كشفت شهادات الأسرى الفلسطينيين المحررين ضمن صفقة التبادل الأخيرة بين كتائب القسام والاحتلال "الإسرائيلي" عن حجم المعاناة التي عاشها آلاف الأسرى خلف القضبان على مدار عقود طويلة، في كلمات تعبر عن عقود من القهر والتعذيب والإذلال ضمن انتهاكات تضمنت التجويع الممنهج والحرمان من العلاج والتعذيب الجسدي والنفسي، وازدادت شراسة أثناء حرب الإبادة على غزة.
وقد بدأت عملية التبادل صباح يوم الاثنين، حيث أعلنت كتائب القسام تسليم الأسرى "الإسرائيليين" الأحياء إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر على دفعتين، ضمت الأولى سبعة أسرى عند الساعة الثامنة صباحًا، والثانية 13 آخرين عند العاشرة، ليصل عدد من أفرج عنهم إلى عشرين أسيراً "إسرائيلياً".
في المقابل، أفرجت سلطات الاحتلال عن مئات الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، وسط مشاهد مؤثرة من استقبال شعبي واسع في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، امتزجت فيها مشاعر الفرح بالحرية والحزن على الثمن الباهظ الذي دفعه أهالي قطاع غزة من دمائهم مقابل هذا الإنجاز.
شهادات من داخل جحيم سجون الاحتلال "الإسرائيلي"
كمال أبو شنب، أحد الأسرى المحررين المحكومين بثلاثة مؤبدات، وصف الأوضاع في السجون "الإسرائيلية" بأنها عذاب وقهر وذل وإهانات وجوع وخوف وكل ما هو سيئ، وقال وهو يشير إلى يديه المقيّدتين سابقًا بالأصفاد: "أنظر إلى يديّ وقدميّ التي كانت مكبّلة بالسلاسل لساعات طويلة قبل لحظة الإفراج، السجانون أنفسهم كانوا يقولون: ما هذه القدرة التي تمتلكونها على التحمل؟".
أما الأسير موسى صوفان (47 عامًا) من طولكرم، المحكوم بالسجن المؤبد منذ عام 2003 والمصاب بورم في الرئة، فقال: إن الأسرى عاشوا "سنوات من الألم والجوع والمرض والعزلة"، مؤكدًا أن "23 عامًا خلف القضبان لا تمحو الإحساس بالحزن على الثمن الذي دفعته غزة في سبيل حريتنا"، وأضاف بأسى: نخجل أمام هذه الدماء، فحريتنا مدينة لضحايا غزة".
وقال الأسير عزام دياب، الذي قضى 24 عامًا في السجن: عشنا عامين من الإبادة التي كانت من الجحيم، هذه أجمل لحظات عمرنا، وقلوبنا مع أهل غزة الذين عانوا ما لا يُطاق".
"غزة في القلوب والعهد باقٍ"
من جانبه، أدى الأسير المقدسي المحرر محمود عيسى التحية العسكرية لأهل غزة قائلاً: "غزة التي علمت العالم الصبر على كل المحن، لا يمكن أن تُهزم. في أعناقنا دين لا يُرد، وفي دم كل حرٍّ فيها عهد مستحق، سنبقى مدينين لغزة، فهي نبض شراييننا وخفق قلوبنا".
أما الدكتور سامر الحلبية، الذي قضى عشر سنوات من أصل حكم بلغ 32 عامًا، فقال: إنه لا يصدق حتى اللحظة أنه بات حرًا بجانب والدته بعد سنوات من الجوع والخوف والإذلال، مشيدًا بعظمة الشعب الفلسطيني وصموده الأسطوري.
وروى الأسير فيصل، المحكوم بـ30 عامًا، تفاصيل مروعة عن رحلة الإفراج نفسها، مؤكدًا أن "الفرحة كانت منقوصة لأننا خرجنا بطريقة مذلة وقاسية".
وقال: ما تعرض له الأسرى خلال السنتين الماضيتين من ضرب ومهانة لو وُزّع على نصف الأمة الإسلامية لكفاهم، مضيفاً: "لقد بدأ جمع الأسرى مساء الجمعة من سجن نفحة الصحراوي الذي يضم أكثر من 4 آلاف أسير، دون إعلام أو زيارات أو تدخل للصليب الأحمر. ومنذ لحظة إخراجنا من الأقسام، بدأت وحدات خاصة بضربنا بوحشية على الوجه والمناطق الحساسة".
وأكد فيصل أن بعض الأسرى تمنوا العودة إلى السجن من شدة التعذيب أثناء نقلهم، مشيرًا إلى آثار الجروح والالتهابات التي ما زالت بادية على أجسادهم.
"الديسكو" غرفة تعذيب خارجة عن كل القوانين
أما الأسير الشاب هاني (21 عامًا)، فتحدث عن اعتقاله على يد وحدة خاصة، وقضائه 24 ساعة في الميدان دون طعام أو ماء، تعرض خلالها لضرب شديد.
وصف هاني مكان التحقيق الذي سماه الأسرى "الديسكو"، وهو مكان خالٍ من أبسط مقومات الحياة، وقال: كنت واحدًا من خمسين أسيرًا تعرّضوا لكسور في العظام، وبقينا مكبّلين طوال الوقت. في الشتاء كنا ننام على الأرض بلا أغطية، نعاني من الجرب والدمامل والفطريات، ويفقد كثيرون الرغبة في الحياة."
وأضاف: "كانوا يضربوننا بمواسير حديدية وأدوات مطاطية تُخرج اللحم من أرجلنا. كنا نأخذ قطعة سلك من السياج ونعقمها بكمية ضئيلة من الكلور لتنظيف جروحنا. كثيرون استشهدوا من التعذيب، منهم جدي الذي كان في الثالثة والثمانين من عمره."
وأشار هاني إلى أن الأسرى كانوا يُجبرون على البقاء 24 ساعة على بطونهم وأيديهم مرفوعة في الهواء، فيما لا تزال آثار الجروح واضحة على ركبتيه وذراعيه حتى الآن.
الجوع، الإهمال، والتهديد أبرز الانتهاكات في السجون
وقال الأسير المحرر عبد الرحمن رشدان، الذي أُفرج عنه بعد 20 عامًا من الاعتقال ضمن صفقة التبادل: إن "الأسرى في سجون الاحتلال عانوا من جرائم تماثل ما ارتكبه الفاشيون والنازيون".
وأضاف: "الشعور اليوم مزيج من الفرح والحزن، فرح بالحرية، وغصة لأن إخوتنا ما زالوا في الأسر، نأمل الإفراج عنهم قريبًا."
وأشار رشدان إلى أن الأسرى تعرضوا للحرمان من الطعام والدواء والملابس ومواد التنظيف، وضرب وتكسير يومي مؤكداً أن هناك أسرى كُسرت أطرافهم وآخرين استُشهدوا جراء التعذيب والإهمال الطبي.
وفي السياق ذاته، تحدث الأسير المحرر سامي فتيلة من مدينة طولكرم، الذي قضى أكثر من 20 عامًا في السجن، عن أوضاع قاسية داخل المعتقلات، مؤكدًا أن المخابرات "الإسرائيلية" هددت المفرج عنهم بالاعتقال الإداري في حال التعبير عن آرائهم أو مشاركتهم في أي نشاط عام.
وقال فتيلة: "بقينا مكبلين حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج، ونتحدث اليوم بحذر لأن كل كلمة تُسجَّل علينا".