كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، في تحقيق استقصائي موسّع، عن تورّط شركة MBDA، كبرى شركات تصنيع الصواريخ في أوروبا، في تزويد الاحتلال "الإسرائيلي" بمكونات أساسية لقنابل GBU-39، التي يستخدمها جيش الاحتلال في حرب الإبادة على قطاع غزة، وأسفرت عن مقتل مئات المدنيين، بينهم أكثر من 100 طفل، منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

الشركة، المملوكة لثلاث من أكبر شركات السلاح في أوروبا: "Airbus" الفرنسية، و"BAE Systems" البريطانية، و"Leonardo" الإيطالية، تنتج في مصنعها بولاية ألاباما الأميركية "أجنحة موجهة" تركب على قنابل GBU-39 التي تصنعها شركة بوينغ.

وتسمح هذه التقنية بتوجيه القنبلة بدقة إلى هدفها بعد إطلاقها من الجو، ما يجعلها أداة مميتة تستخدم في بيئات مدنية مكتظة.

التحقيق، الذي أنجز بالتعاون مع مؤسستي الصحافة الاستقصائية ديسكلوز وفولو ذا ماني، وثق استخدام هذه القنابل في ما لا يقل عن 24 هجوما على أهداف مدنية بقطاع غزة، بينها مدارس تأوي نازحين، ومخيمات خيام، ومنازل، ومسجد، وجميعها خلفت قتلى مدنيين، بينهم أطفال.

وفي كل حالة من حالات القصف، أكد خبراء الأسلحة أن الشظايا التي عثر عليها تشير إلى قنابل GBU-39، التي يمكن تمييزها بسهولة من تصميم جناحها الخلفي وعلامات المصنع.

ورغم القيود التي أعلنتها الحكومة البريطانية في أيلول/ سبتمبر 2024، حين علّق وزير الخارجية ديفيد لامي 29 ترخيصًا لتصدير أسلحة إلى "إسرائيل"، بحجة وجود "خطر واضح" لوقوع انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، إلا أن التحقيق أكّد أن هذه القيود لا تشمل الفروع الأجنبية للشركات البريطانية، ما يعني استمرار توريد شركة MBDA عبر مصنعها في الولايات المتحدة، دون عوائق قانونية من لندن أو بروكسل.

وبحسب التحقيق، فإن أرباح MBDA Inc (الفرع الأميركي) تمرّ عبر فرع الشركة في المملكة المتحدة، قبل أن تحول إلى المجموعة الأم في فرنسا.

واستنادا إلى البيانات المالية لعام 2024، بلغت إيرادات المجموعة 4.2 مليار جنيه إسترليني، فيما وزعت أرباحا قدرها 350 مليون جنيه إسترليني على مساهميها الثلاثة.

توثيق مجازر ضد الأطفال باستخدام تلك القنابل

وكشف التحقيق أنّ أول هجوم موثّق باستخدام قنبلة GBU-39 يعود إلى 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عندما استهدف مخيم البريج وسط قطاع غزة، ما أسفر عن ارتقاء 15 شخصًا على الأقل، بينهم تسعة أطفال، وازداد عدد الضحايا في الأيام التالية.

وتكررت الهجمات على مدارس كانت تؤوي نازحين، منها مدرسة فهمي الجرجاوي بمدينة غزة، التي قصفت في 26 أيار/ مايو 2024، بقنبلة اخترقت السقف، وأشعلت حريقًا أودى بحياة 36 شخصًا، نصفهم من الأطفال.

في الهجوم ذاته، نجت الطفلة حنين الوادي (5 سنوات) بأعجوبة، لكنها أصيبت بحروق خطيرة، وفقدت والديها وشقيقتها. وأظهرت مقاطع مصوّرة لحظات الرعب والدمار، فيما أكّد شهود عيان أن القصف وقع دون سابق إنذار.

وفي الليلة نفسها، تعرّض معسكر السلام الكويتي في رفح لغارة جوية أخرى أودت بحياة 45 شخصًا، بينهم طفل رضيع وامرأة قطع رأساهما بفعل شدة الانفجار.

وزعم جيش الاحتلال لاحقًا أنه استهدف مجمعا لحركة (حماس)، لكنه أشار إلى احتمال حدوث انفجار ثانوي ناتج عن مواد قابلة للاشتعال لم يكن على علم بوجودها – وفق مزاعمه.

ونقل التحقيق ما قالته منظمة العفو الدولية من أن جيش الاحتلال "فشل في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية"، مطالبة بفتح تحقيق في هذه الهجمات باعتبارها جرائم حرب محتملة.

وأضافت دوناتيلا روفيرا، كبيرة المحققين في المنظمة، أن القانون الدولي يلزم أي جهة مهاجمة باتخاذ كافة الاحتياطات لتجنب إيذاء المدنيين، وأن إصدار تحذير فعال بالإخلاء يعد شرطا أساسيا قبل أي هجوم، وهو ما لم يحدث في معظم الحالات الموثقة.

وردًا على هذه الاتهامات، رفض متحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" التعليق على كل حالة على حدة، لكنه أكّد أن "جيش الدفاع الإسرائيلي لا يستهدف المدنيين أو البنى التحتية المدنية، ويحرص على الالتزام بالقانون الدولي". كما اتهمت "إسرائيل" حركة حماس بتخزين الأسلحة داخل المباني المدنية واستخدامها كدروع بشرية.

شركات السلاح والربح من دمار غزة

وأثار التحقيق تساؤلات واسعة حول استفادة الشركات الأوروبية من تدمير غزة. ففي حين أن الحظر البريطاني على تصدير الأسلحة لا يشمل فروع الشركات العاملة خارج المملكة المتحدة، تستمر شركة MBDA Inc الأميركية في تزويد شركة بوينغ بالمكونات الحيوية لقنابل GBU-39 دون عائق قانوني.

وقال سام بيرلو فريمان، منسّق الأبحاث في "حملة مناهضة تجارة الأسلحة"، إن "شركة MBDA تستفيد من تسليح إسرائيل"، مضيفًا أن بإمكانها وقف هذا التواطؤ إما ببيع فرعها الأميركي، أو الامتناع عن التعامل مع صفقات التوريد لـ"إسرائيل". كما دعا إلى فرض عقوبات على الشركات المتورطة، وحظر الاستثمارات البريطانية فيها، كما حدث مع روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.

وفي سياق متصل، قالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إن الشركات التي تستفيد من الحرب "جزء من البنية التي تغذي الجرائم"، مشيرة إلى أن تحقيقها لا يغطي سوى "جزء بسيط من الصورة الكاملة"، داعية إلى محاسبة جميع الأطراف المتورطة، بما في ذلك الشركات والمستثمرين.

ورغم المطالبات المتكررة، لم تدرج الأمم المتحدة حتى الآن شركتي MBDA أو بوينغ ضمن الشركات الأربعين المذكورة في تقريرها الأخير حول أرباح الشركات من الحرب، فيما تواصل الشركات الثلاث المالكة لـMBDA التأكيد على التزامها بالقوانين الوطنية والدولية الناظمة لتجارة السلاح، دون توضيحات إضافية بشأن توريد مكونات قنابل إلى "إسرائيل" – حسبما أشار التقرير.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد