في مشهد يذكّر بمحطات سابقة من محاولات كسر الحصار والقرصنة "الإسرائيلية" على السفن الإنسانية، تحوّلت رحلة "أسطول الصمود العالمي"، الذي أقلع محمّلاً بالمساعدات الطبية والإنسانية إلى غزة قبل نحو أسبوعين، إلى عملية اختطاف واسعة نفذتها البحرية "الإسرائيلية" في عرض البحر، وعلى بعد نحو 70 ميلاً بحرياً من شواطئ القطاع.

السفن التي بلغ عددها قرابة 50، كانت تسير متباعدة ضمن تشكيلات بحرية يفصل بين مقدمتها ومؤخرتها نحو 20 ميلاً، حين باغتتها زوارق الاحتلال الحربية، ونفذت عملية القرصنة على مرأى العالم.

وحدات الكوماندوز البحري "شاييطيت 13" نفذت الاقتحام، وسيطرت على سفن بينها "ألما"، "سيريوس"، و"سبكتر" القياديتين، فيما اقتيد عشرات النشطاء الدوليين إلى ميناء أسدود قسراً.

ونشرت "الخارجية الإسرائيلية" مقاطع فيديو أظهرت لحظات السيطرة بالقوة، من بينها مشهد الناشطة السويدية غريتا تونبرغ محاطة بجنود مدججين بالسلاح.

رغم ذلك، نجحت سفينة "ميكينو" في اختراق الطوق والوصول إلى المياه الفلسطينية قرب غزة، لتصبح رمزاً للتحدي وسط حصار متواصل منذ 18 عاماً.

اعتقالات واسعة ومصير غامض وردود فعل واسعة

الهيئة التركية المشاركة في الأسطول أعلنت أن قوات الاحتلال اعتقلت 25 ناشطاً تركياً بعد اقتحام 15 سفينة، ووصفت العملية بأنها "اقتحام غير قانوني" يهدد أمن الملاحة الدولية.

أما وزارة الخارجية الكولومبية، فكشفت عن اعتقال اثنتين من مواطناتها، مطالبة بالإفراج الفوري عنهما.

في المقابل، أكد وزير الخارجية اليوناني أن 39 سفينة وصلت إلى ميناء أسدود، وأن الركاب "بخير"، لكن المنظمين تحدثوا عن أكثر من 70 ناشطاً جرى اختطافهم.

الحدث فجّر سيلاً من المواقف الدولية، فتركيا وصفت العملية بأنها "عمل إرهابي"، ورأى نائب الرئيس جودت يلماز أنها "اعتداء همجي على الضمير الإنساني"، فيما شدد رئيس البرلمان نعمان قورتولموش على أنها "جريمة دولية".

أما إسبانيا، فقد استدعت القائمة بأعمال السفارة "الإسرائيلية" وشكلت "وحدة مراقبة دائمة" لمتابعة أوضاع 65 إسبانياً كانوا على متن الأسطول، فيما اعتبرت نائبة رئيس الوزراء يولاندا دياث الهجوم "جريمة ضد القانون الدولي"، داعية الاتحاد الأوروبي إلى قطع علاقاته مع "إسرائيل".

وكذلك كولومبيا اتخذت موقفاً حاداً بطرد كامل البعثة الدبلوماسية "الإسرائيلية"، في خطوة غير مسبوقة، بينما أدان الرئيس غوستافو بيترو احتجاز مواطنتين كولومبيتين في "المياه الدولية". وفي السياق نفسه، أكدت ماليزيا أن 12 من رعاياها ما زالوا محتجزين، ودعا رئيس الوزراء أنور إبراهيم إلى إطلاق سراحهم فوراً.

كما عبّر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف عن غضب بلاده، واصفاً الهجوم بأنه "خسيس"، وقال: "جريمتهم الوحيدة كانت حمل مساعدات إلى الفلسطينيين".

بريطانيا وإيرلندا وأستراليا أعربت عن قلقها العميق، وأكدت أنها تتابع أوضاع رعاياها على متن السفن، فيما دعت فرنسا تل أبيب إلى ضمان سلامة النشطاء وتأمين وصول المساعدات إلى المنظمات الإنسانية في غزة.

وعلى مستوى الأمم المتحدة، أدانت المقررة الخاصة فرانشيسكا ألبانيز العملية، ووصفتها بأنها "عار على الحكومات الغربية المتواطئة"، فيما أكدت المنظمة الدولية أن أي اعتداء على الأسطول "غير مقبول".

تحركات شعبية غاضبة حول العالم

الغضب لم يتوقف عند حدود البيانات. ففي برلين خرج نحو 300 متظاهر في محطة القطار الرئيسية، رافعين شعارات تندد بالاحتلال "الإسرائيلي" وبالدعم الألماني له، لتعتقل الشرطة عدداً منهم، بينهم يهود.

وفي إيطاليا أعلنت نقابات عمالية كبرى، بينها "الاتحاد العام للعمل"، إضراباً شاملاً احتجاجاً على ما وصفته بـ"جريمة بحق عمال إيطاليين تركتهم حكومتهم لمصيرهم في المياه الدولية".

كما خرجت تظاهرات واسعة في مدن وعواصم عربية وعالمية، في إسطنبول وتونس والمغرب وموريتانيا، وأمام سفارات أمريكية، وكذلك في عدد من الشوارع الأوروبية تنديداً بالقرصنة "الإسرائيلية" للأسطول.

من جانبها، اعتبرت حركة حماس ما جرى "جريمة قرصنة وعدواناً غادراً على متضامنين مدنيين"، مؤكدة أن الاحتلال يسعى لإفشال أي محاولة لكسر الحصار ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون. الحركة دعت "أحرار العالم" إلى الاحتجاج والضغط على "إسرائيل" لإطلاق سراح المعتقلين وضمان وصول المساعدات.

يشار إلى أن "أسطول الصمود" شكّل تحالفاً ضم أكثر من 500 ناشط من 40 دولة، توزّعوا على 50 سفينة محملة بإمدادات إنسانية عاجلة. وقد ساهمت منظمات عدة، بينها "اتحاد أسطول الحرية" وحركة غزة العالمية، في تنظيمه، بينما رافقته البحرية الإيطالية والإسبانية لمسافة معينة قبل أن تتوقف على بُعد 150 ميلاً من غزة بدعوى "أسباب أمنية".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد