتى العيادات تعاني. أما المياه المالحة، فتؤثر في الصحة العامة، وتجبر الناس على شراء مياه باهظة الكلفة".

ويتابع: "لا توجد خطة طوارئ من الأونروا، والبلديات إمكانياتها محدودة والتنسيق غائب تمامًا. الوضع يترك آثارًا نفسية واقتصادية واجتماعية خطيرة".

IMG-20250621-WA0099.jpg

شهادات من المخيم: حياة متعثرة وأعباء مضاعفة

اللاجئة أم سليم مصطفى تسرد مشهدًا من يوميات الحياة تحت هذه الظروف: "في ناس عندها طاقة شمسية، فما بتتأثر كتير، بس هالطاقة كثير غالية. اللي عنده اشتراك عم يدفع فوق طاقته، واللي ما عنده عم يعيش بالعتمة. الكهرباء بتجي 4 ساعات متفرقة، يعني ما بنلحق نغسل أو نطبخ أو نعمل شي".

وعن أزمة المياه تضيف: "المي عندي دالعة، بس عند أهلي مالحة. المي بتخرب الشعر، والملابس كمان. حتى بالمخيم القديم رجعت المي مالحة أكتر من قبل".

من جانبه، يؤكد الناشط محمد أبو قاسم أن المياه المالحة لا تفسد الأدوات المنزلية فقط، بل تؤثر على صحة الناس مباشرة، ويقول: "المياه المالحة تؤدي إلى صدأ الأدوات الصحية والمطبخية، وتضر البشرة والجلد، وهناك حالات حساسية تتفاقم يومًا بعد يوم، والوضع الصحي مهدد".

ويتابع: "أزمة الكهرباء تزيد من صعوبة ضخ المياه، لأن مواعيد الضخ لا تتزامن مع توفر الكهرباء. هناك عائلات لا تستطيع تركيب طاقة شمسية ولا حتى دفع اشتراك بسيط، والمخيم مكتظ، وفي الصيف يتحول إلى فرن".

ويشير إلى أن "الكهرباء لا تصل إلا 4 ساعات يوميًا، مقسمة بين النهار والليل، وهذه الأزمة عامة في لبنان، لكننا في المخيم نعاني أكثر بسبب الأعطال المتكررة في محطة الكهرباء المحلية".

ويختم أبو قاسم بمناشدة واضحة: "نطالب الدولة والأونروا بزيادة ساعات الكهرباء إلى 12 ساعة على الأقل، لأن الوضع لا يحتمل. هذا سيخفف كثيرًا من معاناة الناس".

بين اليأس والضغط الشعبي: انتظار الحلول لم يعد ممكنًا

يواصل اللاجئون في نهر البارد الضغط باتجاه حلول ملموسة، حيث قال أحمد غنومة: إن جهات مانحة أبدت استعدادًا للمساعدة بشرط أن يتم التنفيذ عبر "أونروا"، مؤكدًا أن الأهالي بانتظار لقاء قريب مع مسؤولي الوكالة، مطالبين بحلول سريعة وعملية تحفظ كرامة الناس وحقوقهم.

وأمام هذه الأزمات المتشابكة، يقف سكان مخيم نهر البارد في مواجهة يومية مع الخطر الصحي والضغط الاقتصادي والنفسي. فمطالبهم لم تعد ترفا، بل ضرورة لإنقاذ حياة تستنزف قطرة قطرة وساعة تلو ساعة، ولسان حالهم يقول: نريد مياها صالحة للشرب، وكهرباء تكفي لنعيش بكرامة، فالانتظار لم يعد خيارا، والتجاهل لم يعد مقبولا، والمعاناة بلغت حدا لا يحتمل.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد