تتنامى في المنفى محاولات حفظ الذاكرة الفلسطينية وصون سرديتها، وتبرز اليوم بصورة جديدة مع افتتاح أول متحف للفن الفلسطيني المعاصر في أوروبا، وتحديدًا في مدينة إدنبرة الاسكتلندية.

 خطوة حملت بعدًا ثقافيًا ورمزيًا مهمًا، إذ تتيح للجمهور الأوروبي التعرف على الهوية الفلسطينية عبر الفن التشكيلي، بعيدًا عن التشويه ومحاولات الطمس التي يمارسها الاحتلال الصهيوني.

وشهدت إدنبرة افتتاح المتحف في موقع مميز وسط المدينة. وتحدث مدير المتحف، فيصل صالح، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن سبب اختيار المدينة قائلًا: "كنا نبحث عن تأسيس حضور فلسطيني في أوروبا، وبدأنا بمحاولة الحصول على موقع في دبلن، لكن أصحاب المبنى رفضوا تأجيرنا أي مساحة. بعدها اتجهنا إلى إدنبرة التي تستقطب مئات الآلاف من الزوار بفضل مهرجاناتها الثقافية والفنية. لقد دفعتنا حفاوة الشعب الاسكتلندي، إضافة إلى موقع المبنى في قلب المشهد الفني، إلى اتخاذ قرار الاستقرار هنا".

.jpeg
مدير المتحف فيصل صالح

وحول رسالة المتحف، أوضح صالح: "نسعى إلى إبراز التميّز الفني الفلسطيني، وإظهار إنسانية الفلسطينيين في مواجهة محاولات طمس فلسطين وتاريخها وثقافتها. الفن أداة قوية لنشر الرواية الفلسطينية، ونحن ماضون في إيصال قصتنا إلى العالم".

وكشف أن العمل جارٍ حاليًا لإنشاء فروع جديدة في أيرلندا ولندن وشيكاغو ونيويورك، مع دراسة مواقع إضافية، مشيرًا إلى أن تنفيذ كل مشروع "مرتبط بالظروف المحلية، وتوفر الأماكن المناسبة".

من جهته، قال الفنان التشكيلي الفلسطيني سليم عاصي، المقيم في كوبنهاغن، إن وجود متحف فلسطيني في الأقاليم الشمالية لبريطانيا، وتحديدًا في قلب إدنبرة، "يشكل مشهدًا يبعث على التفاؤل، ويعكس حضور الجالية الفلسطينية وارتباطها بقضيتها".

وأوضح أن اختيار موقع قريب من جامعة إدنبرة التي تخرّج منها بلفور صاحب الوعد المشؤوم "يمنح المكان بعدًا رمزيًا قويًا، وكأن المتحف يقدم ردًا من قلب الموقع ذاته".

وعن زيارته الأولى للمتحف، ذكر عاصي أنه صادف وجود متطوعين اسكتلنديين مناصرين للقضية الفلسطينية، وأن أول ما لفت انتباهه عند المدخل كانت لوحته "المفتاح البشري".

وأشار إلى أن المتحف يركز على الفنون التشكيلية، ويضم أعمالًا لفنانين فلسطينيين من أوروبا والشتات، إلى جانب أعمال من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتغطي الأعمال جوانب متعددة من القضية الفلسطينية، مثل الإبادة، والأسرى، والاعتقال، والشتات، والحصار، والقهر، والاضطهاد، إلى جانب الجانب المشرق المتمثل في التمسك بالأرض والهوية والمقدسات، وحياة القرى والفلاحين، وملامح القدس والزيتون والصبار. كما يضم جناحًا مخصصًا للثوب الفلسطيني والأزياء التراثية.

WhatsApp Image‏ 2025-12-03 at 16.48.55 (2).jpeg

ولفت عاصي إلى أن أكثر ما أثار إعجابه كانت خارطة فلسطين التاريخية المطبوعة على الجلد والممتدة لنحو ستة أمتار، وتضم أسماء المدن والقرى والبلدات جميعها "بطباعة دقيقة وواضحة، ما يجعلها تجسيدًا حيًا لفلسطين داخل المتحف".
 WhatsApp Image‏ 2025-12-03 at 16.48.55 (1).jpeg

وعن لوحته "المفتاح البشري"، قال: "رسمتها بالتزامن مع عودة أهل غزة إلى منازلهم بعد الهدنة مطلع العام الحالي. رغم الخسائر والدمار، ألهمتني صلابة الناس وإصرارهم. فحوّلت مشهد العائدين إلى مفتاح بشري يجسد التمسك بالأرض". وأوضح أن اللوحة انتشرت عالميًا عبر وسائل التواصل "ووصلت إلى المتحف الفلسطيني في إدنبرة في مفاجأة لم أتوقعها".

وأكد عاصي أن السردية الفلسطينية تتقدم اليوم بقوة، وأن الرواية الصهيونية تتهاوى أمام الشعوب الأوروبية، مشيرًا إلى أن التفاعل الأوروبي "كان محدودًا قبل الإبادة في قطاع غزة"، لكن صمود أهل القطاع كشف زيف الرواية الصهيونية، وأعطى دفعة كبيرة للرواية الفلسطينية.

وأضاف: "المطلوب اليوم هو البناء والتوسع، ورفع مستوى الكفاءة للوصول إلى جمهور أوسع، وتحقيق تأثير فعلي على الساسة والإعلاميين وأصحاب القرار في أوروبا".

WhatsApp Image‏ 2025-12-03 at 16.48.56.jpeg
 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد