تقرير: أزمات "أونروا" المالية ناتجة عن هشاشة نظام التمويل والابتزاز السياسي

الثلاثاء 14 أكتوبر 2025

أصدرت الهيئة العربية للدفاع عن الأونروا (ACDU) في بيروت تقريرها الثاني ضمن سلسلة تقاريرها حول العجز المالي المزمن في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بعنوان: "العوامل البنيوية والسياسية وراء العجز المالي المتكرر في الأونروا"

وأكد التقرير، أن الأزمة المالية التي تواجهها الوكالة ليست خللاً محاسبياً أو سوء إدارة مؤقتاً، بل ظاهرة هيكلية ناتجة عن هشاشة نظام التمويل، وتوظيف السياسة في تقويض تفويض "أونروا" التاريخي كشاهدة على قضية اللاجئين وحقهم في العودة.

أزمة تمويل مزمنة لا ظرفية

وأوضح التقرير أن العجز المالي الذي يتكرر سنوياً أصبح سمة دائمة لعمل "أونروا"، وأن جذوره تعود إلى اعتماد الوكالة شبه الكامل على تبرعات طوعية غير ملزمة، ما يجعلها رهينة لتقلبات السياسة الدولية وأولويات المانحين.

وأشار إلى أن نحو 90% من ميزانية "أونروا" تُنفق على الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والإغاثة، فيما لا يغطي التمويل السنوي سوى الحد الأدنى لتسيير العمليات دون تطوير البرامج.

ويرى التقرير أن نظام التمويل الحالي يفتح الباب أمام الابتزاز السياسي، إذ تربط بعض الدول المانحة مساهماتها بشروط تتعلق بالمناهج التعليمية أو بما تسميه "الحياد السياسي"، وهو ما يتحول في كثير من الأحيان إلى ضغط على الهوية الوطنية الفلسطينية.

واقترحت الهيئة إنشاء آلية تمويل إلزامية ومستقرة، سواء من خلال دمج ميزانية "أونروا" جزئياً في الميزانية العامة للأمم المتحدة، أو إنشاء صندوق عربي دائم لدعمها يضمن استمرارية خدماتها بعيداً عن التقلبات السياسية.

ضغط ديمغرافي متزايد وفجوة هيكلية

وتطرق التقرير إلى التزايد الديمغرافي الكبير للاجئين الفلسطينيين، الذي فاق قدرة الوكالة التمويلية، مشيراً إلى أنّ الوكالة منذ تأسيسها عام 1950، ارتفع عدد اللاجئين المسجلين من نحو 750 ألفاً إلى أكثر من 5.9 ملايين لاجئ حتى نهاية 2023.


هذا النمو، بحسب التقرير، لم يُقابَل بزيادة في التمويل، مما أدى إلى فجوة مالية هيكلية وانخفاض معدل الإنفاق السنوي للفرد من 200 دولار في الثمانينيات إلى أقل من 100 دولار حالياً.

كما تدير "أونروا" اليوم أكثر من 700 مدرسة و140 مركزاً صحياً في مناطق عملياتها الخمس، فيما يستهلك التعليم 60% من ميزانيتها، ويُخصَّص نحو25 % أخرى للقطاعين الصحي والإغاثي، حسبما أورد التقرير.

وأشار التقرير إلى أن الأزمات المتكررة في غزة ولبنان وسوريا دفعت الوكالة نحو التحول من نموذج التنمية إلى نموذج إدارة الأزمات المستمرة، وفق توصيف تقرير (UNRWA Emergency Appeals Overview 2024) كما وصف معهد كريستيان ميشلسن الوضع الراهن بأنه "أزمة تمويل ديموغرافية مزمنة".

تضخم عالمي يفاقم التكاليف

وتناول التقرير تأثير التضخم العالمي وارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية بعد الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى زيادة تكاليف التشغيل بنسبة تجاوزت 30% في بعض المناطق.

وبيّن أن القيمة الشرائية الفعلية لموازنة "أونروا" تراجعت بما بين 10% و15% خلال عام واحد، في وقت تعمل فيه الوكالة ضمن اقتصادات هشة في لبنان وسوريا وغزة، تعاني أصلاً من تضخم محلي مرتفع.

التمويل كأداة ابتزاز سياسي

في المحور السياسي، يؤكد التقرير أن التمويل تحول من التزام إنساني إلى أداة ضغط سياسي، موضحاً أن قرارات بعض الدول بتجميد أو تخفيض المساعدات تُقدَّم تحت ذرائع "مراجعة الحياد" أو "إصلاح المناهج"، لكنها في جوهرها تهدف إلى إعادة تعريف قضية اللاجئين الفلسطينيين ودفعهم نحو حلول مجتزأة كالتوطين أو إسقاط صفة اللجوء.

ووفق التقرير، تشكل هذه الممارسات جزءاً من استراتيجية تفكيك تدريجي لوكالة "أونروا" وإضعاف دورها كرمز قانوني لقضية اللاجئين.

وأشار إلى أن تقارير معهد كريستيان ميشلسن (2022) ومجلة الدراسات الفلسطينية (2024) ودراسة الباحث عاهد جمعة (2025)، تتفق على أن الحملات "الإسرائيلية" والأميركية المكثفة ضد "أونروا" منذ حرب غزة 2023 تهدف إلى نزع الصفة الدولية عنها وتجفيف مواردها تمهيداً لإلغائها.

كما نبه التقرير إلى أن القرار "الإسرائيلي" بحظر نشاط "أونروا" في القدس يمثل امتداداً لهذه السياسة الهادفة إلى إفراغ قراري الأمم المتحدة (194) و(302) من مضمونهما، وتحويل الوكالة من شاهد قانوني على النكبة إلى جهاز إداري محدود الصلاحيات يخضع للقيود "الإسرائيلية".

الإدارة والرقابة: نقاط القوة والضعف

في الشق الإداري والرقابي، أشار التقرير إلى أن مكتب خدمات الرقابة الداخلية للأمم المتحدة (OIOS) أكد في تقريره الصادر في نيسان/أبريل 2024 عدم وجود أدلة على فساد ممنهج داخل "أونروا"، مع توصيات بتحسين الإجراءات التدقيقية.

لكن الهيئة لفتت إلى أن خصوم وكالة "أونروا" استغلوا مقتطفات مجتزأة من تقارير الرقابة لتشويه صورتها إعلامياً، ما حول أدوات المساءلة إلى وسائل ضغط سياسي.

كما شدد التقرير على أن الوكالة تعاني من ضعف التواصل الإعلامي الرسمي وغياب استراتيجية استباقية في مواجهة الحملات، حيث غالباً ما تكتفي ببيانات متأخرة وتقنية، ما يترك فراغاً إعلامياً تستغله الأطراف المعادية لنشر روايات مضللة.

ودعت الهيئة إلى تعزيز الحضور الإعلامي الرقمي لوكالة "أونروا" وبناء شبكة شراكات إعلامية شفافة، إضافة إلى توحيد الرسائل بين المكاتب الإقليمية الخمس.

وخلص التقرير إلى أن أزمة "أونروا" ليست مالية فقط بل سياسية وبنيوية مركّبة، ناتجة عن نظام تمويل هشّ واستهداف منظم لتفويضها الأممي، وأن إنقاذها يتطلب إصلاحات جذرية في آلية التمويل، وضمان استقلالها عن الابتزاز السياسي، وتعزيز دورها القانوني كرمز لحق اللاجئين في العودة.

اقرأ/ي التقرير كاملاً: التقرير الثاني للهيئة العربية للدفاع عن الأونروا: ضمن سلسلة العجز المالي في وكالة الأونروا

بوابة اللاجئين الفلسطينيين/ متابعات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد