يعاني اللاجئون الفلسطينيون في مخيم شاتيلا بالعاصمة اللبنانية بيروت من تدهور مستمر في الخدمات الصحية، وسط غياب شبه تام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تراجعت بشكل ملحوظ عن أداء دورها الأساسي في تقديم الرعاية الصحية، ما دفع اللاجئين للاعتماد على جمعيات ومؤسسات أهلية رغم تواضع إمكانياتها.
موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين رصد شكاوى متعددة من أهالي المخيم، الذين عبّروا عن صعوبة الحصول على العلاج اللازم، والعقبات التي تواجههم عند محاولاتهم دخول المستشفيات اللبنانية.
أدوية مفقودة وارتفاع اسعار الاستشفاء
تصف اللاجئة الفلسطينية في المخيم ناريمان عزوقة الوضع الصحي بأنه "متردٍ للغاية"، حيث لا يتوفر من الأدوية سوى مسكن "السيتامول"، وبعض أدوية الضغط، وللأطفال "البانادول" وخافض الحرارة، مشيرة إلى أن أي دواء آخر يُضطر الأهالي إلى شرائه من خارج العيادة، وفي حال تعذُّر العثور عليه، يلجؤون إلى البدائل الأقل فعالية التي تنتجها الشركات السورية.
وتضيف عزوقة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أسعار الأدوية مرتفعة جداً، وبعض الصيادلة يحتكرون الأدوية. أعاني من تكلّس في الرقبة واضطررت لشراء دواء سوري لكنه لم ينفعني، وشقيقي مصاب بضعف حاد في عضلة القلب وتعمل بنسبة 15% فقط، وتصل تكلفة علاجه الشهري إلى 250 دولاراً، ولا تغطي الأونروا أي جزء من هذه النفقات".
من جهتها، تشير اللاجئة ابتسام سعيد إلى أنها لم تحصل على دواء الضغط من عيادة "أونروا" للشهر الثاني على التوالي، ولا تملك القدرة على شرائه بسبب تردي وضعها المادي.
وتوضح أنها بحاجة لإبرة لعلاج ألم الركبة تبلغ كلفتها 290 دولاراً، وهو مبلغ يتعذر عليها تأمينه، قائلة: "أنا وحيدة وليس لدي معيل، يمكنني التوقف عن تناول الدواء مؤقتاً، لكن كيف لكبار السن أن يتحملوا؟"
ابتسام تلجأ إلى أطباء خارج المخيم، تتراوح كشفياتهم بين 50 دولاراً وأحياناً أكثر، ما يدفعها إلى اختيار الأطباء ذوي الأجور الأقل، وتقول: إن الوضع الصحي "تدهور بنسبة 99% بعد الحرب على غزة"، وتروي حادثة احتاجت فيها منذ أسبوع إلى دواء لالتهاب الأسنان ولم تجده في عيادة "أونروا"، فاشترته من الخارج بكلفة 700 ألف ليرة لبنانية.
العلاج مشروط والمساعدات تتقلص
الدكتور مصطفى بياسيلي يؤكد أن أبناء المخيم يعانون في تأمين الدواء والعلاج، ويقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين : إن "أونروا" تحوّل المرضى إلى المستشفيات المتعاقدة معها فقط في الحالات القصوى، ما يضطر المرضى إلى "تبرير خطورة حالتهم" للحصول على الموافقة.
ويضيف أن الأدوية الشهرية للمصابين بأمراض مزمنة لم تعد متوفرة كما كانت سابقاً، ومن لا يملك المال يبحث عن الجمعيات أو ينتظر مساعدة من أقاربه في الخارج.
ويحذر بياسيلي من تحول الطبابة في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة ببيروت إلى "تجارة بفعل العشوائية وغياب الرقابة" من اتحاد الأطباء، واللجان الشعبية، و"أونروا"، ويشير إلى أن المساعدة الشهرية التي كانت تصل إلى 50% من كلفة العلاج تقلّصت إلى 30 دولاراً ثم تحولت إلى "كرتونة لا تتجاوز قيمتها 10 دولارات".
عيادات "أونروا" تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات
المهندس ناجي دوالي، أمين سر اللجان الشعبية في مخيم شاتيلا، يؤكد أن هناك فئتين من اللاجئين الفلسطينيين في المخيم: كبار السن الذين يحصلون على الأدوية الشهرية من "أونروا"، وآخرون يضطرون لشرائها من الخارج.
ويشير إلى أن التغطية الجراحية من "أونروا" انخفضت، وبعض العمليات لم تعد مشمولة بسبب الأزمة المالية، ما يضطر المرضى للجوء إلى الجمعيات.
ويقول دوالي: إن "العيادات داخل المخيم تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات وتعاني من نقص شديد في الأدوية، رغم أنها المسؤولة عن الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن بعض المستشفيات الخاصة تشترط دفع المبلغ كاملاً قبل استقبال المرضى.
ويكشف عن خطة طارئة أطلقتها "أونروا" واللجان الشعبية خلال الحرب لتأمين الطبابة والفرش والمنامة، لكن العيادات أُغلقت ونُقل موظفوها خارج المخيم حفاظاً على سلامتهم.
وحذّر دوالي من أن "إغلاق أونروا سيكون كارثياً، إذ إن غياب عمال النظافة ليوم واحد يؤدي إلى تراكم النفايات وانتشار الأمراض"، مضيفاً أن جمعيات مثل "الشفاء" تقدم مساعدات دوائية متقطعة لكنها غير كافية.
أما عن الجمعيات الطبية، يوضح محمود قائد، مسؤول وحدة الإسعاف والطوارئ في جمعية الخدمات الطبية الفلسطينية في بيروت، أن اللاجئين يواجهون صعوبات في الوصول إلى المستشفيات، مشيراً إلى أنه يتم تحويل الحالات الطارئة إلى مستشفيات متعاقدة مع "أونروا" مثل "مستشفى الساحل"، وتُقدم الفواتير لها أو للضمان الاجتماعي.
ويضيف أن العائلات أصبحت مدركة مسبقاً إلى أي مستشفى يمكنها التوجه، لكن في حال كانت الحالة حرجة ونُقلت إلى مستشفى خاص، تصبح الأزمة أكبر، "رأينا مرضى يقفون على أبواب المستشفيات دون أن يُسمح لهم بالدخول لعدم توفر كلفة العلاج".
أما اللاجئة الفلسطينية نهاد مرعي، وهي أرملة، فتروي أنها إذا اضطرت لنقل أحد أبنائها للعلاج لا تملك تكاليف المستشفى، وتقول: "الأونروا من المفترض أن تتكفل بهذه التكاليف، بعض الجمعيات تساعدني ولكن ليس بالمبلغ الكامل، مؤخراً ارتفع ضغطي ولم أمتلك ثمن العلاج فأخبرت أولادي أنني بخير"ـ، وتضيف أن عيادة الوكالة "توزع أدوية غير ضرورية فقط لتسجيل أنها قدمت شيئاً"، بحسب تعبيرها.
مخيم شاتيلا، كغيره من مخيمات الشتات، يشهد تراجعاً كبيراً في الخدمات الصحية، في وقت تعاني فيه "أونروا" من ضغوط مالية وسياسية متزايدة دفعتها إلى تقليص دورها، رغم أنها تُعد الشاهد الأممي الوحيد على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وفي لبنان، يُجبر اللاجئ على العمل لتأمين قوت يومه، وإذا ما أصيب بمرض، يُضطر لصرف كل ما يملك أو العجز عن العلاج، فيما يبقى السؤال الذي يؤرق سكان المخيمات: هل ستبقى "أونروا" تتعامل مع قضية اللاجئ الفلسطيني كأولوية، أم أنها ستواصل الرضوخ للضغوطات الدولية وتقليص خدماتها حتى التلاشي؟