يواظب اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، ومعهم القوى الوطنية والحقوقية، على إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت في أيلول/ سبتمبر 1982، حين ارتكبت ميليشيات اليمين اللبناني، بغطاء مباشر من جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، إحدى أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر، راح ضحيتها آلاف المدنيين العزّل من فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وغيرهم.

ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، والتي تتزامن اليوم مع ذكراها الـ43، تبقى المجزرة جرحاً مفتوحاً في الذاكرة الفلسطينية والعربية، يعزز نزيفه غياب العدالة، حيث ما زال المجرمون طلقاء، وحقوق اللاجئين بدمهم وكرامتهم الإنسانية مهدورة، لتبقى شاهداً على تواطؤ دولي سمح بالإفلات من العقاب، وغياب العدالة للفلسطينيين في المخيمات كما في الداخل المحتل الرازحين تحت الاحتلال والإبادة الجماعية في قطاع غزة.

فصول الجريمة

بدأت فصول المجزرة بعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب، على ظهر الدبابات "الإسرائيلية"، بشير الجميل في 14 أيلول/ سبتمبر 1982، حيث أطلق جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عملية للسيطرة على بيروت الغربية.

وفي 16 أيلول، أضاءت قنابل الاحتلال سماء المخيمين لتسهيل اقتحام ميليشيات "الكتائب" و"جيش لبنان الجنوبي" ومجموعات بقيادة إيلي حبيقة، شوارع صبرا وشاتيلا، لبدء المذبحة المروعة بحق النساء وكبار السن والأطفال. حيث استخدمت خلالها أسلحة حادة لذبح الأهالي، وسُجّلت حالات لبقر بطون نساء حوامل، في مشهد حاقد لم تمحُه عدالة ما زالت غائبة عن الأذهان.

الشهادات التي وثقتها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" خلال تغطيات سابقة رسمت المشاهد المرعبة على لسان الناجين: قتل جماعي بلا تمييز، اقتحام للمنازل، اغتصاب للنساء، وبقر لبطون الحوامل، حتى الأطفال الرضع لم يسلموا من الذبح.

ويقول الناجي محمد سرور إنه رأى بأم عينيه المسلحين يتقدمون من المدينة الرياضية نحو المخيم وسط صرخات الضحايا بالعشرات. أما الممرضة آمنة سريس، فوصفت لحظة وصول الفارين إلى مستشفى غزة، بقولهم: "عم يقتلونا.. عم يقتلونا"، مؤكدة أن أول جثة وصلت المستشفى كانت لقريبها الذي استشهد قنصاً، وهو يحاول إنقاذ امرأة مصابة.


وفي اليوم التالي، اقتحم مستشفى عكا حيث أعدم الأطباء والممرضون والمرضى المسنون بدم بارد. حتى من استسلموا لنداءات مكبرات الصوت، جرى اقتيادهم بشاحنات إلى مصير مجهول، أو أعدموا جماعياً، كما حدث مع 28 أسيراً عثر عليهم مكبّلي الأيدي في المدينة الرياضية.

الصور المروعة لعائلات مثل عائلة "أم حسين" بطرس التي فقدت زوجها وابنها وجيرانها، وثّقت حجم الفاجعة. وفي المحصلة، تجاوز عدد الضحايا 3,500 إنسان وفق تقديرات المنظمات الحقوقية.

اقرأ/ي المزيد من الشهادات: خريف عام 1982 الدامي.. هكذا ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا


التخطيط "الإسرائيلي" –اليميني المشترك

لم تكن المجزرة وليدة اللحظة، إذ كشفت الوثائق السرية للجنة "كاهان" – التي أنشأها الاحتلال للتحقيق – عن اجتماع عقد في 31 تموز/ يوليو 1982 في النقب، شارك فيه وزير الحرب أريئيل شارون وقادة الكتائب اللبنانية، جرى فيه التباحث صراحة في "التخلص من الفلسطينيين".

اللجنة، ورغم ضغوطها، خلصت عام 1983 إلى تحميل شارون "مسؤولية مباشرة" عن الجريمة. لكن أخطر ما كشف لاحقاً جاء في تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت عام 2022، أزاح الستار عن بروتوكولات سرية تؤكد أن الاحتلال لم يكتفِ بالتغطية، بل سعى مع الكتائب لتنسيق "رواية كاذبة" أمام العالم تزعم أن القتل كان نتيجة "اقتتال داخلي"، في محاولة للتنصل من المسؤولية.

كما أبرز التقرير أن الجيش "الإسرائيلي"، بأوامر شارون، سمح للميليشيات بالدخول إلى المخيمين لتنفيذ "التطهير" بحجة وجود "آلاف المخربين"، رغم أن المقاتلين الفلسطينيين كانوا قد غادروا بيروت تحت ضمانات دولية.

 اقرأ/ي المزيد حول التقرير: وثائق سرية تكشف تفاصيل جديدة عن مجزرة صبرا وشاتيلا


غياب العدالة

بعد المجزرة، حاول أهالي الضحايا ملاحقة شارون أمام القضاء البلجيكي عام 2001، لكن الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" أطاحت بالقضية عبر تعديل القانون البلجيكي. وهكذا بقي المجرمون بلا عقاب.

ورغم محاولات الطمس، يواصل الفلسطينيون في لبنان والشتات إحياء الذكرى، ليس فقط لتأبين الشهداء، بل لتأكيد أن جريمة صبرا وشاتيلا شاهد دائم على التواطؤ الدولي ضد قضية اللاجئين، ورسالة بأن الذاكرة الفلسطينية عصية على النسيان أو المساومة.

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد