أصدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في سوريا وثيقة شاملة توضح فيها الخدمات التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين العائدين طوعًا إلى سوريا بعد النزوح، سواء من الداخل السوري، أو من بلدان اللجوء المجاورة.
وتأتي هذه الخطوة بهدف تمكين اللاجئين من اتخاذ قرارات مستنيرة بخصوص العودة، في ظل ظروف لا تروج فيها الأمم المتحدة للعودة، لكنها تحترم الاختيارات الفردية، وتدعم من يقرر العودة بشكل طوعي وواع، بحسب ما أشارت الوكالة في بيانها.
وبحسب البيان، سيستفيد العائدون من جميع الخدمات الصحية التي تقدمها الوكالة، شرط إعادة تفعيل تسجيلهم أو نقل ملفاتهم من البلدان التي كانوا يقيمون فيها. وتشمل هذه الخدمات: الرعاية الصحية الأولية (الاستشارات، الأدوية، الفحوصات، الإحالات إلى المستشفيات)، مكافحة الأمراض المزمنة والمعدية، بما فيها تغطية 75% من بعض أدوية السرطان، رعاية الأم والطفل، التحصينات الدورية، تقديم الأجهزة التعويضية والعلاج الفيزيائي، خدمات طب الأسنان الشاملة، برامج الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، الصحة المدرسية للأطفال في مختلف المراحل.
ويتم الوصول إلى هذه الخدمات عبر مراكز "أونروا" باستخدام بطاقة التسجيل ووثائق الهوية، مع الإشارة إلى أن بعض الحالات تتطلب نقل الملفات الطبية إلكترونيًا.
التعليم والخدمات الأكاديمية
وأكدت "أونروا" أن للعائدين من اللاجئين الفلسطينيين الحق في التسجيل في مدارس الوكالة للتعليم الأساسي (حتى الصف التاسع) وفق المنهاج السوري، وكذلك في المدارس الثانوية الحكومية عبر الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب (GAPAR)، إضافة إلى التسجيل في برامج الدعم النفسي الاجتماعي ودروس التعويض الأكاديمي، والتعليم للأطفال ذوي الإعاقة من خلال مركز دعم التعلم في دمشق. كما ستقبل مدارس الوكالة الشهادات الصادرة عن دول أخرى مثل لبنان والأردن، شرط المصادقة عليها.
وفي مجال التعليم التقني والفني، توفر "أونروا" للعائدين فرصًا متعددة في مجالات التعليم المهني في مدن سورية عدة، تشمل: دورات فنية لمدة سنتين في تخصصات عصرية مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المختبرات، ودورات مهنية (من سنة إلى سنتين) في مجالات تقنية وصناعية، ودورات قصيرة (3 أشهر) في مجالات الصيانة والبناء والكهرباء.
الخدمات الإدارية والاجتماعية
كما أشارت "أونروا" إلى إمكانية تحديث البيانات المدنية (ولادات، زيجات، وفيات) عبر تطبيق e-UNRWA أو مباشرة في مكاتبها، فيما لا تزال خدمات تسجيل الأحوال المدنية لدى GAPAR متوقفة منذ كانون الأول/ديسمبر 2024.
كما ستوفر الوكالة مساعدات نقدية وغذائية وفق التقييم وتوفر التمويل، ودعمًا قانونيًا في قضايا السكن والأوراق الرسمية، إلى جانب برامج لحماية الأطفال والنساء من العنف، وأجهزة مساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة، وأنشطة مجتمعية للفئات المهمشة تشمل النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة.
البنية التحتية والتمكين الاقتصادي
وأكدت الوكالة أنها ستواصل تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات، بما في ذلك جمع النفايات والتعقيم، إلى جانب إصلاحات سكنية محدودة للعائدين، خصوصًا في مخيم اليرموك الذي أعادت "أونروا" تأهيل منشآتها فيه (مدرسة، مركز صحي، مكتب، مركز مجتمعي). كما تعمل بالتعاون مع جهات أممية ومحلية لتحسين البنية التحتية تدريجيًا.
وفي مجال التمكين الاقتصادي، تقدم الوكالة برامج تمويل صغيرة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يعزز الاعتماد على الذات. وأكدت أن جميع الخدمات المقدمة مجانية بالكامل، وأن استمرارها يرتبط بتوفر التمويل، خاصة في ظل القيود التمويلية الكبيرة التي تعاني منها الوكالة منذ سنوات.
كما يحق للعائدين من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى GAPAR الوصول إلى الخدمات العامة، بما في ذلك التعليم والتوظيف، على غرار المواطنين السوريين، مع الإشارة إلى أن الخدمة العسكرية الإلزامية ألغيت من قبل السلطات المؤقتة.
وخصصت "أونروا" أرقامًا لمكاتبها في مختلف المحافظات السورية لتسهيل التواصل، إلى جانب خطين مجانيين عبر سيرياتيل لاستقبال الشكاوى، وبريد إلكتروني لاستقبال الملاحظات بسرية:(0989666251 / 0989666252) و sfo-complaints@unrwa.org
وأكدت في ختام بيانها أنه لا يحق لأي شخص طلب المال أو السلع مقابل الحصول على أي خدمة أو مساعدة، داعية اللاجئين إلى الإبلاغ عن أي تجاوزات.
انتقادات حقوقية لمحتوى البيان
ولاقى بيان "أونروا" انتقادات من قبل نشطاء وحقوقيين. فقد أصدرت مبادرة "فلسطينيي سورية للرقابة الشعبية – مرصد" تعقيبًا أوليًا على الوثيقة، معتبرة أنها تفتقر إلى الضمانات الحقوقية والآليات الواضحة لحماية العائدين ومتابعة أوضاعهم، خصوصًا المقيمين في بلدان الجوار كلبنان.
وأشار التعقيب إلى أن الوثيقة تغفل قضايا أساسية تمسّ كرامة وأمن العائدين، وأن "أونروا" لا تقدم بدائل عملية تضمن حياة كريمة لمن يقرر العودة. ومن بين الملاحظات الرقابية التي أُثيرت: غياب أي ضمانات قانونية أو أمنية، عدم التمييز بين الحقوق الثابتة والخدمات المشروطة بالتمويل، تجاهل قضايا السكن وإعادة الإعمار، غياب آليات المتابعة أو استقبال الشكاوى، استخدام لغة إجرائية بعيدة عن المفاهيم الحقوقية، وتجاهل مسار العودة من دول الجوار بما فيه التكاليف والتنقل.
كما سلط "المرصد" الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في لبنان، الذين يزيد عددهم عن 30 ألفًا، مع اقتراب نهاية المهلة التي حددها الأمن العام اللبناني لمغادرة الأراضي اللبنانية بحلول 30 أيلول/سبتمبر 2025 دون دفع غرامات. وانتقد عدم ذكر هؤلاء اللاجئين في الوثيقة أو وضع خطة لإعادتهم بشكل آمن وكريم، متسائلًا عن الجهة التي ستتحمل تكاليف العودة ومصير من لا يملكون مساكن صالحة أو يقطنون في مخيمات مدمرة مثل اليرموك ودرعا.
ودعت المبادرة "أونروا" إلى إصدار ملحق توضيحي عاجل يوضح موقفها من العودة من بلدان الجوار، وخططها لدعم من لا يملك أجرة النقل أو السكن، وتحويل الوثيقة من إطار خِدمي إلى وثيقة حقوقية. كما أوصت بإطلاق مشاورات مجتمعية شاملة في الدول المضيفة ونشر تقارير شفافة عن أعداد العائدين ونوعية الدعم الذي يتلقونه.
وفي تعليق على الوثيقة، وصف الناشط أحمد طعمة بيان "أونروا" بأنه "بارد وخالٍ من الروح الإنسانية"، معتبرًا أنه تجاهل الواقع القاسي الذي يعيشه اللاجئون العائدون، وأنه "وثيقة تخلي عن المسؤولية"، في ظل شبه توقف مراكزها الصحية في سوريا، وافتقار مدارسها للبنية التحتية، ومحدودية المساعدات السكنية. وأضاف: "إن لم تكن الأونروا قادرة على تأمين خطة طوارئ إنسانية، فعليها ألا تضلل الناس ببيانات تجميلية لا تمت إلى الواقع بصلة".