بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأت مؤسسات الدولة السورية بإعادة هيكلة إداراتها، وكان من بينها الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، التي صدر قبل أسابيع قرار عن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بتشكيل مجلس إدارة جديد لها.
ومع استكمال تشكيل لجان التنمية والخدمات في المخيمات الفلسطينية خلال أيلول/ سبتمبر الجاري، يواجه المجلس الجديد تحديات كبيرة في ظل الدمار الذي لحق ببعض المخيمات خلال سنوات الحرب، والملفات الكبيرة التي ينتظر اللاجئون الفلسطينيون حلّها، متوسمين خيراً بإعادة تفعيل دور المؤسسة، بعد أن غيّبها فساد الإدارات السابقة المعيّنة من قبل النظام السابق، عن واقع اللاجئين وهمومهم.
في هذا السياق، أجرى موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين حواراً مطوّلاً مع الدكتور أحمد عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، الحاصل على دكتوراة في العلاقات الدولية، للحديث عن دلالات إعادة تشكيل الهيئة، وأولوياتها في المرحلة الراهنة، ورؤيته لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وغيرها من المحاور.
دلالات إعادة تشكيل الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في هذا الوقت
يوضح عبد الحميد: "المؤسسة مثل باقي المؤسسات، هي مؤسسة تتبع للدولة، ونحن كُلّفنا بإدارة هذا الملف من قبل الدولة، وبما أن هذه المؤسسة تتبع للدولة، ومؤسسات الدولة إجمالًا أصابها الفساد والترهّل البيروقراطي والإفساد المنظّم من قبل النظام السابق، وخصوصاً في فترة الثورة، فإن هذا التغيير أو هذه التعيينات أتت لإصلاح المؤسسة، كما حدث في تعيينات أخرى في المؤسسات الأخرى، كالقضاء، وزارة العدل، الأوقاف، التربية، الخارجية، وقِس على ذلك مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين."
كيف تم اختيار الأعضاء وهل روعي تمثيل المخيمات كافة؟
أجاب عبد الحميد: "بالنسبة لاختيار الأعضاء، فقد تم على أساس الكفاءة والأمانة، أي أصحاب الهمّ والهِمّة، أصحاب المقدرة، أصحاب البذل والعطاء، تم اختيارهم لتصدر هذا المشهد، أما تمثيل المخيمات، فنحن لدينا 14 مخيماً، والهيئة مسموح لها كمجلس إدارة أن تضم سبعة أعضاء، من بينهم أحد الأشخاص مكلّف من قبل رئيس الوزراء أو رئاسة الجمهورية وهو المدير التنفيذي، وبقي ستة أعضاء، فستة أعضاء يصعب أن يشملوا جميع المخيمات.
وأضاف :"ولكن كان المعيار هو الكفاءة والأمانة والمقدرة والقدرة على التفرغ والبذل والعطاء، خصوصًا أن الإخوة الكرام ليس لديهم مخصص مالي، فهي عملية طوعية، ولدينا جهود جبّارة خلال الفترة الماضية لا تظهر للعيان، ولكن بإذن الله ستظهر النتائج في قادم الأيام."
ما أولويات الهيئة في المرحلة القادمة والحالية؟
وإجابة على هذا السؤال، أوضح رئيس الهيئة: "بالنسبة للأولويات، نحن وضعنا خطة استراتيجية، ضبطنا فيها الأوليات، ووضعنا مجموعة من الخطط الاستراتيجية، على سبيل المثال: هدفنا الاستراتيجي هو خدمة مجتمعنا الفلسطيني على امتداد القطر السوري. ومن الطبيعي أن الاستراتيجي لا تظهر نتائجه بشكل سريع".
وأشار عبد الحميد إلى أنّه "ليس همّنا أن نوزع ألف سلة أو ألفي سلة غذائية إن وجدت واستطعنا تأمينها من منظمات وجمعيات، فهذا أمر جيد، ولكن هدفنا أن نعيد بناء ما دمّره النظام الفاجر، الذي دمّر الحجر والشجر والبشر. نحن بإذن الله وضعنا خططًا لإعادة بناء ما دمّره النظام خلال سنوات الثورة. ونريد أن نبني الإنسان الفلسطيني، لأن الإنسان الفلسطيني لديه قدرات جبّارة، لكن النظام السابق عمل على إفساده، وأفسد المنظومة القيمية والفكرية، والمنظومة المرتبطة بالقضية الاستراتيجية للشعب الفلسطيني، أي بيت المقدس وفلسطين".
ونبّه عبد الحميد قائلاً:" أصبح الكثير من الشباب يهتمون بموضوع تعاطي المخدرات وغيرها من الأمور السلبية، فأُبعد الشاب الفلسطيني عن قضاياه الأساسية. لذلك، أولوياتنا هي بناء الإنسان، وبناء ما دمّره النظام السابق على المستوى الإنساني، وعلى المستوى الإغاثي، وعلى المستوى القيمي، وعلى موضوع البناء وإعادة الإعمار".
وتابع موضحاً :"على سبيل المثال، شكّلنا لجنة قانونية لدراسة جميع القضايا، برئاسة دكتورة فاضلة، متخصّصة في المحاماة والقضاء، ومدرّسة في كلية الحقوق، وتهدف هذه اللجنة إلى دراسة جميع القوانين التي صدرت بحق المجتمع الفلسطيني والمخيمات منذ القديم، منذ تشكيل المؤسسة وحتى الآن، وما تبعها من قرارات وتعديلات، لمعرفة ما يهمنا وما يفيدنا وما نستطيع أن نطلب تغييره في قادم الأيام. نريد أن نقدّم تصوراً للدولة، فهناك بعض القرارات والقوانين المجحفة في حق أبناء مخيماتنا ومجتمعنا الفلسطيني إجمالاً، ونريد تغييرها بحول الله وقوته."
كيف ستتعاملون مع قضايا السكن والتعليم والصحة داخل المخيمات؟
وحول هذا الأمر، أجاب عبد الحميد: "من ضمن الخطة الاستراتيجية التي ذكرت، موضوع السكن، سوف ننشئ لجنة، ولكننا بحاجة إلى ترتيب بعض الأوراق، لذلك أخرناها قليلاً، وهي لجنة إعادة الإعمار، وسوف نتواصل مع المؤسسات والمنظمات الدولية وغير الدولية، مع الهيئات الحكومية وغير الحكومية، ونضع خطة استراتيجية أيضاً لإعادة الإعمار. على سبيل المثال، مخيم اليرموك من أكبر المخيمات المتضررة، ونريد لهذا المخيم أن يعود كما كان بالأمس قبل الثورة، بل أفضل من ذلك، وأن يكون مركز ثِقَل استراتيجي لجميع المخيمات في سوريا وخارجها."
وحول الجانب الصحي قال عبد الحميد: "بالنسبة إلى الناحية الصحية أيضاً، نحن الآن أجرينا إحصائية لحاجيات مخيماتنا من الناحية الصحية، من مستشفيات ومستوصفات، وندرسها بشكل تدريجي لضبطها بشكل صحيح. وبعد ذلك سوف نتواصل مع المؤسسات والمنظمات لتلبية هذه الحاجيات".
وأوضح عبد الحميد أنّ الخطة ستكون على الشكل التالي: معرفة الحاجيات، ثم تحويلها إلى مشاريع، ثم تسويق هذه المشاريع والتواصل مع منظمات حكومية وغير حكومية وجمعيات، لطرحها عليها. مثلاً: نريد هنا مستوصفاً، نريد هنا إعادة مشفى، نريد هنا ترميماً لمرفق معيّن، وذلك ضمن إمكانيات كل منظمة أو جمعية، كي لا يكون العمل اعتباطياً. فالمخيم الفلاني مثلاً قد ننجز له مستشفى عبر إحدى الجمعيات، بينما المخيم الآخر ينتظر حسب الحاجة والأولويات. حسبما قال.
هل ستقتصرون على التعاون مع وكالة "أونروا"؟
وفي هذا الصدد أوضح: "الأفق واسع جداً والخيارات عديدة جداً، الشعب الفلسطيني له ثقل، والمسألة الفلسطينية لها حضور في الهيئات والمنظمات والحكومات والجمعيات الرسمية وغير الرسمية. لكن الأمر يحتاج إلى بناء ثقة، من خلال تقديم مشاريع دقيقة يثق بها المانحون، وبالقائمين على تنفيذها بصدق، بعيداً عن المحسوبيات والنهب."
وعبّر الدكتور عبد الحميد عن تفاؤله قائلاً :"بإذن الله ستكون الأمور جيدة في قادم الأيام، لكن المسألة بحاجة إلى صبر. أما التعاون مع أونروا فسنتعاون معها إلى أبعد حد، لكنها وحدها لا تكفي، نحن كمؤسسة حكومية نشرف على عملها في سوريا. الأصل أن يكون إشرافنا هذا ضابطاً لما يأتينا من الأمم المتحدة لبناء المخيمات وتقديم الخدمات، وسنتواصل مع جميع المنظمات والهيئات، الحكومية وغير الحكومية، داخل القطر وخارجه."
كيف تقيّم أوضاع المخيمات الفلسطينية بعد سنوات الحرب؟
أجاب الدكتور عبد الحميد أنّ: "المخيمات الفلسطينية بالأساس ضعيفة وفقيرة، وعشوائية تفتقر إلى التنظيم والتخطيط، ثم جاءت الحرب والثورة، وجاءت وحشية النظام السابق وقسوته وتدميره للبيوت والبنى التحتية، مخيم اليرموك مثلًا دُمّر بشكل ممنهج أثناء قتال النظام مع الثوار، وحتى بعد خروج الثوار استمر التدمير بشكل ممنهج. لذلك، فالمخيمات إجمالًا بحاجة إلى الكثير، ونحن نحاول ضبط الأمور بحسب الأولويات والحاجات، بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وبين ما هو مستعجل وغير مستعجل."
ما أبرز التحديات في إعادة بناء الثقة مع المجتمع الأهلي؟
أجاب: "مجتمعنا الفلسطيني طيب وكريم، لكن النظام الفاجر السابق أفسد المؤسسات وأفسد الكثير في المجتمع. فقدت هيئة اللاجئين الثقة عند الناس، وأصبحت مجرد أوراق روتينية، مليئة بالمحسوبيات والفساد، فأبعدت المخيمات عن هذه المؤسسة. الآن نحاول إن شاء الله أن نجدد الثقة ونزيل العقبات، ونعد أهلنا بالشفافية والصدق والمشاركة. سنطلق صندوقًا أو رابطًا للمقترحات والشكاوى ليستفيد الجميع من طرح الأفكار ومتابعة احتياجاتهم، لنستفيد أقصى ما نستطيع من أهلنا."
كيف تردون على مطالبات مرصد مبادرات فلسطينيي سوريا بإصدار نظام داخلي ينظم عمل لجان المخيمات؟
وعن هذا الأمر أجاب الدكتور عبد الحميد: "عملنا ليس رداً على منظمة أو جمعية أو مرصد، نحن نعمل بفضل الله وقوته ومن خلال دراستنا وتجربتنا على مدار 30 عاماً. نحن أبناء مجتمع واحد، سواء كنا سوريين أو فلسطينيين، وهذه الحدود مصطنعة. اتفقنا منذ أول لقاء للمجلس على تشكيل لجنة لمتابعة الأمور القضائية وخدمة مجتمعنا في موضوع الأملاك والعقارات وغيرها. ترتيب اللجنة وانتقاء الأكفاء يحتاج إلى وقت. كذلك موضوع اللجان الأخرى، سنعيد صياغة النظام الداخلي للمؤسسة ونحدده مع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، لوضع آليات وضوابط دقيقة ومنضبطة."
ما هي المعايير التي ستعتمدونها لاختيار أعضاء اللجان، وهل هناك ضمانات لمشاركة المخيمات بعيدًا عن المحاصصة؟
الدكتور عبد الحميد أوضح المعايير وقال: "المحاصصة تقريباً انتهت. كانت سابقاً كل لجنة تضم مندوباً من كل فصيل أو منظمة، ويتدخل فيها الأمن والحزب. هذا الأمر انتهى بفضل الله. تم اختيار الأكثر كفاءة وأمانة، أصحاب الهمّ والهِمّة، لبناء مجتمعاتنا. قد نصيب أو نخطئ، لكن المشروع يحتاج إلى بعض الوقت لينضج."
ما طبيعة التنسيق بين الهيئة ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية؟
وحول هذا الأمر أجاب: "منذ أن استلمنا الأمانة اتفقنا على التعاون مع الجميع، سواء هيئات حكومية أو غير حكومية، داخل القطر أو خارجه. كيف لا نتعاون مع أبناء شعبنا الفلسطيني بكل تنوعه؟ لقد زارنا العديد من ممثلي الفصائل في سوريا، وزارنا أيضاً السفير الممثل لدولة فلسطين والمنظمة. اتفقنا جميعًا على التعاون ومدّ يد الشراكة. شعارنا: 'تعالوا نتعاون سوياً لبناء مخيماتنا ومجتمعاتنا، ولا ننشغل بخلافات جانبية لا وقت لها الآن'."
كيف ترون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ودورهم في الحفاظ على حق العودة؟
واختتم الحوار مع الدكتور عبد الحميد باجابته على السؤال قائلاً: "النظام السابق أفسد الكثير داخل المخيمات، حتى أن بعض المخيمات ارتفعت فيها نسب تعاطي المخدرات. نحن نريد إعادة بناء الإنسان الفلسطيني، لأن المجتمع الفلسطيني يملك ثقلًا استراتيجيًا في قضية حق العودة. سنعمل على إحياء ثقافة العودة عبر الندوات والفعاليات والأنشطة والملتقيات، لنغرسها من جديد في وعي جيل الشباب، ونصدّرها للوسط المحيط والإقليم بحول الله وقوته."
شاهد/ي الفيديو: