يتجدّد الجدل في مخيمات الفلسطينيين في لبنان حول دور اللجان الشعبية ومدى قدرتها على تمثيل الناس والدفاع عن حقوقهم، وذلك في ظل تصاعد الأزمات المعيشية والاجتماعية داخل المخيمات. وبين تأكيدات رسمية على فاعلية هذه اللجان واستمرارها في أداء مهامها اليومية، تبرز أصوات نقدية تشكّك في أدائها، وتدعو إلى إعادة النظر في آليات عملها وشكل تمثيلها.
وفي هذا السياق، تتباين الآراء بين من يرى في اللجان الشعبية صمام أمان للمخيمات، ومن يعتبرها عاجزة عن مواكبة حجم التحديات المتراكمة، ويحملها مسؤولية التقصير في مواجهة الأزمات المتفاقمة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدّية حول مستقبل هذه اللجان ودورها في المرحلة المقبلة، ولا سيما مع اقتراب عام 2026.
اللجان الشعبية تقوم بدور يشبه إلى حد كبير عمل البلديات في المناطق اللبنانية
في هذا الإطار، تحدّث مسؤول اللجان الشعبية في منطقة صيدا، الدكتور عبد أبو صلاح، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، مؤكدًا أن "اللجان الشعبية تقوم بدور يشبه إلى حد كبير عمل البلديات في المناطق اللبنانية، إذ يتركّز نشاطها على الجانب الخدماتي اليومي، من خلال متابعة الشأن العام داخل المخيمات الفلسطينية".
وأوضح أن اللجان الشعبية "ممثلة في القيادة السياسية، سواء ضمن هيئة العمل الفلسطيني المشترك، أو من خلال فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتتابع مختلف القضايا اليومية للاجئ الفلسطيني على أكثر من صعيد، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، حيث تسهم في حلّ الكثير من القضايا العائلية".
وأضاف أبو صلاح أن "اللجان الشعبية تعمل بشكل يومي، ولا سيما في أوقات الأزمات، على معالجة مختلف القضايا، باعتبارها إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني".
وأشار إلى وجود علاقة مباشرة مع جميع القواطع داخل مخيم عين الحلوة مثلاً، حيث يقسم المخيم إلى أحياء وقواطع، ويُعدّ مسؤولو هذه القواطع أعضاء فاعلين في اللجنة الشعبية.
وأكد أن اللجان الشعبية تمثّل أبناء الشعب الفلسطيني بجدية ومسؤولية، من خلال عملها الميداني وعلاقاتها المتينة مع الأحياء وعموم أبناء المخيم، إضافة إلى التواصل اليومي مع المؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني، ما يعزّز دورها في متابعة شؤون الفلسطينيين.
ولفت إلى التنسيق القائم مع "دائرة شؤون اللاجئين" لمعالجة قضايا شبكات الكهرباء، والبنى التحتية، وآبار المياه، والمولدات، مشيرًا إلى وجود تجاوب كبير من الدائرة، وآلية عمل واضحة يتم من خلالها الحصول على الموافقات اللازمة وتنفيذ الأعمال بشكل كامل.
وفي ما يتعلّق بالعلاقة مع الدولة اللبنانية، أوضح أبو صلاح أن هناك تنسيقًا قائمًا، لا سيما في ما يخص أعمال الترميم، حيث يتقدّم العديد من أبناء المخيمات بطلبات لإدخال مواد الترميم، وتتولى اللجنة الشعبية إنجاز المعاملات المطلوبة والحصول على الموافقات اللازمة من الجهات اللبنانية المختصة.
وأكد أنه "رغم وجود خلافات سياسية فلسطينية، إلا أن بعض الفصائل التي تختلف سياسيًا مع منظمة التحرير الفلسطينية تحرص على إطلاع اللجنة الشعبية على المشاريع التي تنوي تنفيذها داخل مخيم عين الحلوة".
وعن العلاقة مع الفصائل الفلسطينية، أوضح أن اللجان الشعبية ممثّلة في هيئة العمل الفلسطيني المشترك، وفي فصائل منظمة التحرير، وتشارك في جميع المناسبات الوطنية من مهرجانات واعتصامات وفعاليات، مؤكدًا أن العلاقة مع مختلف الفصائل "أكثر من ممتازة".
اللجنة تؤدي واجبها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني بشكل يومي ودائم، ولا يقتصر دورها على معالجة الأزمات الطارئة
وشدّد أبو صلاح على أن "اللجنة تؤدي واجبها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني بشكل يومي ودائم، ولا يقتصر دورها على معالجة الأزمات الطارئة، بل تتابع قضايا "أونروا" والمشاكل الصحية والأزمات المختلفة بجدية ومسؤولية".
وبيّن أن "ثقة الناس باللجنة قائمة وكبيرة، ويتجلّى ذلك في كثرة الزائرين من الأهالي والمؤسسات، وفي الحراك الدائم داخل مكاتب اللجنة لمتابعة شؤون الفلسطينيين وحلّ قضاياهم"، لافتًا إلى أن هذه الثقة تدفع بعض ميسوري الحال إلى وضع أموال الزكاة بتصرّف اللجنة الشعبية.
وفي ختام حديثه، أكّد أبو صلاح أن اللجان الشعبية مستمرة في عملها خلال عام 2026، طالما هناك لجوء فلسطيني، لمتابعة شؤون الناس، مع السعي الدائم إلى تطوير الأداء وتحسين آليات العمل.
بدوره، أكّد مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم المية ومية، فادي قاسم، لموقعنا، أن "دور اللجان الشعبية داخل المخيمات يتركّز على الجانب الخدماتي اليومي، من خلال متابعة الشأن العام".
وأشار إلى أن "اللجنة الشعبية تُعدّ ممثلًا سياسيًا داخل المخيم، وهي مستمرة في تمثيل أبناء المخيم ومعالجة مختلف القضايا، كونها تتبع لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
وأضاف قاسم أن "اللجنة الشعبية تقوم بتنسيق دائم مع الدولة اللبنانية لتسهيل شؤون الفلسطينيين، وتؤدي واجبها تجاه أبناء المخيم، وستواصل عملها خلال عام 2026، طالما بقي اللجوء الفلسطيني قائمًا".
لا يوجد أي هيئة تقوم بدورها كما يجب والانقسام يؤثر على الأداء
وفي مقابل هذا الطرح الإيجابي حول دور اللجان الشعبية وإنجازاتها، يبرز رأي آخر يعتبر أن هذا الدور لا يزال قاصرًا عن تلبية احتياجات الفلسطينيين.
في هذا السياق، قال الباحث سامر مناع إنه لا يعتقد أن أي هيئة فلسطينية، اجتماعية كانت أم سياسية، تقوم بدورها كما يجب تجاه قضية اللاجئين، وفي مقدّمتها اللجان الشعبية، معتبرًا أن "مسؤوليتها تختلف عن غيرها بحكم تماسها المباشر واليومي مع قضايا اللاجئين".
وأشار مناع إلى أن اللجان الشعبية تعاني عدة إشكاليات، أبرزها أنها غير منتخبة، مؤكدًا أن عملية الانتخاب، في جوهرها النفسي والاجتماعي، تقوم على تحمّل المسؤولية وربطها بتمثيل الناس الحقيقي، بما يعزّز أداء اللجان.
وأضاف أن "الانقسام الفلسطيني يلعب دورًا أساسيًا في ضعف أداء اللجان الشعبية، حيث يختلف دورها من مخيم إلى آخر؛ ففي بعض المخيمات يكون دورها متقدمًا وملموسًا، بينما يقتصر في مخيمات أخرى على حضور شكلي". واعتبر أن هذا الانقسام انعكس حالة انقسام داخل اللجان نفسها، وأدّى إلى حالة من التنافس السلبي.
الأزمات التي يتعرّض لها اللاجئون يجري التعامل معها عبر "مسكنات" مؤقتة لا تصمد طويلًا
ولفت مناع إلى أن دور اللجان الشعبية في بعض الأماكن يقتصر على إدارة الأزمات، بدل العمل على معالجة المشكلات بطريقة عملية وفعّالة، مشددًا على أن "الوقاية خير من العلاج".
واعتبر أنه لم يكن من المفترض الوصول إلى هذا الحجم من الأزمات المتراكمة، في ظل تزايد المشكلات، واتساع العمران داخل المخيمات، وارتفاع أعداد اللاجئين، ما ينذر بتفاقم الأوضاع نحو الأسوأ.
وحذّر من أن الأزمات التي يتعرّض لها اللاجئون يجري التعامل معها عبر "مسكنات" مؤقتة لا تصمد طويلًا، متوقعًا انفجار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية في مرحلة ما، مؤكدًا أن "كل من لا يقوم بدوره بشكل جدي سيواجه الناس".
وأشار مناع إلى أن اللجان الشعبية، بصيغتها الحالية، غير قادرة على تمثيل الناس، لأن التمثيل الحقيقي يقوم على الانتخاب واختيار الكفاءات.
ودعا إلى ضرورة وجود متخصصين من مهندسين وأطباء وممرضين، يكون همّهم الأساسي خدمة الناس لا إرضاء القيادات، مضيفًا: "لا أرى المستقبل في عام 2026 إيجابيًا، لأن العقلية التي تدير اللجان ما زالت قائمة، وما تغيّر هو حجم المشكلات والهموم".
وأكد ضرورة "توحيد اللجان الشعبية عبر الانتخابات، وإتاحة المجال لكل من يستطيع خدمة اللاجئين للتقدّم إليها، كي لا يبقى التمثيل شكليًا وسياسيًا فقط".
لا تمارس دورها الحقيقي وإعادة تنظيمها ضرورة
من جانبه، أوضح الناشط محمود عطايا أن اللجان الشعبية، وحتى في أوقات الأزمات، لا تمارس دورها الحقيقي، معتبرًا أن ذلك "أمر مؤسف".
وقال: "لو كانت هناك لجان شعبية فاعلة تعمل وفق ما ينص عليه القانون الفلسطيني، لما كانت هناك حاجة إلى الحراكات والتحركات الشعبية، أو إلى وجودنا كناشطين".
وأشار إلى أن اللجان من المفترض أن تكون الجهة التي تتبنّى مطالب الناس، وتخوض المفاوضات، وتنقل تفاصيل معاناتهم بين المجتمع ووكالة "أونروا"، معتبرًا أن غياب هذا الدور أفقد بعض الناس ثقتهم بممثلي اللجان، رغم أن كثيرين ما زالوا مؤمنين بوجودها.
ورأى عطايا أن هذا الواقع يفرض ضرورة إعادة تنظيم اللجان الشعبية، عبر تشكيلها على أسس واضحة تضم ممثلين عن الفصائل، ووكالة "أونروا"، والمجتمع، وفق نظام داخلي ينظّم عملها وصلاحياتها.
وأكد أنه في ظل الوضع الحالي، لا تملك اللجان القدرة على تمثيل الناس أو التعبير عن مطالبهم، لأنها لا تؤدي دورها الأساسي، محذرًا من أنه إذا استمرت على النهج نفسه، فهي بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة والتحوّل إلى مؤسسة تعمل تحت سقف القانون، "وإلا فلا أمل بالتغيير، لا اليوم ولا في المستقبل".
استعادة الثقة ما زالت ممكنة إذ لا يزال اللاجئون يتطلعون إلى حلول لمشاكلهم
وفي ختام حديثه، أكّد عطايا أن استعادة ثقة الناس ما زالت ممكنة، إذ لا يزال اللاجئون يتطلعون إلى حلول لمشاكلهم. واعتبر أن أي تحرّك أو مبادرة تقوم بها اللجان الشعبية، وتُظهر من خلالها متابعة حقيقية لقضايا اللاجئ الفلسطيني، كفيل بإعادة الثقة وبعث الأمل لدى الناس وتشجيعهم.
وشدّد على أن الدور الحقيقي للجان الشعبية يتمثّل في متابعة القضايا والخدمات والدفاع عن حقوق الناس، لا الاكتفاء بدور سياسي شكلي بعيد عن همومهم اليومية.
وفي ظل تأكيد اللجان الشعبية استمرارها في أداء دورها، وتصاعد الأصوات المطالبة بالتغيير وإجراء انتخابات شفافة، يبقى مستقبل هذه اللجان في عام 2026 مرهونًا بمدى قدرتها على استعادة ثقة الناس، من خلال التعبير الحقيقي عن إرادة اللاجئين والدفاع عن حقوقهم، ولا سيما في هذه المرحلة التي تُعدّ من أكثر المراحل صعوبة في تاريخ اللجوء الفلسطيني في لبنان.
