كشف تقرير استقصائي نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، وأعده الصحفيان ديفيد هيرست وعمران ملا، عن تفاصيل تهديدات وجهت إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من قبل أطراف "إسرائيلية"، على خلفية إصدار المحكمة مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وسعي خان إلى توسيع التحقيقات لتشمل وزراء ومسؤولين "إسرائيليين" آخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار التقرير إلى أن وثيقة رسمية أودعت في سجلات المحكمة، توثق اجتماعا جرى في أيار/مايو 2025 بين خان والمحامي البريطاني "الإسرائيلي" نيكولاس كوفمان، وهو شخصية قانونية ذات صلات وثيقة بالمستشار القانوني لرئيس وزراء الاحتلال روي شوندورف، وسبق له الدفاع عن متهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وخلال الاجتماع، قدم كوفمان مقترحا قال إنه مفوض بتقديمه، يهدف إلى إتاحة "مخرج آمن" لخان يمكنه من التراجع عن إصدار مذكرات التوقيف، وهو ما وصفه التقرير بمصطلح "النزول من على الشجرة".
غير أن المقترح تضمّن تهديدًا مبطنًا، حيث نقل كوفمان عن مصادر "إسرائيلية" تحذيرات مباشرة مفادها: "سوف يدمّرونك وسيدمّرون المحكمة"، وهو ما اعتبره خان وزوجته، المحامية شايامالا ألاجندرا، التي حضرت اللقاء، تهديدًا صريحًا وخطيرًا.
وأوضح التقرير أن الهدف من المقترح كان الضغط على خان لرفع السرية عن مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت، ما يتيح لـ"الإسرائيليين" الاطلاع على تفاصيل الاتهامات والطعن بها سرًا، مع التحذير من أن إصدار مذكرات توقيف إضافية ضد شخصيات "إسرائيلية" بارزة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش – المتورطين بدعم الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية – سيقود إلى "سحب جميع الخيارات من على الطاولة"، بما فيها التعاون أو تقديم ردود قانونية.
واعترف كوفمان، بحسب ما ورد في المذكرة، بأنه أجرى محادثات مسبقة مع المستشار القانوني لنتنياهو قبل اللقاء، ونقل تهديدات تحذيرية لخان.
ورغم أن كوفمان نفى أن يكون قد تصرّف بتكليف مباشر من الحكومة "الإسرائيلية" أو هدّد خان، إلا أنه أقرّ بتقديم "مقترحات" تتعلق بخطورة استمرار التحقيقات، وأشار إلى أن خطوات كهذه قد تؤدي إلى تصعيد العقوبات الأميركية، بما يهدد مستقبل المحكمة الجنائية الدولية برمتها.
وبعد أسبوعين فقط من رفض خان الاستجابة لهذه الضغوط والتهديدات، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرًا مثيرًا للجدل، اتهم خان بارتكاب اعتداءات جنسية ترقى إلى الاغتصاب، وهو ما اعتبره مراقبون استهدافًا سياسيًا مفضوحًا.
واضطر خان إلى التنحي مؤقتًا عن منصبه، وأخذ إجازة مفتوحة إلى حين انتهاء التحقيق، مؤكدًا نفيه القاطع لهذه الاتهامات، التي وصفها كثيرون بأنها جزء من حملة ممنهجة لتقويض سلطته ومحاسبته على إصدار مذكرات الاعتقال بحق المسؤولين "الإسرائيليين".
وكانت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية قد رفضت، في قرار صدر يوم الأربعاء 16 تموز/يوليو 2025، الطلب "الإسرائيلي" المقدّم في 9 أيار/مايو من العام ذاته، والذي سعى إلى إلغاء مذكرات الاعتقال وتعليق التحقيق الجاري في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت المحكمة إن "إسرائيل" قدّمت طلبين: أحدهما لإلغاء أو سحب مذكرات التوقيف الصادرة بحق نتنياهو وغالانت أو إعلان بطلانها، والآخر لتعليق التحقيق، غير أن المحكمة قضت بأن المبررات التي قدّمتها "إسرائيل" غير كافية، مؤكدة أن اختصاص المحكمة يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن "إسرائيل" لم تقدّم طعنًا في "مقبولية الدعوى" حسب المادة 19(7) من نظام روما الأساسي، وهو الشرط اللازم لتعليق التحقيقات.
كما رفضت المحكمة طلب السلطة الفلسطينية بتقديم بيان رسمي في حال قبول الطلب "الإسرائيلي"، مؤكدة أن لديها معلومات كافية للبتّ في القضية دون الحاجة إلى بيانات إضافية.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أقرت، في 5 شباط/فبراير 2021، باختصاصها الإقليمي على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، واعتبرت أن فلسطين دولة طرف في نظام روما الأساسي.
وفي 3 آذار/مارس من العام نفسه، أعلن مكتب المدعي العام فتح تحقيق رسمي في الوضع في فلسطين، شمل الجرائم المرتكبة من قبل كل الأطراف، بما في ذلك الجرائم "الإسرائيلية" في غزة والضفة الغربية.