ما إن أُعلن عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والبدء بتنفيذ المرحلة الأولى منه، حتى تهافت الفلسطينيون عائدين إلى منازلهم وأحيائهم التي نزحوا منها، ليتفاجأ معظمهم بالكمّ الهائل من الدمار الذي خلّفه العدوان "الإسرائيلي" خلال عامين من حرب الإبادة.
على أكوام الركام والأنقاض، افترش العائدون ما توفر لهم من خيام وبقايا أثاث، يحاولون العثور على بعض الأمان في ظل البرد القارس، فيما تختلط دموعهم بتراب المنازل التي لم يبقَ منها سوى الذكريات.
بالنسبة لكثيرين، كانت العودة رغم الدمار حلماً طال انتظاره؛ فالأهم بالنسبة لهم هو توقف رحلة النزوح الطويلة ومعاناة التشريد المستمرة منذ عامين.
وتدفقت أعداد كبيرة من الفلسطينيين نحو حي الصفطاوي وشارع الجلاء في مدينة غزة، حيث بدت المشاهد كارثية بعد تعرض المنطقة لقصف عنيف خلال الأيام الأخيرة التي نفذ فيها الاحتلال عملية "عربات جدعون 2" للسيطرة على المدينة.
عاد السكان ليجدوا بيوتهم، وقد تحولت إلى أكوام من الحجارة، يحاولون استخراج ما يمكن إنقاذه، فيما تواصل طواقم الدفاع المدني انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض.
فلسطينيون يعودون إلى شارع الجلاء وحي الصفطاوي في غزة عقب وقف إطلاق النار، ليواجهوا دمارًا هائلًا خلّفته حرب الإبادة pic.twitter.com/JYN6whP1e0
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) October 11, 2025
وقالت شابة في العشرينات لمراسلنا، وهي تبكي أمام أنقاض منزلها: "رجعت أبحث عن ريحة أمي، لكني ما لقيت لا بيت ولا أحد. قلت يا رب أحييني من أجل أولادي… ما ظل شي غير الألم".
وبالقرب منها، كانت طفلة صغيرة تجمع بقايا كتبها وألعابها من الركام وتقول ببراءة: "أنا سعيدة إنو الحرب خلصت… بدي أرجع مدرستي، وأتعلم وأصير من أمهر الطلاب".
في مشهد آخر، جلس شيخ مسنّ فوق أنقاض منزله قائلاً بثبات: "نحن لسنا خائفين، صامدون ومرابطون. هذه مدرستنا في البطولة والشجاعة، وسلام على من يعيش فوق الركام أو يموت عليه".
وفي جباليا النزلة شمال القطاع، يروي أحد اللاجئين معاناة النزوح المتكرر: "رحلنا ثلاث مرات، وكل مرة كنا نلاقي الدمار أكبر. ما بنعرف وين نروح، بيتنا صار ثكنة للاحتلال، وما قدرنا ندخله".
أما في خان يونس جنوب القطاع، فتتكرر المأساة. تقول سيدة خمسينية: "جيت أشوف بيتي لقيته على الأرض… خان يونس كلها دمار، نحتسب إلى الله ما حصل. ما لقيت إلا علم فلسطين بين الركام".
بينما تضيف شابة أخرى، وهي تغالب دموعها: "ليتني ما رجعت… الهدنة خلتنا نشوف الدمار بس، لا بيت ولا مأوى ولا حياة".
وفي منطقة المواصي، قالت امرأة: "رجعنا بعد النزوح ولقينا البيت المكون من طابقين على الأرض، ما لقينا شي نستخدمه، لا أثاث ولا أغراض".
فلسطينيون يعودون إلى منازلهم المدمرة في منطقة النفق بمدينة غزة وسط مشاهد دمار هائل خلّفته حرب الإبادة pic.twitter.com/xN50EPIWXx
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) October 11, 2025
وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، وتحليلات صور الأقمار الصناعية من مركز "UNOSAT"، إن ما يقارب 78% إلى 80% من مباني قطاع غزة دُمّرت أو تضررت بدرجات متفاوتة، في إحدى أكبر الكوارث العمرانية التي تسببت بها حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال.
وبحسب التقرير، فإن مدينة غزة ومناطق الشمال كانت الأكثر تضررًا، إذ تجاوزت نسبة الدمار فيها 83%، فيما بلغت الأضرار في محافظات خانيونس ورفح والوسطى نحو 70%.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الدمار الهائل طال البنية التحتية والمنازل والمؤسسات التعليمية والصحية، ما جعل أجزاء واسعة من القطاع غير صالحة للحياة، مشيرًا إلى أن الاحتلال استخدم آلاف الأطنان من المتفجرات في قصف الأحياء السكنية على مدار عامين من العدوان.
وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية ما تزال بلا مأوى، فيما تتواصل الجهود الأممية لتقييم حجم الخسائر بشكل كامل وإطلاق خطة إعادة إعمار شاملة للقطاع.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ يوم الجمعة 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بعد مصادقة الحكومة "الإسرائيلية" عليه، إثر وساطة قادتها قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة.
وأوضح جيش الاحتلال أن قواته أعادت تموضعها في "خطوط انتشار جديدة" وفقًا للاتفاق، لكنها ستواصل "العمل ضد التهديدات الفورية".