اعتمدت اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، قرارًا بتجديد ولاية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" حتى 30 يونيو/ حزيران 2029، وذلك بأغلبية واسعة بلغت 149 دولة مؤيدة، مقابل 10 دول معارضة و13 دولة ممتنعة عن التصويت.
وأكد القرار أهمية استمرار عمل الوكالة دون عوائق إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، معربًا عن الأسف لعدم إعادتهم إلى ديارهم أو تعويضهم، مشيرًا إلى أن أوضاعهم لا تزال تثير القلق البالغ، ومؤكدًا ضرورة استمرار تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية الأساسية لهم.
ووفق ما أعلنته الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، فقد ضم معسكر المعارضين: الولايات المتحدة، "إسرائيل"، الأرجنتين، فيجي، هنغاريا، الباراغواي، نونغا، بابوا غينيا الجديدة، مقدونيا، بالاو.
أما الدول الممتنعة فشملت الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، التشيك، الكونغو، إثيوبيا، بلغاريا، ألمانيا، إيطاليا، نارو، ماكرونيزيا، مدغشقر، لاتفيا، ساموا.
وللمرة الأولى في تاريخها امتنعت ألمانيا عن التصويت، رغم إعلانها قبل أيام نيتها تقديم 18 مليون يورو إضافية لتمويل الوكالة في 2026، وبعد أن كانت أكبر مانح لـ "أونروا" في عام 2024، في خطوة وصفتها هيئة الدفاع عن اللاجئين بأنها نتيجة لضغوط سياسية وموازين قوى.
وأشار المتحدثون إلى أن التصويت النهائي على القرارات المرتبطة بالقضية الفلسطينية سيتم في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ترحيب فلسطيني ودعوات لزيادة التمويل
ورحّبت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة السلطة الفلسطينية بالقرار، معتبرة إياه دعمًا دوليًا واسعًا وغير مسبوق وتجسيدًا لمكانة القضية الفلسطينية في الوعي العالمي ورفضًا للسياسات "الإسرائيلية" الهادفة إلى تقويض حقوق اللاجئين.
وأكدت الخارجية أن القرار يرسّخ الحقوق غير القابلة للتصرف للاجئين الفلسطينيين، وفي مقدمتها حق العودة والتعويض، كما يشدد على ضرورة حماية ممتلكاتهم وسجلاتهم، واستمرار ولاية "أونروا" باعتبارها "خط الدفاع الأول" عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين.
شؤون اللاجئين: تجديد ولاية "أونروا" انتصار للعدالة والقانون الدولي
من جانبه رحب رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية د. أحمد أبو هولي بقرار تجديد ولاية "أونروا" معتبراً أن نتائج التصويت تعكس حجم الدعم السياسي الكبير لاستمرارية عمل "أونروا"، باعتبارها الجهة التي لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عن خدماتها إلى حين إيجاد حل سياسي عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194.
وأكد أن وكالة "أونروا" ستبقى الشاهد السياسي على قضية اللاجئين الفلسطينيين، والشاهد الحي على مأساة ونكبة اللاجئين مشيرًا إلى أن التجديد يشكل انتصارًا للعدالة وللقانون الدولي، وتجسيدًا للمسؤولية الدولية تجاه حماية حقوق اللاجئين واستمرار خدمات الوكالة.
وأوضح أبو هولي أن التصويت جاء تتويجًا للدعم السياسي الذي تلقته "أونروا" عبر إعلان نيويورك ومرفقاته الصادر في أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي أكد في بنوده على الدور الذي لا غنى عنه للوكالة، وعلى التزام الدول الأعضاء بتوفير التمويل الملائم لها.
وأشار إلى أن الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية أعاد التأكيد على حيادية "اونروا" وبرأها من الاتهامات "الإسرائيلية" المجحفة، ملزمًا سلطات الاحتلال بالتعاون معها.
وشدد أبو هولي على ضرورة أن يُترجم الدعم السياسي لـ"أونروا" إلى دعم مالي كافٍ ومستدام يمكّنها من تنفيذ تفويضها بموجب القرار 302، مطالبًا الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات رادعة لإلزام الاحتلال بتجميد قوانينه التي تحظر أنشطة الوكالة في شرقي القدس المحتلة وتقيّد عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تحديات مالية لازالت تواجه الوكالة
وكان المفوض العام للوكالة "فيليب لازاريني" قد شدد، خلال اجتماعات اللجنة الاستشارية لـ "أونروا" في العاصمة الأردنية عمّان، على أن تجديد الولاية يجب أن يترافق مع توفير تمويل كافٍ ومستدام يضمن استمرار الخدمات الأساسية، محذرًا من أن حياة ومستقبل ملايين اللاجئين تتعرض لخطر حقيقي في ظل العجز المالي المتفاقم.
وأشار "لازاريني" إلى أن الوضع في غزة "لا يزال غير مستقر" بعد عامين من القصف والنزوح والحصار، مع انتشار الجوع والأمراض والصدمات النفسية والجسدية على نطاق واسع. ونفى ما يتردد عن توقف عمل "أونروا" في غزة قائلاً: "هذا أبعد ما يكون عن الواقع. الوكالة لا تزال تعمل وهي أكبر مقدم لخدمات الصحة العامة والتعليم".
كما تطرق إلى الوضع المتدهور في الضفة الغربية، حيث أدت اعتداءات الاحتلال "الإسرائيلي" إلى تشريد أكثر من 32 ألف شخص من مخيمات شمال الضفة الغربية، في أكبر عملية تهجير منذ 1967، إضافة إلى تسجيل أكثر من 500 اعتداء للمستوطنين خلال تشرين الأول/ أكتوبر فقط.
وفي سياق متصل، أشار "لازاريني" إلى استمرار دور "أونروا" الحيوي في لبنان وسوريا والأردن، حيث يعتمد ملايين اللاجئين على خدماتها في ظل أزمات اقتصادية وإنسانية متفاقمة.
ويأتي هذا القرار الأممي بعد أقل من عام على مصادقة الكنيست "الإسرائيلي"، في أكتوبر 2024، على قانونين يمنعان "أونروا" من ممارسة أي أنشطة داخل "إسرائيل" وسحب التسهيلات والامتيازات منها، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة محاولة لعرقلة عمل الوكالة والالتفاف على حقوق اللاجئين الأساسية.
ويتزامن تجديد الولاية مع مرور عامين على حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، التي خلّفت أكثر من 69 ألف شهيد وأكثر من 170 ألف مصاب، معظمهم من الأطفال والنساء، وأدت إلى ارتقاء المئات من موظفي وكالة "أونروا" وتدمير منشآتها في القطاع.
