يحلّ فصل الشتاء من كل عام على أهالي البقاع اللبناني حاملاً معه قسوة البرد والصقيع، إذ لا تستطيع العائلات في هذه المنطقة الاستغناء عن التدفئة المعتمدة على مادة المازوت. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون وقلّة فرص العمل، بدأت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" يوم الاثنين 29 كانون الأول/ديسمبر 2025، بتوزيع المساعدة النقدية الشتوية في منطقة البقاع، بقيمة 150 دولاراً للعائلة الواحدة.

وتشمل هذه المساعدة العائلات المسجّلة ضمن برنامج شبكة الأمان، والعائلات التي تضم أطفالاً دون سن 18 عاماً، وكبار السن فوق 60 عاماً، على أن تستمر عملية إرسال الرسائل للمستفيدين لمدة ثلاثة أيام، ويتم استلام المبالغ عبر شركة OMT.

150 دولاراً بين الأمل والمعاناة

ويواجه الفلسطينيون في البقاع صعوبات يومية متزايدة، في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وكلفة تأمين مادة المازوت واشتراكات الكهرباء، ما يشكّل عبئاً يفوق قدرتهم على التحمّل مقارنة بمدخولهم المحدود أو المعدوم. ومع قلّة فرص العمل وصعوبة التنقّل، يعاني كثيرون من نقص التدفئة والغذاء المناسب، فتتضاعف الضغوط المعيشية، فيما تبقى مساعدات "أونروا" وبعض الأقارب خشبة خلاص لكثير من العائلات.

مخيم الجليل.jpeg
 

في هذا السياق، تقول لينا موسى، وهي ربّة منزل، إن مبلغ 150 دولاراً لا يكفي لتغطية احتياجات فصل الشتاء، لكنه يساهم جزئياً في تخفيف المصروف. وتشير إلى وجود عائلات لا تملك ثمن تعبئة غالون مازوت واحد في ظل الظروف المعيشية القاسية، ما يجعل هذه المساعدة حاجة ملحّة، مطالبة "أونروا" بمنح الفلسطينيين حقوقهم كاملة.

مساعدة لا تكفي… لكنها تخفّف العبء

بدورها، تعبّر خيرية عطور، وهي فلسطينية من مخيم الجليل وأم لأربعة أطفال دون معيل، عن أن هذه المساعدة "أنقذتها" مع بداية العام، مؤكدة أن وضعها المعيشي سيئ جداً في ظل الغلاء المتواصل وصعوبة تأمين مستلزمات أطفالها اليومية.

 وتوضح أنها تعتمد بشكل أساسي على مساعدات أصحاب الأيادي البيضاء، في ظل غياب الجمعيات الداعمة، مشيرة إلى أنها تكتفي بتعبئة مازوت بقيمة 200 ألف ليرة لبنانية يومياً. وتضيف أن دعم "أونروا" في هذه المرحلة الصعبة كان له أثر مباشر في تخفيف معاناتها.

مساعدة شتوية محدودة… وغياب الجمعيات

من جهته، يقول مالك أسعد إن رسالة المساعدة وصلته في ساعات الصباح، لافتاً إلى أن هذه السنة هي الأولى التي يحصل فيها على مساعدة مالية، في حين لم تقدّم أي جمعية مادة المازوت منذ بداية فصل الشتاء، خلافاً للسنوات الماضية.

 ويوضح أسعد لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين أن المبلغ الذي حصل عليه يكفي لتعبئة برميل واحد فقط، مشيراً إلى أنه استهلك منذ بداية الشتاء برميلاً واحداً لتسخين المياه دون التدفئة. ويؤكد أنه رغم أهمية هذه المساعدة، فإنها تبقى غير كافية مقارنة بحجم المعاناة اليومية.

ويختم أسعد بدعوة الجهات المعنية، وعلى رأسها "أونروا"، إلى اعتبار هذه الخطوة الإيجابية بداية لمسار أوسع، مطالباً بالعدالة في التوزيع وشمول العائلات غير المستفيدة، لا سيما في منطقة البقاع التي تعاني من موقع جغرافي قاسٍ وندرة فرص العمل.

استبدال مساعدة المازوت بتأمين الدواء

في شهادة أخرى، يشير أبو عبد الله إلى أن مبلغ 150 دولاراً ساعده في ظل الظروف المعيشية الصعبة، خصوصاً في البقاع حيث تكاد تنعدم فرص العمل. ويوضح لـموقعنا أن "أونروا" لا تقدّم له ولعائلته أي نوع من الإعاشة أو المساعدات الأخرى، ولولا تجاوزه سن الستين لما شمله هذا القرار.

ويضيف أنه يعاني من مرضَي السكري والضغط، وأن أدويته غير متوفرة في عيادة "أونروا"، ما يضطره لشرائها على نفقته الخاصة. ويؤكد أن هذه المساعدة، رغم تخصيصها للمازوت، أنقذته جزئياً وساعدته على تأمين الدواء. ويختم بالشكر للوكالة متمنياً استمرار هذه المبادرات وتوسيعها لتشمل العائلات غير القادرة على العمل، ولا سيما كبار السن والمرضى، مع ضرورة استمرار "أونروا" في تقديم خدماتها الأساسية، خصوصاً في القطاعين الصحي والتعليمي.

"رحمة في فصل الشتاء"… لكنها غير كافية

بدورها، تؤكد أم عماد الحاج أن مبلغ 150 دولاراً شكّل عوناً أساسياً بدل الإعاشة، واصفة هذه المساعدة بأنها "رحمة في فصل الشتاء"، في وقت لا تزال أمامهم أربعة أشهر قاسية، قائلة: "ما في جمعيات بتساعدنا بهالوضع."

أما ريما محمد، وهي فلسطينية من برالياس، فتقول: "أخذت 150 دولاراً، دفعت 100 دولار إيجار البيت و50 دولاراً لشراء دواء لوالدتي". وتطالب "أونروا" بإعادة النظر في أوضاع الفلسطينيين، خاصة من لا معيل لهم، مؤكدة أنها تعيش مع والدتها، وتعتمد على مساعدات الأقارب في الخارج أو الجمعيات، وتضطر للاستغناء عن كثير من الكماليات لتأمين المازوت أو الطعام.

في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون في البقاع اللبناني، تأتي هذه المساعدات كمتنفس مؤقت يخفّف جزءاً من المعاناة اليومية. ورغم أهميتها ودورها في سد بعض الاحتياجات، تبقى الحاجة إلى مادة المازوت والدعم المستدام مسألة أساسية، في انتظار حلول أوسع وأكثر شمولاً تخفف عن الفلسطينيين أعباء شتاء طويل وقاسٍ.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد