في ظل الضائقة الاقتصادية التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، لجأت عدد كبير من النساء في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان إلى الاستفادة من خبراتهن في إعداد الطعام والحلويات، وبيعها، من أجل إعالة أسرهن، وتأمين احتياجاتهن اليومية ، ومساعدة أزواجهن على مواجهة أعباء الحياة ، وذلك من خلال تحويل مطابخ منازلهن الصغيرة، إلى "مشاريع" يستثمرن فيها لتلبية متطلبات عائلاتهن الضرورية ،،رغم قلة الإمكانات، مستندين على قاعدة الإرادة تصنع المستحيل.
تعمل ريما في صناعة الحلويات وبيعها لتتمكن من توسيع منزلها الصغير جداً
ريما السعدي، سيدة فلسطينية تعود أصولها إلى قرية صفورية المهجرة، تقطن في مخيم عين الحلوة" عاشت ظروفاً صعبة بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وبعد معاناة طويلة، وعدة تجارب عمل فاشلة، افتتحت مشروعها "لينورا"، من مطبخ منزلها الصغير، وصارت تعد أصنافاً مختلفة من الطعام بالإضافة إلى الحلويات كالدونتس والكيك وغيره.
وتقول ريما الأم لثلاث بنات أنها منذ زواجها وهي تسعى للحصول على عمل من أجل مساعدة زوجها والتخفيف عنه من الضغوط التي تصادفه بسبب الظروف المعيشية القاسية، خاصة بعد ولادة بناتها اللواتي يحتجن إلى الكثير من المتطلبات
قررت ريما افتتاح مشروع "لينورا"، وهو مستوحى من أسماء بناتها لين و نورا، وتوضح لموقعنا أنها بعد الإنجاب لم تستطع إيجاد عمل خارج المنزل، فبدأت بتحضير الدوناتس بالمنزل وبيعها، وبعدها اشترت أدوات بسيطة لصناعة الحلويات وصارت تعرض منتجاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتلاقي قبولاً وطلبات، وصار لها زبائن من داخل المخيم وخارجه.
توضح ريما أن هناك أيضاً دافعاً قوياً اضطرها للعمل، وهو تسويع منزلها المكون من غرفة ومطبخ وحمام فقط، وبناء هذه الغرفة كلفها وزوجها انتظار ثلاث سنوات كي يكتمل الممبلغ المطلوب للبنا، ولم تستطع حينها بناء أكثر من غرفة.
هي تعلم جيداً أن راتب زوجها لن يكفي لإكمال بناء المنزل، وبعد طلبات عدة لم تلاقي تجاوباً قدمتها لوكالة "أونروا" ومنظمات دولية أخرى قررت العمل بنفسها، لتجميع المبلغ المطللوب.
وحتى الآن تعيش هي وزوجها وبناتها الثلاثة في غرفة واحدة ومطبخ وحمام، معتبرة أن "ما تعيشه وتمر به هو جهاد في سبيل الله"، وقالت: إنها "وضعت زينكو في المساحة المتاحة كي تستغلها، وهذا كل ما استطاعت فعله، ففكرة المشروع نبعت من ضغوطات الحياة".
ترى السعدي أن لا شيء يأتي بالسهل، ورغم صعوبة هذا المشروع بالنسبة إليها، إلا أنها على الأقل تشعر أنها تقوم بشيء، وتساعد زوجها قدر الإمكان، رغم أنها تصنع كل المنتجات يدوياً لعدم امتلاكها المعدات اللازمة وهذا يأخذ منها وقتاً وجهداً، فضلاً عن أن فرن الغاز لديها صغير ولا تعمل فيه إلا رأس واحدة، وثلاجتها صغيرة ما يضطرها إلى وضع منتجاتها في ثلاجة والدة زوجها التي تسكن في نفس البناء.
تؤكد أنها "قادرة على تيسير أمورها حالياً لأن راتب زوجها لا يكفي حتى لتأمين الأولويات للمنزل، فهي غير قادرة على تجديد الغاز أو شراء ثلاجة خاصة بالحلويات، وتتمنى أن تجدى كفيلاً أو ممولاً لمشروعها من أجل الاستمرار.
أما أمل أحمد الجمعة، صاحبة مطبخ "لمسة وطن"، وهي أم لثلاثة أولاد، قالت: "عملت سابقاً في مجال تدريس الأطفال، وبعد أن رزقني الله توأماً أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، اضطررت إلى التوقف عن التدريس، وأصبحت أهتم بطفلي، فهو بحاجة إلى معاملة خاصة"، وأضافت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "راودتني فكرة إنشاء المطبخ، بسبب ظروف الحياة الصعبة وغلاء المعيشة، وهذا العمل لا يتطلب الخروج من البيت، وأنا هوايتي الطبخ، لذلك سخرت موهبتي في هذا المجال".
في البداية درست الفكرة لأنها تعيش في مخيم، والظروف صعبة، حيث لم يعتد سكان المخيم على طلب وجبات جاهزة، وبعد اتخاذ القرار، بدأت بإعداد طبخات معينة في المنزل، نظراً لقلة رأس المال، وبعد ذلك صارت تسوق لها وتبيعها داخل المخيم، موضحة أنها بدأت هذا المشروع بعشرين دولاراً فقط، غير أن ما ساعدها هو أنها قبل وضع الأسعار درستها جيداً كي تناسب أهل المخيم، بالإضافة إلى تقديم عروضات حتى يستفيد الجميع، هي والزبائن.
بدأت أمل مشروعها بعشرين دولاراً وأسمته لمسة وطن
تعد أمل عدداً من الأصناف منها الكبب، وورق العنب، وشيش برك، ومندي، ومنسف دجاج ولحمة، وفي بعض الأحيان تطبخ حسب الطلبات، وتشدد أن أكثر ما شجعها على الاستمرار هو رؤيتها لأهالي قطاع غزة بعد ما انقطعت بهم سبل الحياة جراء حرب الإبادة والحصار يصرون على الحياة وإعداد الطعام على نار الحطب، لذلك أسمت مشروعها "لمسة وطن" وكل ما في نفسها هو أن تستطيع الطبخ لأهالي غزة "ولكنها بعيدة جداً ولا تملك لهم سوى الدعاء" حسبما قالت.
تقول أمل: إن "هذا المشروع لأجل أطفالها، نظراً لاحتياجتهم الحالية والمستقبلية، خاصة أنها تهتم بطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا يضيف عليها عبئاً إضافياً، ناهيك عن مصاريف المدارس والروضات والمصروف والمريول والقرطاسية"، موضحة أن واحداً من أهداف المشروع هو مساعدة زوجها في المصروف نظراً لوضع الشعب الفلسطيني الذي أصبح تحت خط الفقر في لبنان، وتحلم أن تمتلك مطعماً كبيراً مؤكدة أنها لن تتنازل عن حلمها.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرت نسرين على العمل في الطبخ من منزلها
بدورها أوضحت نسرين، التي تعود أصولها إلى بلدة السميرية، أنها "كانت البداية بالعمل في تنظيف الفوارغ (أمعاء الخروف، وهو طبق فلسطيني يتطلب تحضيره إلى جهد ووقت) وبيعه ، حتى فكرت في توسيع عملها بمشاركة أختها ملاك، فبدأتا معاً في تحضير مختلف أنواع الطعام، من كبب، ومعجنات، ومفتول ومحاشي وغيره.
تقول نسرين: إن هناك العديد من الأسباب التي أجبرتهما على العمل وافتتاح هذا المشروع، أهمها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والغلاء الفاحش الذي يسيطر على كافة مناحي الحياة، من طعام وشراب وقرطاسية ومدارس، وأيضاً الهدف في مساعدة زوجها، "فنحن في زمن يد واحدة لا تصفق، وعلى الرجل والمرأة أن يعملا معاً ليهونوا هموم الحياة على بعضهما البعض، وكل كفاح يعقبه نجاح".